هل تستطيع تركيا والسعودية تحقيق الاستقرار في العلاقات؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1771
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

كانت هناك محاولات بين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط خلال الأسابيع القليلة الماضية، للحد من التوترات وإيجاد أرضية مشتركة. تتصدر هذه الجهود، المحادثات بين تركيا والسعودية، الخصمان الإقليميان منذ فترة طويلة، بهدف حل التوترات المستمرة منذ سنوات بين البلدين.

وقد طغى على هذا الانفراج المتوقع استمرار المباحثات بين إيران والولايات المتحدة في فيينا لمعالجة المشاكل القائمة والعمل نحو اتفاق يشير إلى إمكانية تغير ميزان القوى في المنطقة.

في حين قد تتمكن تركيا والسعودية، وهما من أقوى الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط، من الحفاظ على علاقات مستقرة لسنوات عديدة، فإن الاضطرابات التي حدثت في العقد الماضي قد جلبت تحديات جديدة.

تدهورت العلاقات التركية السعودية بعد حصار قطر عام 2017 من قبل الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة، واغتيال "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية بإسطنبول، وتحول كل جانب إلى المواجهة الإعلامية، وتمت الدعوة بصوت عالٍ إلى المقاطعات الاقتصادية، وأثيرت المشاكل في مناطق أخرى. وتزامنت المقاطعة السعودية للبضائع التركية مع الذكرى الثانية لمقتل "خاشقجي"، مما زاد الوضع سوءًا.

أدت المواقف المختلفة للدولتين من القضايا الجيوسياسية الإقليمية، مثل الحرب الأهلية السورية والليبية، ووجود الجيش السعودي في مناورة مشتركة مع اليونان، إلى زيادة توتر علاقتهما الخلافية.

ومع ذلك، بالرغم من أنه يبدو من الصعب على هذين البلدين استعادة علاقاتهما على المدى القصير، فإن التطورات التي حدثت في الأشهر الأخيرة توفر نظرة أكثر تفاؤلاً.

لقد حاولت السعودية منذ فترة طويلة الحفاظ على نفوذها على الدول العربية من خلال استخدام مزيج من الهوية الإسلامية والعربية لإضفاء الشرعية على هيمنتها. ونظرًا لأن السعودية لا تملك الأدوات اللازمة لتوسيع هيمنتها العربية الإسلامية على دول غير عربية مثل تركيا، فإنها تستخدم استراتيجية موازنة القوة لخلق تفوق نسبي.

فقد كانت تركيا، التي نشأت من قلب الإمبراطورية العثمانية أيضًا، أحد أعمدة السياسة الخارجية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي المناهضة للسوفيات في المنطقة لعقود، وفي العقد الماضي أصبحت أيضًا شريكًا رئيسيًا في سياسة أمريكا تجاه سوريا.

تبددت الآمال في انفراج سعودي تركي في يناير/كانون الثاني عندما شاركت مقاتلات سعودية من طراز "إف15" في مناورة مشتركة مع اليونان في شرق البحر المتوسط. وقبل المناورات العسكرية المشتركة بين اليونان والسعودية، كانت تركيا قد أقامت وجودًا عسكريًا كبيرًا في مواقع استراتيجية في شرق وجنوب وغرب السعودية حيث تحتفظ بقواعد عسكرية في قطر والصومال، وللسفن الحربية التركية وجود دائم في البحر الأحمر.

التزم العاهل السعودي الملك "سلمان" والرئيس "رجب طيب أردوغان" في المحادثة الهاتفية بينهما قبل قمة مجموعة العشرين التي استضافتها السعودية في نوفمبر/تشرين الثانب 2020 بـ "إبقاء قنوات الحوار مفتوحة"، وهو ما مثل علامات أولى على تحسن العلاقات بينهما. وقد عمل انتقال السلطة في الولايات المتحدة، مع سيطرة الديمقراطيين الآن على كل من البيت الأبيض والكونجرس (وإن كان ذلك بفارق ضئيل للغاية)، على تسريع هذا الزخم.

 بالرغم من أن كلاً من تركيا والسعودية حليفان تقليديان للولايات المتحدة، إلا أن السياسة الخارجية للرئيس "بايدن" قد تعطل علاقات واشنطن مع كل من أنقرة والرياض، حيث انتقد "بايدن" كلا البلدين باعتبارهما ديكتاتوريات رجعية خلال الحملة الانتخابية.

يبدو أن الانفراج هو أيضًا رغبة قطرية عندما أعلن وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" أن "قطر ستكون سعيدة بالعمل كجسر بين تركيا ودول أخرى في المنطقة"، وقد حاولت قطر أن تكون وسيطًا من أجل تخفيف التوترات بين السعودية وكل من تركيا وإيران.

وقد صرح وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان آل سعود" بأن العلاقات جيدة مع تركيا، وتعتبر زيارة وزير الخارجية التركي "مولود تشاوش أوغلو" إلى المملكة، في 10 مايو/أيار، أول زيارة لمسؤول تركي رفيع المستوى إلى السعودية منذ اغتيال "خاشقجي". وبحسب تقارير إعلامية، أجرى مستشار "أردوغان" والمتحدث باسم الرئاسة التركية، "إبراهيم قالن"، محادثات مع نظرائه السعوديين للمساعدة في نزع فتيل التوترات في السنوات الأخيرة.

تراجع تجاري

أثرت التوترات في نصف العقد الماضي سلبًا على حجم التجارة بين السعودية وتركيا. وسجل حجم التجارة، الذي بلغ في المتوسط ​​5 مليارات دولار في 2018، 5.1 مليار دولار في 2019 و4.7 مليار دولار في 2020. وتراجعت منتجات الرياض المستوردة من تركيا إلى أدنى مستوى لها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وسط مقاطعة غير رسمية.

ووفقًا لمعهد الإحصاء السعودي، بلغت واردات البلاد من تركيا 259.3 مليون دولار أمريكي في فبراير/شباط 2020، لكنها انخفضت إلى 13.5 مليون دولار أمريكي بحلول ديسمبر/كانون الأول ومع ذلك، لم يتغير حجم التجارة هذا بشكل كبير في السنوات الثلاث السابقة، بالرغم من الانخفاض الملحوظ في واردات السعودية.

وكما هو الحال مع الدول الأخرى، وجدت العلاقات السعودية التركية طريقة للاتفاق على مجال واحد من مجالات السياسة الخارجية وهو مجال مبيعات الأسلحة. أصبحت تركيا منتجًا عسكريًا مهمًا في المنطقة، حيث استثمرت 35 مليار دولار في صناعة الدفاع على مدى السنوات الأربع الماضية لتعزيز قوتها الصلبة والناعمة وتحقيق الاكتفاء الذاتي في البحث العسكري والتصنيع.

وبالرغم من خلافاتهما، اشترت السعودية أسلحة وطائرات بدون طيار من تركيا، التي في طريقها لتصبح رائدة السوق والقوة الصاعدة في سوق الطائرات بدون طيار والأسلحة كجزء من هدف "أردوغان" لتقليل الاعتماد على الأسلحة الأجنبية.

بدأ مصنعان سعوديان في إنتاج طائرة بدون طيار تركية الصنع على ارتفاع متوسط ​​وطويلة الأمد. ستقوم شركة "إنترا ديفانس للتكنولوجيا والإلكترونيات المتقدمة" بإنتاج طائرات مسيرة من نوع "كاريال صو" بموجب ترخيص "فيستل للدفاع".

وفي 16 مارس/آذار، أكد "أردوغان" أنه بالإضافة إلى اتفاقية الإنتاج المشترك، فإن السعودية تتفاوض أيضًا لشراء كمية غير معروفة من طائرات "كاريال صو". ويتضمن البرنامج بناء مجموعة من 40 طائرة من طراز "كاريال صو" بين عامي 2021 و2025. وسيعاد صقل الطائرة التركية بدون طيار ليصبح اسمها "هبوب" في السعودية. كما ستستفيد العلاقات السعودية والتركية من الحل السعودي للنزاع الخليجي 2017-2021 وإنهاء الحصار عن أقرب شركاء أنقرة في المنطقة، قطر.

تراجع الأزمة

يُظهر انتهاء الأزمة الخليجية في قمة العلا لدول مجلس التعاون الخليجي، والإشارات الإيجابية الأخيرة من أنقرة والرياض، أنه من الآن فصاعدًا يمكن لتركيا إقامة علاقة أكثر راحة مع السعودية.

في السنوات الأخيرة، هاجم الحوثيون السعودية بطائرات بدون طيار وصواريخ، وأثرت هجمات الحوثيين على منشآت الطاقة السعودية بشكل كبير على قدرة البلاد على الإنتاج والتصدير. وأصبح أمن إمدادات الطاقة في السعودية مصدر قلق كبير للرياض نتيجة لدور الطائرات بدون طيار.

وسيؤدي قرار السعودية الأخير باستخدام الطائرات بدون طيار التركية لتأمين البنية التحتية للطاقة وتعزيز قطاعها الدفاعي، إلى زيادة التجارة بين البلدين واعتماد السعودية على الأسلحة التركية، وتوفير شروط لبيع طائرات بدون طيار تركية الصنع بين الدول العربية.

استنادًا إلى الاتصالات الأخيرة، يبدو أن كلا البلدين يمكنهما حل جزء من خلافاتهما من خلال مراجعة سياستهما الخارجية، ويمكن لتركيا أن تشارك الشركات السعودية في مشاريع مهمة.

تسبب اندلاع أزمة فيروس "كورونا" وانخفاض قيمة الليرة التركية في أزمة للاقتصاد التركي؛ ويعد جذب رأس المال الأجنبي، وخاصة السعودي، إحدى الطرق التي يمكن للحكومة التركية من خلالها تخفيف بعض آثار الأزمة الحالية على الاقتصاد التركي.

هناك عدة نقاط يمكن أن تلتقي فيها السعودية وتركيا، بدءاً من الأزمة في سوريا، وحتى علاقات تركيا مع جماعة الإخوان المسلمين وليبيا، حيث يجب على أنقرة والرياض تقديم حل مربح للطرفين. ويمكن أن تساعد زيادة حجم التجارة أيضًا في الحفاظ على مستوى العلاقات السياسية وزيادته.

إن استمرار محادثات إيران والولايات المتحدة يظهر إن المحادثات في فيينا يمكن أن تنجح. ويمكن لأي اتفاق جديد بينهما أن يقرب خصوم إيران في المنطقة من بعضهم البعض.

من الواضح أنه يجب على تركيا والسعودية حل المشكلات القائمة في إطار مصالحهما الوطنية للعب دور أكثر فاعلية في المنطقة في حقبة ما بعد "كورونا"، وفي إطار ميزان القوى بشكل عام.

 

المصدر | أوميد شكري كاليحصار/ منتدى الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد