هجمة دبلوماسيّة مُفاجئة للتّعاطي مع الأزمة الليبيّة.. عقيلة صالح يتنقل بين الملكيّات العربيّة.. ووزير الخارجيّة السعودي يَحُط الرّحال في الجزائر وتونس
في تواز مع تدفّقٍ هائلٍ للمُرتزقة والعتاد الحربيّ إلى طرفيّ الصّراع.. ماذا يجري بالضّبط؟ وحتى متى يستمر “الصّبر” الجزائري؟
بدأ السيّد عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي المُنتخب ومقرّه طبرق بجولةٍ شملت الملكيّات العربيّة ابتداءً من المغرب حيث يسعى لـ”تجديد” اتّفاق الصخيرات لتسوية الأزمة الليبيّة، مُرورًا بالأردن بدعوةٍ خاصّةٍ من عاهلها، وهُناك تقارير تتحدّث عن احتِمال القِيام بجولةٍ تشمل “الملكيّات” الخليجيّة بِدأً بالسعوديّة.
جولة السيّد صالح وتحرّكاته هذه التي تتوازى مع ظاهرة “اختفاء” الجِنرال خليفة حفتر من واجهة الأحداث، تأتي في وقتٍ تنتظر فيه الأطراف المحليّة والدوليّة المُتصارعة على الأرض الليبيّة ساعة الصّفر لبدء معركة “سرت الجفرة” التي يرى الكثير من المُراقبين أنّها قد تكون حاسمة، أو بداية لحربٍ قد تطول لسنوات، وتبعها جولة مُفاجئة للأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجيّة السعودي، شَمِلَت العواصم الجزائريّة التونسيّة والمغربيّة والمصريّة.
السّؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ هو: أين الجزائر، الدولة الإقليميّة العُظمى وسط كل هذه التطوّرات، ولماذا تلعب دور المُستقبل للمَبعوثين، ولا تُبادر وتقود الحِراك في هذه الأزمة بحُكم مكانتها كدولة إقليميّة عُظمى؟
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يتعاطى بحذرٍ شديدٍ مع الأزمة الليبيّة، ويقف على مسافةٍ واحدةٍ من جميع الأطراف المُتصارعة، ويتحلّى بنفسٍ طويلٍ وبما يؤدّي إلى عدم تورّط بلاده في هذه الرّمال المُتحرّكة في دولة تزيد حُدود الجزائر معها عن ألف كيلومتر، وهذا الحذر حكيم ومطلوب ومفهوم في الوقت نفسه، فلا أحد يعرف ليبيا وتطوّرات الأوضاع وموازين القِوى فيها مِثل الجار الجزائري، وهُناك من يُفسّر هذا الحذر والتأنّي بأنّهما يعودان إلى أكبر قدرٍ مُمكنٍ من جمع المعلومات والتعرّف على المواقف قبل الإقدام على أيّ تحرّك.
الرئيس تبون عارض تسلّح القبائل الليبيّة وهو الاقتراح الذي طرحته السّلطات المِصريّة أثناء استِقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي للسيّد عقيلة صالح والجنرال حفتر في القاهرة بعد حُصوله على تفويض من برلمان الشرق وبعدها البرلمان المِصري بالتدخّل عسكريًّا في ليبيا، وقال الرئيس تبون إنّ هذا التّسليح قد ينقل الأزمة الليبيّة من حالة “السّورنة” الرّاهنة، إلى مرحلة “الصّوملة” الأكثر خُطورةً، وهذا التّوصيف يبدو دقيقًا في أوساط قطاعٍ عريضٍ من المُتابعين للشّأن اللّيبي الرّاهن، والوقائع العسكريّة والسياسيّة على الأرض.
الموقف الجزائري من الأزمة الليبيّة لا يجب أن يقتصر على مرحلة التّحذير والانتِظار مثلما يعتقد الكثير من الخُبراء في ظلّ تفاقم الأوضاع على الأرض، وتدفّق العتاد العسكريّ الثّقيل وآلاف المُرتزقة إلى الجبهات الليبيّة في الجانبين، لأنّ الجزائر ستكون الأكثر تأثُّرًا، وبشكلٍ سلبيٍّ، وربّما دمويّ، في حال اشتِعال فتيل الحرب المُوسّعة، بحُكم أمرين: الأوّل أنّها الجار الأقرب إلى ليبيا، والثّاني أنّها مُستهدفة من أكثر من طرفٍ دولي وإقليميّ، يُريد إغراقها في اضطرابات داخليّة تؤدّي إلى زعزعة استقرارها، وعرقلة عمليّة التّعافي التي تعيشها حاليًّا بعد عِشرين عامًا من الجُمود والنّزيف الداخليّ.
الحل للأزمة الليبيّة يجب أن يكون مغاربيًّا، وبعيدًا عن أدوار بعض الأطراف العربيّة المشرقيّة التي كانت داعمةً لتدخّل حلف الناتو التّخريبي في ليبيا، ووظّفت مِلياراتها لتمويله، ممّا أدّى إلى “عشريّة سوداء” ليبيّة، نرى إفرازاتها الكارثيّة، ولذلك نأمَل أن تقود الجزائر وتونس والمغرب ومِصر الجُهود للتوصّل لهذا الحل في أسرع وقتٍ مُمكنٍ، ووضع كُل الخِلافات جانبًا، لأنّ هذه الدول ستكون الأكثر خسارةً في ظِل تَصاعُد التدخّلات الخارجيّة، في هذه الأزمة التي تُهدّد دولة عربيّة بالتّفتيت والفوضى وإهدار الثّروات، على غِرار ما حدث في سورية والعِراق والصومال، بل والجزائر نفسها لولا حِماية الله ورحمته، وصُمود شعبها التّاريخي، ووعيه بالمُؤامرة.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”