هل تَطرُد الرياض السفير الأمريكي بعد رفضها القاطع لاتّهام بن سلمان بالمُوافقة على قتل خاشقجي؟
وهل ستُفرَض العُقوبات على وليّ العهد وماذا عن موقف والده؟.. دول خليجيّة أيّدت السعوديّة ولم تُهاتِفها وقطر التزمت الصّمت فماذا عن قناتها “الجزيرة”؟.. “كلنا بن سلمان” للتّضامن!
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
اكتفت العربيّة السعوديّة بإصدار بيان اعتبره نشطاء مُوالون شديد اللهجة، ويرد على الاتّهامات التي قال التقرير الأمريكي بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وافق على عمليّة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، واعتبره تهديدًا للمملكة، وقال بيان وزارة الخارجيّة السعوديّة، بأن حكومة المملكة ترفض رفضاً قاطعاً ما ورد في التقرير من استنتاجات مُسيئة، وغير صحيحة عن قيادة المملكة، وأكّد البيان بأن التقرير تضمّن “جملة من المعلومات والاستنتاجات الخاطئة غير الصحيحة”.
وبالرغم بأنّ التقرير الأمريكي الذي وافقت على نشره إدارة جو بايدن، على عكس نظيرتها السابقة دونالد ترامب، ذكر صراحةً مُوافقة الأمير بن سلمان على عمليّة الاغتيال، وهو اتّهام صريح، توقّع البعض بأن يجري “غمغمته”، بعد الاتصال الذي جمع الرئيس بايدن، والملك سلمان بن عبد العزيز، في حين تردّد بأن التقرير جرى تأجيله لأمس الجمعة، حتى يتم الاتصال، ومع هذا صدر الاتهام الصريح لولي العهد السعودي الشاب.
الرياض التي أسَفِتْ في بيانها “حقّاً” بأن يصدر مثل ذلك التقرير، لم تلجأ لتصعيد موقفها مع واشنطن، بل إنّ مُقارنةً جرى تصديرها إعلاميّاً، بين موقفها مع كندا وطرد السفير الكندي، على خلفيّة تدخّل الأخيرة بالشأن السعودي ونشطاء المجتمع المدني المُعتقلين، وبين تأكيد بيان الخارجيّة السعوديّة على “الشّراكة” بين المملكة، والولايات المتحدة الأمريكيّة التي ارتكزت على أسس راسخة، وأملت الرياض بأن تستمر هذه الأسس الراسخة، دون إعلان سريع لطرد السفير الأمريكي كما فعلت مع نظيره الكندي غير المرغوب فيه.
بيان بعض الدول الخليجيّة التي سارعت لتأييد بيان الرياض حول خاشقجي، قال بأن التقرير يخلو من دلائل واضحة وقاطعة على الاتهام، وبكُل الأحوال بدا أن إدارة بايدن تجنّبت تقديم أدلّة ملموسة تملكها مثل نصوص إلكترونيّة، ومقاطع صوت وصورة، جرى الحديث عن أنّ أجهزة الاستخبارات الأمريكيّة تملكها، وقامت أجهزة الأمن التركيّة بإطلاعها عليها من مكان وقوع الجريمة في قنصليّة الرياض بتركيا، وهي التي قد تُثبت تورّط الأمير بن سلمان بالشكل القانوني اللازم الذي يُوجب مُلاحقته، ومُعاقبته بالتالي.
العُقوبات التي طالت الشخصيّات السعوديّة المُتورّطة باغتيال خاشقجي (76 شخصيّة)، لم يرد من ضمنها الأمير بن سلمان، وبالرغم أن الأخير جرى توجيه الاتهام الأمريكي له صراحةً بالتورّط، لم تشمله العقوبات التي طالت المُتورّطين، وهي عقوبات ماليّة، ومنع منحهم تأشيرات دخول للولايات المتحدة الأمريكيّة، وعلى رأسهم اللواء أحمد عسيري، وقوّة التدخّل السريع، الذراع الأيمن للأمير بن سلمان.
وفيما رحّب نواب أمريكيّون، وأعضاء مجلس شيوخ بالتقرير الذي وصفوه بالشّفاف، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ بوب مينينديز بأنه يأمل بأن تكون خطوة بايدن هذه خطوة أولى فقط، وأنها تخطط لاتخاذ خطوات ملموسة لتحميل محمد بن سلمان عمّا فعله، وهو ما يشي بأن خطوة الكشف عن التقرير قد تكون غير كافية لمُحاسبة الأمير بن سلمان شخصيّاً عن الجريمة وهي التي نفى مسؤوليّته المُباشرة عنها، أو لعلها المشهد الختامي الذي اختاره بايدن لملف خاشقجي، تطبيقاً لوعوده فيما يتعلّق بتقديم المصالح الإنسانيّة على السياسيّة في علاقته مع السعوديّة، فالأمير الشاب لم تطله أي من العقوبات الأمريكيّة المُباشرة حتى الآن.
وفيما حرصت الإمارات والبحرين والكويت خليجيّاً على تأييد بيان الرياض الرافض للتقرير الأمريكي حول خاشقجي، التزمت قطر الصمت، وبدا أنّ الأخيرة حرصت على ضبط موقفها، وعدم تباينه بعد المُصالحة، وتركت للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف تأييده للبيان الصادر عن الخارجيّة السعوديّة بخُصوص مقتل خاشقجي، حيث اعتبر الحجرف بأن التقرير الأمريكي لا يعدو كونه رأياً خالياً من أيّ أدلّة قاطعة، وقد أيّد الأمين العام للمجلس كل الخطوات التي تتخذها السعوديّة من أجل حفظ حقوقها، وتعزيز مُكتسباتها.
وما بعد المُصالحة الخليجيّة في قمّة العُلا، كان لافتاً بأنّ قناة “الجزيرة” التي تابعت ملف خاشقجي وصدّرته نشراتها، وتغطياتها، لم يشغل اليوم التقرير الأمريكي إلا حيّزًا إخباريّاً بسيطاً من تغطياتها، بعد أن كانت الأخيرة أحد المدفعيّات الثّقيلة التي أنهكت السلطات السعوديّة بما يتعلّق بملف خاشقجي وغيرها من ملفّات، وهو ما قد يُفسّر سر الصمت القطري، وعدم التأييد أو الرفض لما جاء في تقرير الاتهام للأمير بن سلمان، حيث وقبل أسابيع كان الأخير وأمير قطر تميم بن حمد، يتصافحان، ويتعانقان بعد خلاف طويل في قمّة العُلا السعوديّة، ولوحظ أنّ القناة القطريّة كانت أقرب إلى وجهة نظر المملكة فيما يتعلّق بالتقرير الأمريكي، وحرصت على استضافة العديد من المحللين السعوديين من الرياض والأمريكان من واشنطن، ولكنّها لم تستضف أيّ من وجوه المُعارضة السعوديّة المعروفة التي كانت تستضيفها دائمًا على شاشتها قبل المُصالحة.
على صعيد الجبهة الداخليّة للمملكة، فقد تصدّر وسم “هاشتاق”، “كلنا بن سلمان” وغيّر النشطاء السعوديّون صورة حساباتهم الشخصيّة لصورة الأمير تضامناً، أمّا خارجيّاً فكان وسم “بن سلمان قاتل خاشقجي” يتصدّر، وبعض الأصوات تُحذّر لضرورة التفريق بين مُعاقبة السعوديّة ككُل، ومُعاقبة بن سلمان شخصيّاً، أمّا الإماراتي ضاحي خلفان، فسخر من تباكي أمريكا على خاشقجي، وهي المسؤولة عن جرائم سجن أبو غريب.
وفي حين يُنتَظر أن يكون التقرير الأمريكي، رسالة واضحة للسعوديين بضرورة تعديل الانتهاكات في ملف حقوق الإنسان، والذي أكّد بايدن للملك سلمان بأنه سيُحاسبهم عليه، كانت الأنباء القادمة بالأثناء من المغرب تتحدّث عن اعتقال ناشط رأي سعودي، وإمكانيّة ترحيله للسعوديّة، بطلب من سلطات المملكة، وسط مخاوف على حياته، كما أن التساؤلات ستكون مطروحة بطبيعة الحال، إذا كانت الرياض ستتراجع عن سياسات ما أسمتها محاربة الفساد والتيار الصحوي، وتُفرج عن أمراء، ورجال أعمال، ومشائخ، من غير الذين اشتهرت أسماؤهم كلجين الهذلول، وغيرها من الأسماء القليلة التي أُفرج عنها.
وبالعودة إلى تقييم موقف الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو الذي أجرى الاتصال الهاتفي مع الرئيس بايدن، فلم تنشر وكالة الأنباء الرسميّة “واس” تصريحات منسوبة للعاهل السعودي حول رأيه بالتقرير الأمريكي، وبدا أن الملك الثمانيني فضّل الصمت، وترك لخارجيّته الكلام والتصريح، حيث الأخيرة رفضت التقرير رفضاً قاطعاً، وهو ما قد يُمثّل الإجماع السعودي على هذا الرأي، على الأقل إعلاميّاً، وسياسيّاً، بغض النظر فيما لو ظهر تباين مُفترض بين موقف الملك ووليّ عهده خلف الكواليس حول اغتيال خاشقجي كما كان يتردّد حول مسألة التطبيع مع إسرائيل مثالاً.
وفي حين لم تَصدُر مواقف مُنفردة عن بعض الدول العربيّة غير الخليجيّة التي أيّدت السعوديّة في قضيّة خاشقجي سابقاً مثل الأردن المُتقارب حاليّاً مع إدارة بايدن ومُرتاح لرحيل ترامب، كان لافتاً فقط صُدور بيان البرلمان العربي الذي أيّد بيان الخارجيّة السعوديّة بشأن التقرير الأمريكي، وعلى عكس قطر الصّامتة، أعربت سلطنة عُمان السبت مُتأخِّرًا عن تضامنها في بيان لوزارة خارجيّتها مع السعوديّة بشأن التقرير، وحتى كتابة هذه السطور، لم يجر الإعلان عن مُكالمات هاتفيّة تلقّاها العاهل السعودي أو وليّ عهده تضامناً، واقتصر التأييد على بيانات وزارات الخارجيّة الخليجيّة، وعلى عكس العمليّة التي أجراها الأمير بن سلمان، وتلقّى والده الملك سلمان تمنيّات السلامة لولي عهده، وأبرزها من الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي.
وعلى صعيد الدول الغربيّة، سجّلت بريطانيا إدانتها للسعوديّة، وجدّدت بأن موقفها كان ولا يزال بأن مقتل خاشقجي جريمة مُروّعة، ومن غير المُتوقّع أن تُسجّل دول أوروبيّة موقفاً مُغايرًا لموقف بريطانيا تجاه التقرير الأمريكي، وهو ما يعني إجماعاً غربيّاً على وحشيّة الجريمة، هذا بالإضافة إلى أن صفقات الأسلحة مع المملكة النفطيّة، مُجمّدة، أو مُؤجّلة كما فعلت ألمانيا، أو لعلّها ألغيت تماماً.
الأيّام القادمة بكُل الأحوال، ومُتابعة ردّة فعل الرياض، هي من ستكشف مدى جديّة الكشف عن هذا التقرير الأمريكي، من عدمه، والإفراج عن مُعتقلين بارزين مثل الأميرين محمد بن نايف، والأمير أحمد بن عبد العزيز، حيث الأمير بن سلمان الحاكم الفعلي، وقد نجح خلال سنوات إدارة ترامب، بإحكام قبضته على مفاصل الدولة، ومنعه من الوصول للحُكم كما تذهب بعض التحليلات قد يحتاج لأكثر من كشف تقرير، والمملكة كما بات يُردّد كتابها المحليّون ليست جمهوريّة موز، ولديها الكثير من الأوراق، أكبرها الذهاب إلى الحُضن الروسي، والتعامل مع الملك سلمان كما أعلن بايدن بمَعزلٍ عن وليّ عهده، قد لا يعني شيئاً على أرض الواقع بحُكم الواقع، ومع هذا تبقى الأعين مُسلّطة على البيت الأبيض وقاطنه، فالأخير سيُعلن اتّخاذ المزيد من الإجراءات بخُصوص المملكة الاثنين، ومدى تأثيرها ونجاعتها في التأثير على حاكم المملكة المُرتقب وجُلوسه على العرش من عدمه.