“عصر نهاية الخرافة” وبدء اللعب على المكشوف.. إسرائيل لا تحمي النظام الهاشمي..
وتريد الضفّة الشرقيّة دون مليكها للمضي بترحيل الفلسطينيين: مؤسسات عمّان “خارج التغطية” وعاهل الأردن قريب من الشارع بمفرده.. ما مصير اتفاقية وادي عربة؟ ورسائل يجب أن يلتقطها “نادي الملكيات” في الخليج
برلين- “رأي اليوم” – فرح مرقه:
تقول “الخرافة الأردنية” المزروعة في عقول كثيرين أن “النظام الهاشمي الأردني تحميه إسرائيل” وأن حماية إسرائيل تجعله غير محتاج حتى لرضا الأردنيين او تفاعلهم معه. هذه رواية يتداولها كثر سواء في الطبقة السياسية في الأردن أو حتى في الشارع، مشددين على ان إسرائيل “لن تسمح بالفوضى على حدودها”.
اليوم يبدو جليّاً ان الامر خرافة، لا بل والصحف الإسرائيلية تؤكد ان إسرائيل اليوم تحتاج للفوضى المذكورة على حدودها لتستغلها بصورة تشابه ما حصل مع سوريا، والحقيقة ان إسرائيل لا تحمي الا مصالحها والأخطر ان النظام الأردني بات بعين إسرائيل تهديدا لمخططاتها وتحديداً مخططات اليمين الذي يقودها حتى اللحظة.
فوفقا للمقالات الإسرائيلية المتتالية خلال الأسبوعين الماضيين والتي ختمها مقال في صحيفة هآرتس الاحد يتحدث عن المخطط اليميني الراغب بانقلاب على الملك عبد الله الثاني، فالاردن بصورته الحالية بات حجر عثرة في وجه مخططات “الدولة العبرية”.
اليمين الإسرائيلي يرى بطبيعة الحال ان الوقت حان للمزيد من التمدد في الجغرافيا، لا بل ويعتقد انه اليوم في فترة ذهبية من الفوضى في الإقليم والتي تسمح له بهذا التمدد، وهنا يجد الإسرائيليون عائقاً في التمدد عنوانها الاستقرار السياسي في الأردن، اذ من الصعب التمدد وترحيل الفلسطينيين طالما الأردن مستقر على حاله.
في هذا الاطار، تصدر التصريحات الإسرائيلية إذ يبدو وجود النظام وثباته عائقا في وجه الإسرائيليين لتنفيذ المخطط المفترض، كما يرى الإسرائيليون بوضوح ان مثل هذه المخططات لن تمرّ طالما الأردن في حالة استقرار.
عمان بهذا المعنى تشكل مجموعة أزمات للاسرائيليين اليمينيين، وهؤلاء يمثلهم حزب نتنياهو والمتحالفين معه، وتعيق العاصمة الأردنية مخططاتهم، ومنها تلك التي تم نشرها فعلا سواء من تسليم المقدسات ورعايتها للسعودية او حتى من حيث فتح المجال ولكن الأخطر اردنيا ان العاصمة نفسها لا تبدو واعية فعلا بطبقاتها السياسية والاقتصادية وحتى الإعلامية لهذه الرغبة الإسرائيلية رغم إعلانها بأكثر من مناسبة.
هنا بدا لافتاً (ولا يزال) ليس فقط غياب استراتيجية حقيقية تتصدى للاعلام والرواية الإسرائيلية، ولكن حتى غياب اللعب السياسي القادر على تحويل مثل هذه التحليلات الى فرص، واهمها ما يتعلق بصفقة الغاز الإسرائيلية التي تشعل الجدل في الأردن منذ توقيعها، وها هي اليوم لا تزال تجد من يدافع عن مضيها رغم الاعتراضات الشعبية.
مضي الصفقة يعني ببساطة رهن قطاع أساسي وبنيوي لإسرائيل، والاهم الإصرار على منح الأخيرة أموالا من الممكن ان يستفيد منها الأردنيون اكثر من سواهم، خصوصا في المناخ الاقتصادي المعقد.
التحليلات والتسريبات الإسرائيلية اليوم لا تعني فقط ان اليمين يفكر بازاحة النظام الأردني ولا انه بدأ يفعل خطته في ذلك وحسب، بل يعني انه سيذهب بهذا الاتجاه رغم وجود معاهدة وادي عربة التي ضمنت للاسرائيليين الكثير من المكاسب منذ ربع قرن، ما يعني ان المعاهدة التي يطالب الشارع الأردني بتعليقها بكل الأحوال، والتي تحدثت التقارير الإسرائيلية عن كونها “غير ثابتة في العقيدة العسكرية” بعد تدريبات “سيوف الكرامة”، من الواضح انها غير موجودة لا بل وساقطة من عقيدة اليمين الإسرائيلي بكل الأحوال.
هنا يتجاوز المشهد جملة “علاقات بأسوأ احوالها” التي شرح فيها ملك الأردن العلاقات مع إسرائيل خلال تكريمه في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى المدافع الشرس عن إسرائيل، لمرحلة يصر باحثون سياسيون على تسميتها “مرحلة اللعب على المكشوف” باعتبار السلام مع الأردن أصلا كان تكتيكيا ومرحليا من جانب إسرائيل ولا يعكس حقيقة الرغبة لديها.
بهذه الحالة تحتاج عمان فعلا لمراجعة سياساتها، اذ تشكّل مثل هذه التقارير وبالنظر للظرف الموضوعي فرصة حقيقية يجب التقاطها، قبل ان تتحول لتحدٍّ كبير وخطر. فتقارير إسرائيلية تتحدث عن إزاحة الملك عبد الله الثاني عن عرشه يمكن لها ان تعيد توحيد الأردنيين مع الملك بما فيهم معظم المعارضين لطريقة الحكم، وهنا تحت قاعدة “العدو المشترك” في قواعد الاعلام.
بهذا المعنى يمكن للحكومة وقبل ان يبدأ عقد الغاز الإسرائيلي الغاء الصفقة فعلا ويمكن للنواب تعجيل قرارهم والقانون الذي يتم اعداده على مهل خلال الأسبوع الأخير من هذا العام، لاتخاذ موقف يسمح فعلا بالتفاعل بين السلطات والشارع على قاعدة العدو المشترك أيضا، والاهم على قاعدة احترام الرغبة الشعبية.
هنا وبالإضافة لكل ما يتعلق بالتعامل مع إسرائيل، تحتاج السلطات الأردنية للمزيد من الوعي والنضج أيضا في التعامل مع الشارع، ووقف مظاهر الخشونة غير المبررة ووقف أزمات مفتعلة عبر مسؤولين هنا او هناك، لصالح الانفتاح الحقيقي على الشارع واحتياجاته، وهو امر لا يصح ان يبقى في اطاره النظري واللفظي، بل ان ينتقل للمزيد من الإجراءات الأكثر فعالية بما فيها تخفيف الضرائب ومراجعة النفقات.
التقارير الإسرائيلية، والتصرفات الإسرائيلية الموازية لها والتي تؤكدها، يمكن أيضا استغلالها لخدمة المصالح الأردنية مع دول الجوار التي تجاهلت عمان ومصالحها في الأعوام القليلة الأخيرة، فالاردن بغض النظر عن أي شيء صمام الأمان بالنسبة للملكيات العربية، ومجرد تضرر نظامه في هذه المرحلة يعني تضرر الملكيات والاميريات جميعا وبالتوالي كما حصل ويحصل مع الجمهوريات العربية.
كل هذه التفاصيل تستطيع الدولة الأردنية عمليا التنبه لها والعمل عليها بأسرع وقت ان توفرت لديها معادلة “الرغبة والقدرة” المعقّدة مؤخرا ليس فقط بسبب اطاحات متتالية بالكفاءات من معظم المناصب السياسية والإعلامية، وانما اكثر لان مفاصل أساسية في البلاد لا تزال منشغلة بمناكفات وازمات صغيرة جدا تعميها عن رؤية الصورة الكبيرة.
هنا حصرا وان لم تتوحد أجهزة الدولة ولمرة واحدة بصورة عضوية، لن يستفيد كثيرا عاهل الأردن من الجولات المختلفة والأنشطة المكوكية التي يقوم بها، ورغم ان التسريبات الإسرائيلية قد تخدمه بصورة كبيرة فعليا في تثبيت عرشه وإعادة ترميم العلاقة مع الشارع، الا ان ذلك يتطلب عمليا عملا اكثر نضجا من أجهزة الدولة مع الملك وليس مع انفسهم.