المنافسة اليمنية تشتد على نصيب من كعكة الدعم السعودي
في 25 أبريل/نيسان، أعلن "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يمثل حركة انفصالية كبيرة جنوبي اليمن، الحكم الذاتي والسيطرة على مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن.
تبدو هذه الخطوات كأنها ذروة في الأحداث، لكنها ليست في الواقع كذلك، فهي ليست إعلان انفصال كامل ولن تغير جذريًا الديناميكيات الحالية في الجنوب.
ولكن بنظرة أوسع، فإن هذا الإعلان يوضح تقلبات المنطقة، والقدرة المحدودة للحكومة اليمنية، وصعوبة فرض حل لمشكلة الانفصال.
كما أنه يثير منافسة سياسية على الدعم السعودي، وكل هذا يشكل تحديا دبلوماسيا كبيرا للسعوديين.
كان الشئ الذي حفز توقيت إعلان "المجلس الانتقالي الجنوبي"، هو الفيضانات الكارثية التي ضربت عدن قبل يومين، حيث خلفت الأمطار الغزيرة 10 قتلى وتضررت مئات العائلات خلال الأيام الأولى من شهر رمضان.
وفي ظل وجود حكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي" في الرياض أثناء الأزمة، اعتبر "المجلس الانتقالي الجنوبي" الجهود التي بذلها المسؤولون الحكوميون للسفر إلى عدن في أعقاب الكارثة الطبيعية بمثابة استعراض سياسي.
كان غياب الحكومة يعني أن رئيس الوزراء اليمني "معين عبد الملك سعيد" وأعضاء حكومته لم يتمكنوا من مغادرة الرياض إلى عدن بسبب احتمال أن يمنع "المجلس الانتقالي الجنوبي" دخولهم إلى المطار.
ليست المرة الأولى
هذه هي المرة الثالثة حتى الآن التي يوجه فيها المجلس الانتقالي تهديدات بالحكم الذاتي تهدف إلى إضعاف الحكومة ويؤسس نفسه كسلطة أمر واقع.
ففي أوائل عام 2018، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي تشكيله الرسمي ككيان سياسي يمثل مصالح الجنوب، ثم قدم مطالب واضحة وإنذاراً يدعو إلى إقالة رئيس الوزراء السابق "أحمد بن دغر"، وهي المطالب التي تحققت في نهاية المطاف بالرغم من المقاومة الأولية من "هادي".
كان التهديد الثاني في أغسطس/آب 2019 في أعقاب هجوم الحوثيين على القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مما أدى إلى مواجهة بين المجلس الانتقالي وحكومة "هادي" بسبب عدم قدرة الأخيرة على توفير الأمن.
صعّد المجلس الانتقالي الجنوبي عبر السيطرة على موانئ ومصفاة عدن والبنك المركزي ووزارتي النقل والداخلية، من بين مؤسسات أخرى.
وأدت المواجهة بين الجانبين في نهاية المطاف إلى توقيع اتفاقية الرياض التي رعتها السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ، والتي منحت المجلس الانتقالي الجنوبي اعترافًا وقوة كان في أمس الحاجة إليهما.
كما أتاحت الاتفاقية للمجلس الانتقالي تواصلا مباشرًا وعلنيًا مع القيادة السعودية، مما أتاح له إقامة علاقة تدريجية مع الجهة الداعمة لـ"هادي"، وهو ما زاد من إحساس "هادي" بعدم الأمان.
وفي كل مرة يُصعّد فيها المجلس الانتقالي، كان يعزز مكاسب أكثر مما كان متوقعًا؛ وهو تكتيك استخدمته ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران لإحداث تأثير كبير على مدى السنوات الست الماضية من الصراع.
لكن الاختلاف الرئيسي هو أن المجلس الانتقالي أصبح يتعاون وينخرط مع السعوديين، بدلًا من إطلاق الصواريخ عليهم كالحوثيين.
رحب المجلس الانتقالي مراراً وتكراراً بعودة السعودية إلى صراع اليمن للحصول على قبول الرياض وتعجيل عملية الانفصال.
كما إن المجلس الانتقالي الجنوبي يروج بانتظام لنجاحه والتزامه بمحاربة قوات الحوثيين المدعومة من إيران، على أمل إغراء السعوديين بالتوقف عن دعم "هادي" ودعمهم بدلاً من ذلك.
رد "هادي" والتحالف
يواجه "هادي" حاليا ضغوطا متزايدة؛ وقد أدان إعلان المجلس الانتقالي باعتباره انقلابًا وألقى اللوم على المجلس وداعمه الرئيسي؛ الإمارات، في عرقلة تنفيذ اتفاقية الرياض، مع أن هذه ليست أفضل خطوة دبلوماسية بالنظر إلى هشاشة موقفه.
كما طلب "هادي" المساعدة من حكام المنطقة الجنوبية لإدانة إعلان المجلس الانتقالي للحكم الذاتي؛ وشككت الحكومة ومؤيدوها والناشطون المؤيدون للوحدة في التزامات السعودية والإمارات في اليمن.
أصدرت كل من السعودية والإمارات بيانات دعم لحكومة "هادي"، مؤكدين على أهمية العودة إلى اتفاقية الرياض، التي تتطلب التعاون بين السعودية والإمارات و"هادي" والمجلس الانتقالي الجنوبي ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
كانت لهجة تخفيف التصعيد للتحالف الذي تقوده السعودية متوقعة؛ لأن أي انفجار سياسي أو دبلوماسي سيكون له عواقب وخيمة على العمليات ضد ميليشيات الحوثيين على الأرض.
ولكن التنسيق الفعلي ليس سهلا مثل الأقوال؛ فهناك قصور في الثقة المتبادلة بين حكومة "هادي" والمجلس الانتقالي الجنوبي، مما يجعل تنفيذ اتفاقية الرياض صعبا، إن لم يكن مستحيلًا تمامًا.
تجلت الصعوبات في منتصف مارس/آذار عندما شجب السفير السعودي في اليمن "محمد بن سعيد الجابر" التصعيد العسكري الذي أثارته القوات التابعة لحكومة "هادي" في شقراء بجنوب اليمن وحث قوات "هادي" على التركيز على الرد على تهديد الحوثي، والالتزام باتفاق الرياض.
وعلى نفس المنوال، فإن المجلس الانتقالي لم ينفذ شيئًا تقريبًا يتجاوز تسليم المؤسسات الحكومية التي استولى عليها والسماح بعودة "هادي" وحكومته إلى العاصمة المؤقتة، إلا أن المجلس الانتقالي يواصل تحدي دخول القوات الرئاسية إلى عدن.
كل هذا يعرض السعودية لمعضلة، حيث أن الانحياز إلى طرف واحد في صراع "هادي" مع المجلس الانتقالي سيؤثر حتمًا على عملياتهم البرية الشاملة في اليمن.
ما هي الآثار؟
إن ما يحدث في الجنوب له آثار ضخمة ليس فقط على حكومة "هادي"، ولكن أيضًا على حزب "الإصلاح"، الذي يتعرض حاليًا للضغط من جميع الجهات.
يواجه الحزب الذي يشير إليه خصومه غالبًا باسم "حزب الإخوان المسلمين"، ضغوطًا في الشمال بالنظر إلى توغلات الحوثيين الأخيرة في معاقل "الإصلاح" في نهم والجوف ومأرب.
ونظراً لعداء المجلس الانتقالي الطويل مع "الإصلاح" وافتقاره إلى الشعبية بين الجنوبيين، الذين طالما اعتبروا الحزب مسؤولاً عن معاناتهم منذ الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 1994، يجد "الإصلاح" نفسه أمام أزمة وجودية.
ويعد احتمال نشوب صراع عنيف بين "الإصلاح" والمجلس الانتقالي مرتفعًا للغاية ويشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار اليمن.
وبالرغم أن المجلس الانتقالي ليس اللاعب الوحيد في الجنوب، إلا إنه الأكثر فعالية من حيث قدراته السياسية والعسكرية والتنظيمية، بفضل دعم الإمارات وتدريبها لعشرات الآلاف من الجنوبيين قبل انسحابها من الجنوب.
قبل تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، انتهت معظم الحركات الانفصالية الجنوبية، مثل حركة "الحراك" السابقة، أو أصبحت جزءًا من المجلس الانتقالي الجنوبي بسبب الافتقار إلى القيادة الواضحة والدعم الإقليمي.
ويمكن القول إن علاقة المجلس الانتقالي القوية بالإمارات وتقديره للدور السعودي في اليمن، يجعله التهديد الأكثر أهمية الذي يواجه "هادي" في الوقت الحاضر، حيث أن فعاليته قد تجعله الجهة الأكثر قبولاً لدى السعودية.
حتى الآن، حافظ "هادي" على مظهر من مظاهر السلطة من خلال الحفاظ على علاقة حصرية مع السعودية.
لكن إمكانية مشاركة المجلس الانتقالي له في نفس الامتيازات السياسية أو الاقتصادية ستزيد المنافسة بين الاثنين وتجبر "هادي" على إجراء تغييرات غير مريحة.
ونظرًا لرغبته في البقاء والحفاظ على السلطة، فإن تعاون "هادي" مع المجلس الانتقالي تحت مظلة التحالف بقيادة السعودية بدلاً من المنافسة قد يخدم مصالحه.
ومع ذلك، قد لا تقبل الفصائل الأخرى في البلاد هذا الوضع.
بالنظر إلى طول مدة حرب اليمن وتزايد سيطرة الحوثيين على الشمال، قد يقدم المجلس الانتقالي بديلاً منقذًا لماء الوجه يمكن للسعودية أن تؤيده على مضض.
وإذا تُركت السعودية أمام خيار وجود دولة الحوثيين على حدودها الجنوبية، فقد تخلُص إلى جاذبية دعم خيار يمن جنوبية تكون عدوًا قويًا للحوثيين في الشمال، وليس لها اي روابط أيديولوجية أو دينية أو قبلية معهم؛ وتحتفظ بالسيطرة على مضيق باب المندب المهم.
المصدر | فاطمة أبو الأسرار - ميدل إيست إنستيتيوت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد