هل ترغب الرياض في اعتذار وإذعان مُؤسّس “أمازون”؟.. كيف ستُشارك السعوديّة بالتّحقيق لنفي علاقة ولي عهدها وماذا عن الأدلّة؟..
هل باتت مُراسلات “الواتس آب” مُخترقةً وتهديداً لأمن أمريكا القومي؟.. لماذا يصمت بيزوس وما هي خِياراته؟
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
هي عادةٌ باتت دخيلةً على منصّات العالم الافتراضي السعوديّة، هي الحملات التي بات يشنّها السعوديون على المُناهضين لنظام الحُكم في بلادهم، أو سياسات ولي عهد بلادهم الأمير محمد بن سلمان، وهي عادةٌ فيما لو جرى رصدها، ومُتابعتها، بدأت مُنذ حوالي الخمس سنوات، أي مُنذ صُعود الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى الحُكم العام 2015، وكان آخرها تلك الحملة الضّخمة التي دعت إلى مُقاطعة بضائع شركة أمازون في السعوديّة، وتهديدها بخسارة الملايين.
الأمير محمد بن سلمان، مُتهمٌ شخصيّاً هذه الأيّام باختراق هاتف مُؤسّس شركة أمازون جيف بيزوس عن طريق رسالة “واتس آب”، لكن سفارة بلاده في الولايات المتحدة، تقول إنها مزاعم غير حقيقيّة، وغير منطقيّة، بل وتُطالب بفتح تحقيق حولها، وهو ما يُعيد التساؤلات حول كيف يُمكن للسلطات السعوديّة أن تتعاون وتُشارك في التحقيق لإثبات عدم صحّة مزاعم الاختراق فيما لو جرى تقديم أدلّة تُدعّم تلك الاتّهامات كما طلب وزير خارجيّتها فيصل بن فرحان، وهي تتعلّق بشخص ولي العهد، وهي التي ترفض إجراء مُحاكمات على غير أراضيها، أو تسليم الضّالعين فيها من مُواطنيها، وهل يُمكن أن تتحوّل إلى تحقيقات دوليّة، في حال ثُبوت الإدانة، ومُقارنتها مع الموقف الدولي الضّعيف، حيال الاتّهامات التي وجّهت للأمير بن سلمان في قضيّة خاشقجي، حيث مُحاكمة جرت على الأراضي السعوديّة للمُتّهمين، أفرج فيها عن أبرز المُتّهمين فيها، المستشار سعود القحطاني، ورئيس الاستخبارات أحمد العسيري.
ثمّة تحليلات يقودها المنطق، ولا تُدعّمها الأدلّة، يُقدّمها أصحابها، تربط بين مصلحة سعوديّة في اختراق هاتف رئيس أمازون، ومُؤسّسها، حيث الصحافي السعودي جمال خاشقجي كان يعمل في الصحيفة التي يملكها بيزوس ككاتب، والأخير وصحيفته (واشنطن بوست) وقفا في موضع المُهاجم والمُنتقد، للسلطات السعوديّة، وحتى المُتّهم لها لمقتل خاشقجي، وبالتالي فإن اختراق هاتف مالك الصحيفة يبدو ربّما مصلحة سعوديّة “فضائحيّة”، فمُقابل اصطفاف بيزوس، وتضامنه مع خاشقجي خلال حياته ونشره مقالاته “المُعارضة” أو بعد مماته، كان عليه أن يتحمّل “الفضيحة”، أو علاقة مع سيدة خارج إطار الزواج، ما أدّى إلى طلاقه، وتقاسمه ثروته لإتمامه، وهُنا يكون قد حصل الانتقام السعودي ربّما، لكن مزاعم الاختراق لهاتف الصحيفة يقول مُشكّكون فيه، كانت قد حصلت قبل خمسة أشهر من مقتل خاشقجي، وبالتّالي لا مصلحة سعوديّة من اختراقه.
فكرة أن يخترق ولي العهد السعودي الأمير بن سلمان، هاتف بيزوس، هي ليست إلا فكرة سخيفة بحسب توصيف وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ولعلّه لا يحتمل مسألة الخوض فيه حتى بحسب التقديرات السعوديّة، لكنّ بياناً صادراً عن مقررة الأمم المتحدة أنيس كالامار، ومقرر التحليل الجنائي ديفيد كاي، قالا فيه إنّ التحليل الجنائي لعمليّة اختراق هاتف مالك شركة أمازون، عبر رسالة من ولي العهد السعودي، يُمكن تقييمه بأنه موثوقٌ به، بدرجة بين المُتوسّطة والعالية، كما طالبا السلطات الأمريكيّة بإجراء تحقيق فوري، كما أشار البيان إلى أنّ البرنامج الذي استخدمه الأمير بن سلمان في قرصنة الهاتف هو برنامج (بيغاسوس) الإسرائيلي للتجسّس الإلكتروني، والتحليل الجنائي الذي أشار إليه المُقرّران، قد يرفع صفة “السخيفة” عن الاتّهام، وقد ينقله إلى صفة قابل للنقاش بين المُتوسط، والعالي، هذا على الأقل ما يراه بيان المُقرّران الأمميّان، ومع كُل هذا يجدر الإشارة إلى أنّ ما يصدر عنهما “غير مُلزم”، ويحمل اعتباراً على صعيد السمعة، ومكانة الدول الأخلاقيّة.
السؤال المطروح فيما إذا كانت السلطات الأمريكيّة، معنيّةً بإجراء “تحقيقات جديّة” كما طلب منها كالامار وكاي، في ظل مزاعم قُدرة السعوديين على اختراق هواتف أجهزة أمريكيّة، ووجود إدلّة مبدئيّة، مما قد يُشكّل تهديداً للأمن القومي، ووضع جميع مؤسسات الدولة الأمريكيّة، تحت مخاطر أجهزة تجسّس إسرائيليّة، تُباع للسعوديين، وغيرهم من راغبي التجسّس، وهذه المخاوف عبّر عنها السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، والذي قال إنه سيطلب من مدير الاستخبارات القوميّة، ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي، بفتح تحقيق حول سعي محمد بن سلمان للوصول إلى هواتف الأمريكيين بشكلٍ غير مشروع، كما أشار ميرفي إلى تخوّفاته من التواصل الذي يجري بين جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومستشاره، والأمير محمد بن سلمان عبر “الواتس آب” والمخاطر التي تترتّب من هذه العلاقة على الأمن القومي الأمريكي.
ولم تكُن التخوّفات الأمريكيّة وحيدةً في ذلك الشّأن، فقد انضمّت إليها خشية بريطانيّة، بعد تقارير صحافيّة، تحدّثت عن أنّ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، قد تبادلا على الأرجح الرسائل هو وولي العهد السعوديّ عبر تطبيق “واتس آب”، أمّا “الفيسبوك” من جهته وهو المالك الحالي لتطبيق (الواتس آب)، فعلّق بالقول إنه يأخذ مزاعم الاختراق على “محمل الجد”، لكنّه لم يُعلّق على أيّ قصص فرديّة، جاء ذلك على لسان نيكولا مندلسون، نائبة رئيس الموقع في أوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا.
لعلّ السلطات السعوديّة لا تكترث بتلك الاتّهامات، فهي تحظى بغطاء سياسي ولعلّه “دلال” من إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتعتقد جازمةً أنّ التحقيقات لن تُؤثّر على دورها وحتى حضورها الإقليمي، لكن سُمعتها في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وقيادتها تحديداً، ليست على ما يُرام، بدليل استعانتها بشركات علاقات عامّة لتحسين صورتها، وهي الصورة السلبيّة، التي عبّرت عنها النائبة إلهان عمر، حيث طالبت ترامب، بالكف عن “تدليل” من وصفتها بالأنظمة الاستبداديّة مثل السعوديّة، وأضافت في تغريدة، إنّ السعوديّة تقتل الأطفال في اليمن، وتغتال صحفييها، والآن تُقرصِن هواتف الأمريكيين.
ورغم النّفي السعودي لعلاقة بن سلمان باختراق هاتف رئيس أمازون، بدا أنّ منصّاتها التواصليّة، تُمارس نوعاً من الضغط المُتواصل، ضمن حملة مُقاطعة لافتة لبضائع شركة أمازون، وهي ضُغوط تتزامن بشكلٍ مُتزامنٍ ولافتٍ، مع الاتّهامات المُتعلّقة باختراق هاتف بيزوس (الآيفون)، وتضمّن وسم هاشتاق آلافاً من التغريدات التي تدعو إلى مُقاطعة الشركة، وتلقين صاحبها درساً لن ينساه، على حد وصف المّغرّدين المُشاركين في الوسم الذي وصلت فيه التغريدات إلى الآلاف، وقد جرى تصدير وسمين للحملة، واحد باللغة العربيّة، وآخر بالإنجليزيّة، مُطالبين فيه صاحب الشركة بالاعتذار، وإلا خسارة الملايين.
وهذه الحملة، كما رصدت “رأي اليوم”، ستكون بمثابة التحريض العلني على الشركة، وبضاعتها، وصاحبها، ومنصّة أمازون، من المنصّات التي لها إقبال واسع من قبل السعوديين، لكن التّساؤلات ستبقى مطروحةً، فيما إذا كانت ستنجح تلك الحملة الافتراضيّة، بثني السعوديين عن الإقبال على بضائع أمازون، ومُقارنتها بحملات سابقة شنّتها المملكة ضد تركيا، وسياحتها، على خلفيّة مقتل خاشقجي على أراضيها، وفشلت في ثني السعوديين عن اختيار إسطنبول والمدن التركيّة الأخرى كوجهة سياحيّة أولى، وذلك بحسب ما تقول آخر التقارير السياحيّة القادمة من بلاد العثمانيين.
الاهتمام السعودي بضرب سوق أمازون في الداخل السعودي ضمن الحملات الافتراضيّة، قد يُعطي نتائجه الإيجابيّة لتحقيق نوعٍ من الضغط على مالك الشركة، على الأقل وفق التقدير السعودي، لكنّه سلبيّاً قد يُعيد توجيه أصابع الاتّهام حول الضّلوع السعودي في اختراق هاتف بيزوس، وقد يكون بمثابة إدانة أوّليّة، حيث التزامن لافتٌ، ومُثير لانتباه المُراقبين مع مزاعم الاختراق، والأخير (الاختراق) ليس إلا مُجرّد فكرة سخيفة على حد تعبير وزير الخارجيّة السعودي.
بالعودة إلى نجم القصّة الملياردير بيزوس، كان لافتاً أنّ الأخير لم يُوجّه اتّهاماً مُباشراً للأمير محمد بن سلمان باختراق هاتفه حتى كتابة هذه السطور، بعد تصدّر المزاعم، حيث كانت تجمعه مصالح اقتصاديّة في السعوديّة ما قبل اغتيال خاشقجي، وانهارت بعد عدّة تحقيقات نشرتها صحيفته الواشنطن بوست حول جريمة الاغتيال.
وكان بيزوس قد وجّه اتّهام في فبراير العام 2019 لمجلّة “ناشيونال إنكوايرر” المُوالية للسعوديّة في الولايات المتحدة، اتّهامات بتشويه سمعته، بعد نشرها رسائل نصيّة، بينه وبين صديقته المذيعة التلفزيونيّة خلال زواجه، كما استعان بمحقق بذات العام، وتوصّل إلى وجود روابط بين المملكة وقرصنة هاتفه، فيما لم يُؤكّد نفسه أو ينفي اتّهامات القرصنة.
ولعلّ بيزوس كما يُقدّر البعض، سيكون أمام اختيار الصمت إيثاراً للسلامة الاقتصاديّة، وفهماً للرسالة السعوديّة المُفترضة، وربّما فضائح أخرى، وهو خيار قد يكون مُستبعداً نظراً لواقع اختياره الصّدام مع وليّ العهد السعودي بعد اغتيال جمال خاشقجي وتخلّيه عن المصالح، أو أنه ينتظر نتائج التحقيقات النهائيّة، أو يملك دلائل قويّة تقطع الشك بيقين ضُلوع الأمير بن سلمان “شخصيّاً” باختراق هاتفه، ويختار توقيت عرضها للعالم بعناية، فيما العربيّة السعوديّة على موعدٍ مع استضافة قمّة العشرين- نوفمبر 2020، والتي تستضيفها الرياض لأوّل مرّة، وثاني مرّة في الشرق الأوسط، وتسعى فيها لجذب أنظار العالم الإيجابيّة نحوها، بينما الأصوات بدأت فعليّاً، بالدعوة إلى إعادة النّظر في حُضور القمّة، حيث رئيسة لجنة حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي ماريا أرينا طلبت ذلك على خلفيّة مُعطيات القرصنة السعوديّة.
صمت بيزوس هذا، بدأت تتفاءل فيه الأوساط السعوديّة، مع تصدّر رواية صحيفة “وول ستريت جورنال”، والتي تنسف رواية الاختراق من أساسها، وتقول إنّ صديقة الملياردير، هي ذاتها من سلّمت رسائلهما إلى شقيقها الذي باعها مُقابل 200 ألف دولار، إلى مجلّة “ناشونال إنكوارير”، والتي وجّه لها بالفعل مُؤسّس أمازون الاتّهام بتعمّد تشويه سمعته، وهي المجلة المُقرّبة من المملكة بكل الأحوال، ولكن السعوديّة نفت علاقتها بالموضوع، وهي رواية تظل قيد التحقيق بيد المدعين العامين في مانهاتن، بحسب ما ذكرت “وول ستريت جورنال”، ولعلهم يمتلكون إجابة وافية حول اختراق هاتف بيزوس من عدمه.