الصين تعزز وجودها في مجال الطاقة المتجددة بالخليج
استكمل صندوق "طريق الحرير" المملوك للصين استحواذه على 49% من شركة "أكوا باور" للطاقة المتجددة القابضة ومقرها السعودية في مايو /أيار الماضي.
وتسلط الشراكة، التي تم الإعلان عنها للمرة الأولى في يونيو/حزيران 2019، الضوء على تأثير الصين المتنامي في مجال الطاقة المتجددة داخل دول الخليج.
ويقدم التباطؤ الاقتصادي العالمي فرصة أقل تكلفة للصين لتعزيز تواجدها التجاري في سوق الطاقة المتجددة في المنطقة والقطاعات الاستراتيجية الأخرى المتعلقة بالبنية التحتية الحيوية.
وقدمت الصين نفسها مؤخرا كشريكة تقنية مفضلة ورائدة في مجال الصحة العامة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وتشرف شركة التكنولوجيا الصينية "هواوي" على مشروعات تطوير الجيل الخامس في دول الخليج، بينما ساعدت شركة "BGI" الصينية في فتح منشأة لاختبار فيروس "كورونا" في أبوظبي.
ويشعر بعض المحللين في دوائر السياسة الخارجية الأمريكية بالقلق من توسيع النفوذ الصيني في عدد من القطاعات الاستراتيجية في الخليج.
الطلب على الطاقة المتجددة
تستعد الصين لتأمين مكانتها كممول ومطور ومشغل رئيسي في سوق الطاقة المتجددة في الخليج، في ظل نمو هذا القطاع بنحو 313% من 2014 إلى 2018.
تتركز متطلبات الطاقة المتجددة في المنطقة في السعودية والإمارات، وهما صاحبتا أكبر اقتصادين في المنطقة، وعدد سكانهما معًا حوالي 45 مليون نسمة.
لكن قيود الميزانية التي تواجه حكومات المنطقة، تجعلها تحتاج إلى شركاء محليين ودوليين للمساعدة في تحقيق أهدافها المتعلقة بالطاقة.
ستساعد زيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة السعودية على إدارة الزيادة المتوقعة (3 أضعاف) في استهلاك الطاقة المحلية على مدى العقد المقبل.
حددت "رؤية السعودية 2030" هدفاً يتمثل في توليد 9.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2023، وهي زيادة طموحة في قدرات البلاد البالغة 142 ميجاوات في عام 2019.
ويقدم "البرنامج الوطني للطاقة المتجددة" و"مبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة" خريطة طريق لتوسيع نطاق صناعة الطاقة المتجددة في البلاد.
أما "استراتيجية الطاقة الإماراتية 2050" فتسعى إلى مضاعفة مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة في الدولة على مدى العقود الثلاثة المقبلة، ويأمل المسؤولون الإماراتيون أن تؤدي الاستراتيجية إلى توفير ما يقرب من 191 مليار دولار، بالإضافة إلى المساعدة في تحقيق الأهداف البيئية.
وتمتلك شركة "مبادلة" للاستثمار المملوكة للدولة في أبوظبي شركة "مصدر"، المطورة والمستثمرة في الطاقة المتجددة، والتي استثمرت 4.5 مليار دولار في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح العالمية منذ عام 2006.
شراكة بين القطاع العام والخاص
تعد شركة "أكوا باور"، وهي مطورة ومستثمرة ومشغلة رئيسية لتوليد الطاقة ومحطات تحلية المياه في السعودية وبلدان أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قناة رئيسية للتأثير الصيني في الطاقة الخليجية ومشاريع البنية التحتية الحيوية.
ومع تخفيف السعودية للقيود المفروضة على مشاركة القطاع الخاص في صناعات الكهرباء وتحلية المياه خلال أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، استفادت شركة "أكوا باور" من السوق السعودية المتنامية وظهرت كمطور عالمي للمرافق.
يتكون المساهمون في الشركة من العديد من التكتلات السعودية والهيئات الحكومية، بما في ذلك صندوق الاستثمارات العامة، والوكالة السعودية للمعاشات التقاعدية، وتتوقع الشركة أن تشكل مشاريع الطاقة المتجددة نحو 70% من محفظتها بحلول عام 2030، ارتفاعًا من 23% في عام 2019.
بالإضافة إلى الشراكة مع صندوق "طريق الحرير"، وقعت "أكوا باور" اتفاقيات استراتيجية مع العديد من الكيانات التجارية الصينية في عام 2019.
فقد وقعت الشركة صفقات مع شركة "باور تشاينا" وشركة "تشاينا جيزوبا جروب" و"بنك الصين" في منتدى "الحزام والطريق" الثاني في مايو/أيار 2019.
ووصف "بادي بادماناثان"، الرئيس التنفيذي لـ"أكوا باور"، التعاون بأنه "يتجاوز مجرد إدارة الأعمال، إنه انعكاس للعلاقات السعودية الصينية القوية التي ستفتح أبوابًا جديدة للتعاون في المشاريع المستقبلية والعظيمة في جميع أنحاء العالم".
وفي وقت سابق من عام 2019، اتفقت "أكوا باور" و"هواوي" على تحسين كفاءة مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية، مثل مشروع "سكاكا" للطاقة الشمسية في السعودية، وهي أول محطة للطاقة الشمسية على نطاق المرافق في البلاد، كما تخطط الشركتان للتعاون في رقمنة إدارة محطات الطاقة.
تشارك الصناديق والشركات الصينية بشكل فعال في مشروعات الطاقة المتجددة الضخمة في الإمارات، واختارت هيئة كهرباء ومياه دبي مجموعة شركات بقيادة "أكوا باور" وصندوق "طريق الحرير" لتنفيذ المرحلة الرابعة من مجمع "محمد بن راشد آل مكتوم" للطاقة الشمسية.
تهدف الحديقة الشمسية إلى إنتاج 5 جيجاوات وجذب حوالي 13.6 مليار دولار من الاستثمارات بحلول عام 2030.
كما أن شركة "جينكو سولار" القابضة الصينية تساهم في تطوير محطة "نور أبوظبي" للطاقة الشمسية في سويحان بقيمة 871.1 مليون دولار، وهي منشأة ستكون قادرة على إنتاج 1.2 جيجاوات من الطاقة.
مشاركة البنوك الصينية
وبالمثل، تعد الصين مصدراً مهماً لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة في الخليج، حيث تشكل البنوك الصينية 5 من 8 بنوك دولية تمول "مجمع محمد بن راشد آل مكتوم" للطاقة الشمسية في دبي، وتمتلك شركة "جينكو سولار" حصة 20% في مشروع محطة "نور أبوظبي" للطاقة الشمسية.
في مارس/آذار، وافق "البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية" على أن يصبح مقرضًا لمشروع الطاقة الشمسية "ابري 2" ذي قدرة الـ500 ميجاوات في عُمان، ويعد هذا الاستثمار الذي تبلغ قيمته 60 مليون دولار أول تمويل لمشروع طاقة متجددة من البنك الصيني في منطقة الخليج العربي.
مع التباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة فيروس "كورونا" وتوقعات سوق النفط، فإن الديون منخفضة التكلفة والشراكة في الأسهم ستصبح مكونات مركزية في الشراكات بين القطاعين العام والخاص في الخليج.
من المحتمل أن تعيد الحكومات في المنطقة النظر في خطط خصخصة مرافق الطاقة ومحطات تحلية المياه وغيرها من أصول الدولة.
قد يسمح هذا للكيانات الصينية بالتقاط الأصول مقابل مال أقل، فيما يمهد الطريق لعقود من المشاركة التجارية في البنية التحتية الحيوية في المنطقة، كما قد تشيع أكثر صفقات مشابهة لحصول الحكومة العُمانية على مليار دولار عن طريق بيع حصة 49% في الشركة العمانية لنقل الكهرباء إلى شركة "جريد كوربوريشن" الصينية.
نحو مستقبل أكثر خضرة
يمكن للشركات الصينية أن تستمر في تصدير الدعم والخدمات القائمة على التكنولوجيا، حتى لو توقفت خطط مشاريع البنية التحتية الثقيلة.
وكتب الباحثان "جود بلانشيت" و"جوناثان هيلمان" في مقال عن "طريق الحرير الرقمي" لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "يمكن تنفيذ مشاريع البنية التحتية الرقمية حتى في بيئة تتقيد فيها الموارد أكثر".
وخلال مؤتمر بالفيديو في مايو/أيار، استكشفت "هيئة كهرباء ومياه دبي" و"هواوي" كيفية توسيع التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، وجاء النقاش بعد قمة استراتيجية عقدت بين "هيئة كهرباء ومياه دبي" و"هواوي" في أغسطس/آب 2019.
قد يؤدي انهيار أسعار النفط والانكماش الاقتصادي العالمي إلى تأخير الاستثمارات في الطاقة المتجددة جزئيًا، ويصبح تحقق هذا السيناريو واردًا أكثر، في البلدان المنتجة للنفط والغاز التي تعتمد على الإنفاق الحكومي.
ومع ذلك، فإن الاتجاه العالمي نحو اعتماد أكبر على الطاقة المتجددة لم يختف، كما لم تفقد الصين اهتمامها بالإمكانات الخضراء في الخليج.
المصدر | روبرت موجيلنيكي | معهد دول الخليج بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد