رغم التطورات مع مصر والإمارات.. تركيا تجد صعوبة في التعامل مع السعودية
في 23 سبتمبر/أيلول، قدمت تركيا التهنئة للسعودية في الذكرى الـ91 لليوم الوطني السعودي. وقال رئيس البرلمان التركي "مصطفى شنطوب" في رسالة إلى نظيره السعودي "أتمنى بصدق تحسين العلاقات مع السعودية التي تجمعنا بها روابط تاريخية وثقافية مشتركة".
وقبل هذه الرسالة، أكد وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" أن المحادثات لتحسين العلاقات مع السعودية لا تزال مستمرة عبر قنوات مختلفة. وفي إشارة إلى إمكانية تحقيق انفراجة، أكد "جاويش أوغلو" أنه "إذا اتخذ الجانبان خطوات، فإن علاقاتنا مع السعودية ستعود إلى طبيعتها".
إحياء العلاقات التركية العربية
خلال الشهرين الماضيين، حققت تركيا تقدما دبلوماسيا في علاقاتها مع كل من مصر والإمارات.
وبعد اتفاق العلا، عقدت أنقرة والقاهرة جلستين من المحادثات الاستكشافية في مايو/أيار وسبتمبر/أيلول في القاهرة وأنقرة على التوالي. وقد أشار رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" إلى أن "العلاقات الدبلوماسية المصرية التركية يمكن استئنافها هذا العام إذا تم التغلب على القضايا العالقة"، كما أكد وزير الخارجية "سامح شكري" إحراز تقدم يأمل الطرفان في البناء عليه.
وفيما يخص المسار التركي الإماراتي، قام مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ "طحنون بن زايد" برحلة غير مسبوقة إلى أنقرة في 18 أغسطس/آب، التقى خلالها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان". وبعد فترة وجيزة، تحدث "أردوغان" والحاكم الفعلي لدولة الإمارات "محمد بن زايد" عبر الهاتف. وتدرس أبوظبي حاليًا فرصًا استثمارية كبيرة في تركيا، بما في ذلك استثمار بقيمة 500 مليون دولار لشراء شركة "إم إن جي كارجو" التركية لخدمات الشحن والبريد.
وبعد تسلم السعودية أوراق اعتماد "فاتح أولوصوي" سفير تركيا الجديد في الرياض، حافظ المتحدث الرئاسي التركي "إبراهيم قالين" على موقف إيجابي تجاه تحسين العلاقات مع الرياض، مشيرًا إلى أنه "قد تكون هناك تطورات إيجابية في القريب العاجل في علاقات تركيا مع السعودية".
وبالرغم أن جهود التقارب بين تركيا والسعودية بدأت قبل وقت طويل من تفكير مصر والإمارات في إصلاح العلاقات مع أنقرة، فإنه لم تحدث اختراقات دبلوماسية ملموسة حتى الآن.
معوقات التقارب التركي السعودي
لبعض الوقت، كان المسؤولون الأتراك متفائلين بشأن تطبيع علاقات أنقرة مع الرياض. من وجهة نظر تركيا، لا يوجد سبب لعدم السعي إلى التطبيع، فكل القضايا الكبرى التي تسببت في الخلاف بين البلدين لم تعد موجودة في الديناميكيات الإقليمية والدولية، سواء تعلق الأمر بالتوتر بين مصر وتركيا، أو التصور حول الإخوان المسلمين، أو قضية "خاشقجي".
ولكن لم يسفر هذا التفاؤل حتى الآن عن أي شيء ملموس بخلاف البيانات الرسمية التصالحية بين الدولتين، فيما لا تزال تحت السطح اختلافات خطيرة في المصالح.
ففي 9 سبتمبر/أيلول، أدانت الجامعة العربية ما وصفته بتدخل أنقرة في الشؤون الداخلية للدول العربية. وقد قوبل البيان، الذي رعته مصر والسعودية والإمارات، باعتراضات وتحفظات من عدة دول عربية أخرى منها قطر وليبيا والصومال وجيبوتي. وقد رفضت تركيا "المزاعم التقليدية" التي قدمتها جامعة الدول العربية، مشددة على أن مثل هذه التعليقات تقوض الإجراءات الإيجابية الأخيرة في المنطقة.
وتشير التطورات الإيجابية الأخيرة بين تركيا وكل من مصر والإمارات إلى أن بيان جامعة الدول العربية يعكس في الغالب تردد السعودية تجاه التقارب. في الواقع، يبدو أن جهود المصالحة بين تركيا والسعودية قد توقفت في السنوات الأخيرة. وما تزال التجارة الثنائية بين البلدين أقل بكثير من ذروتها البالغة 5.6 مليار دولار المسجلة في عام 2015، حيث لا تزال المقاطعة السعودية غير الرسمية للبضائع التركية سارية، بالرغم من نفي السلطات السعودية لهذا الأمر.
وبالرغم من الإيماءات الإيجابية للملك "سلمان" تجاه تركيا في عامي 2020 و2021، لم يعرب ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" أبدًا عن اهتمام مماثل بتوثيق العلاقات. ويمثل موقف ولي العهد عقبة كبيرة أمام إصلاح العلاقات مع أنقرة، خاصة أن التحقيق في قضية "خاشقجي" يواصل الإضرار بصورة ولي العهد وسمعته حول العالم.
وبينما قد يعتقد "بن سلمان" أن السعودية لم تعد في موقف حرج يُجبره على إعادة العلاقات مع أنقرة، فإن العديد من المؤشرات الإقليمية تشير إلى خلاف ذلك. وما تزال الرياض عالقة في المستنقع اليمني وغير قادرة على التعامل مع التحركات الاستراتيجية لنظرائها الإقليميين وقد تفقد نفوذها التقليدي في المنطقة.
من ناحية أخرى، نجحت تركيا في بسط نفوذها عبر عدة صراعات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقوقاز. وقد عززت أنقرة موقفها التفاوضي، في حين أن انتكاسات السعودية في اليمن والخليج وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط أجبرتها على المصالحة مع الدوحة والتعامل مع إيران من موقع ضعف.
الضرورة الاستراتيجية والشراكات السعودية المتطورة
تعد السعودية حاليًا القوة الإقليمية الوحيدة ذات الوزن الثقيل التي لا تتمتع بعلاقات جيدة مع اللاعبين الأساسيين الآخرين في الشرق الأوسط، مثل تركيا وإيران وإسرائيل. ومن غير المرجح أن يتحسن المشهد الاستراتيجي للمملكة قريبًا. وليس من المتوقع أن تحل الرياض خلافاتها مع إيران في أي وقت قريب، ولا يمكنها أن تلجأ إلى إسرائيل لاتفاق أمني دون الإضرار بشكل خطير بصورتها في العالم العربي والإسلامي الأوسع.
وبالنظر إلى اتساع الفجوة بين الرياض والإمارات بشأن مجموعة من القضايا، فإن هذا يترك المملكة بلا شركاء حقيقيين في المنطقة. ومع توتر العلاقات بين إدارة "بايدن" و"بن سلمان"، تتجه المملكة نحو شركاء استراتيجيين أقل قوة مثل اليونان للحصول على المساعدة، حيث سعت السعودية (ثالث أكبر دولة على مستوى العالم من حيث الإنفاق الدفاعي وفقا لبيانات 2018) لشراء أسلحة من اليونان التي لا تعد دولة وازنة من الناحية الاقتصادية أو العسكرية.
وفي 14 سبتمبر/أيلول، غادر أكثر من 120 فردًا من القوات المسلحة اليونانية مع بطاريات باتريوت إلى السعودية لمساعدة المملكة في الدفاع عن نفسها وسد الفجوة التي خلفها قرار الولايات المتحدة بسحب صواريخ باتريوت من البلاد، بالرغم من تعرضها لهجمات الحوثيين. وبعد أسبوع، وصل فريق من القوات البرية الملكية السعودية إلى اليونان للمشاركة في تدريبات مع القوات الخاصة اليونانية.
وفي حين أن مثل هذه الإجراءات لن ترقى بالتأكيد إلى مستوى يساعد المملكة في حماية نفسها نظرًا لفوائدها العسكرية المحدودة، فإن هذه الشراكة الناشئة ستضيف طبقة أخرى من التعقيد لعلاقات الرياض مع تركيا.
ويعد عجز السعودية في أفغانستان مثال على تراجع النفوذ السعودي. فبعد سيطرة طالبان على كابل، لجأت الولايات المتحدة وكل الدول الغربية تقريبًا إلى قطر للحصول على المساعدة الدبلوماسية واللوجستية بدلاً من السعودية. كما أن دول مثل تركيا وإيران وحتى الإمارات لها دور تلعبه في القضية الأفغانية. وباستثناء تحسين علاقاتها مع باكستان وزيارة وزير الخارجية السعودي إلى الهند، فشلت الرياض في تأكيد نفسها بشكل فعال في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وبالنظر إلى نهج الرياض الحالي، سيكون من المستحيل على السعودية الحفاظ على تفضيلاتها الحالية في السياسة الخارجية إذا أرادت تجنب الانزلاق إلى الغموض الإقليمي.
ويقدم تحسين العلاقات مع تركيا خيارًا معقولًا لمساعدة السعودية على الخروج من دوامة الوضع الحالي، خاصة إذا توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق بشأن تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، فإن قرار تعزيز العلاقات الثنائية ليس متروكًا لتركيا وحدها، فيجب أن يتوصل الطرفان إلى قناعة أن تحسين العلاقات سيعزز مصالحهما المشتركة في المنطقة وخارجها.
المصدر | علي بكير، أيوب أرصوي/ منتدى الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد