المحلل السياسي ألكسندر نازاروف: هل ستتورط دول الخليج في تبادل الضربات بين إيران وأمريكا؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1992
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 تتبادل إيران والولايات المتحدة الأمريكية التهديدات وقوائم الأهداف ومن الواضح أن معظم المنشآت الأمريكية التي يمكن أن تصبح أهدافا لإيران، تقع في دول مجاورة، معظمها عربية.
وبناء على ذلك يصبح السؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كانت الحرب بالوكالة المستمرة بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الخليج من جهة أخرى ستصبح حربا مباشرة؟
لا أعتقد ذلك، لن تندلع حرب مباشرة. ستستمر الحرب بالوكالة، لكنها سوف تمتد إلى دول الخليج.
بالنسبة لإيران، فإن حربا شاملة مباشرة مع الولايات المتحدة تعني على الأرجح التدمير الكامل لأساس اقتصاد البلاد وهو ما يعني ضرب إنتاج النفط، وتغيير النظام، أو اندلاع حرب أهلية في البلاد. أي أن هذه الحرب غير مقبولة بالنسبة للقيادة الإيرانية، ولا يمكن لإيران أن تتخذ أي خطوة، يمكن أن تتسبب في حرب كهذه، إلا في حالة “المعركة الأخيرة”، إذا تواصل حصار النظام، ولم يعد لديه ما يخسره.
من جانبها ليست الولايات المتحدة مهتمة بحرب مباشرة مع إيران. إلا أن السلاح الرئيسي لإيران هو القدرة على توجيه ضربة هائلة للاقتصاد العالمي، وشلّ و/أو تدمير جزء كبير من الإنتاج العالمي للنفط لفترة طويلة. الولايات المتحدة الأمريكية إمبراطورية عالمية تفرض ضريبة على كل مرة يستخدم فيها الدولار في أي مكان حول العالم. أي أن رفاهية ووجود الولايات المتحدة يعتمد على صحة النظام الاقتصادي العالمي. وفي وقت يوشك فيه الهرم الائتماني العالمي على الانهيار، ويتباطأ الاقتصاد العالمي فعليا، ودخلت بعض الدول الغربية بالفعل في مرحلة الركود، أصبح الوضع هشا للغاية، وستبذل الولايات المتحدة الأمريكية قصارى جهدها لتجنب الصدمات التي يمكن أن يتعرض لها الاقتصاد العالمي.
تود بعض دول الخليج تدمير إيران كمنافس قوي لعقود من الزمن بضربة واحدة، لكنها في الوقت نفسه ليست مستعدة لتحمل عبء الحرب بدون الولايات المتحدة، لأنها ستخسر الكثير. لذلك فمن غير المتوقع أن تؤدي ضربات مجهولة بصواريخ وطائرات من دون طيار، مثل الهجوم على المنشآت النفطية لأرامكو السعودية، إلى رد فعل من الخليج ضد إيران نفسها.
بل إنه من المفارقات، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، أن الوضع قد تغيّر الآن بشكل سلبي، فبمقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، لم تخفض الولايات المتحدة من إمكانات إيران، بل رفعت بأضعاف دوافعها للمقاومة والرد.
ليست الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لخوض حرب مباشرة، بل وحتى إمكانية خوضها حربا بالوكالة مقيدة، وأقصى ما تستطيع تحمّله من إجراءات عسكرية هي قتل مسؤول إيراني رفيع في دولة ثالثة، في حين أن ترسانة إيران في الحرب بالوكالة أكثر شمولا.
وبينما تحصي الولايات المتحدة مكاسبها في لعبة لم تنته بعد، لا يمكن تأجيل الكارثة الاقتصادية التي لا مفر منها في لبنان بشكل مؤقت فحسب سوى بمساعدات من الخارج، لذا يواجه لبنان إما خيار إزاحة حزب الله من الساحة السياسية، ومن ثم يوضع على أنبوب التنفس الاصطناعي من الخارج، أو خيار أن تغرق البلاد في فوضى، وربما حرب أهلية، ولن يكون لحزب الله دور في المواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لانشغاله بالوضع الداخلي، وأرى أن السيناريو الثاني هو الأقرب للحدوث.
في العراق، أضعفت الاحتجاجات النفوذ الإيراني هناك، ومن الصعب أن تؤدي تطورات الموقف هناك إلى تعزيز نفوذها من جديد، بل من المرجح أن تزداد الفوضى في العراق.
في إيران نفسها، يفضي الوضع الاقتصادي المتأزم في البلاد إلى احتجاجات عنيفة، في ظل آفاق قاتمة، وربما يزداد الوضع الاقتصادي سوءا، في الوقت الذي اقتربت “حدود الأعمال العدائية” الافتراضية من القيادات الإيرانية، وعلى خلفية ذلك كله يتم قتل سليماني.
تخطو إيران مؤخرا، من الناحية النفسية، بخطوات متقدمة نحو “المعركة الأخيرة”. وإذا استمرت الولايات المتحدة في الضغط على إيران وخنقها بحلقات ضيقة من العقوبات الاقتصادية، وزعزعة استقرار حلفائها، فمن الممكن أن يتمكنوا من زعزعة الاستقرار في إيران نفسها بعد عدد من السنوات.
ولكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أقدم على قتل قاسم سليماني بسبب الدوافع السياسية المحلية، على الرغم من المخاطر والتكاليف الواضحة.
الآن سيحمى وطيس الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران بشكل كبير. وبالطبع سيصبح العراق ساحة المعركة الرئيسية، لكن احتمال حدوث هجمات مجهولة على أهداف في المملكة العربية السعودية يزداد بشكل واضح.
كما يزداد أيضا، بالمناسبة، احتمال وقوع نفس الهجمات المجهولة على أهداف إيرانية انطلاقا من أراضي العراق نفسه، ولكن على خلفية الحظر النفطي المفروض على إيران، فإن ثقل الخسائر من هذه الهجمات المحتملة لإيران أقل بكثير من ثقل خسائر هجمات مماثلة على دول الخليج.
بعد أول هجوم ضخم بالطائرات من دون طيار على القواعد الروسية في سوريا، لاحظ الخبراء أن مستوى التدريب الفني للمقاتلين السوريين لا يسمح لهم بالقيام بمثل هذه الهجمات، التي ترقى إلى مستوى الدول لا الأفراد. الآن سوف يجد هؤلاء، ممن بدؤوا حرب الطائرات المجهولة من دون طيار، أنفسهم عرضة لنفس الموقف.
سوف تكون هناك حرب طائرات من دون طيار، وحرب أعصاب، سيحاول فيها كلا الجانبين إلحاق أكبر قدر من الضرر بالعدو عن طريق هجمات مجهولة، حتى لا تتسبب في حرب مباشرة. سوف يحاول الطرفان الإخافة والخداع، ولكن في الهجمات الحقيقية سوف يحسب كل طرف رد فعل العدو بكل دقة. في الوقت نفسه ستصبح إيران أكثر تصميما وستزيد من أسهمها في اللعبة مع تفاقم وضعها. هنا بالطبع قد يؤدي أي حادث غير محسوب إلى التصعيد، إلا أنه وبشكل عام، سوف تكون حرب الكلمات أكثر ضراوة من حرب الأفعال.
(روسيا اليوم)