و. بوست: شراكة ترامب مع السعودية فاشلة بكل المقاييس
يدخل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" العام الأخير من ولايته بسجل مليء بالأخطاء في السياسة الخارجية، حيث أطلق حروبا تجارية على الحلفاء، ووقف إلى جانب المستبدين والطغاة. وكان شعاره الرئيسي هو "أمريكا أولا"، ورغم ذلك، فإنه وقف موقف المتفرج في الوقت الذي أعادت فيه القوى الأخرى تشكيل المشهد الاستراتيجي العالمي. باختصار، كانت إدارة "ترامب" في حالة تامة من الفوضى.
ومع ذلك، تذكرنا أحداث الأسابيع الأخيرة بواحدة من أكثر الخطوط اتساقا في سياسة "ترامب" الخارجية، وهي الاحتضان الحازم والدائم للمملكة العربية السعودية وسياساتها.
إعاقة القوانين
وأقر مجلس الشيوخ، الثلاثاء، مشروع قانون سنوي للإنفاق الدفاعي، كان قد مر أيضا عبر مجلس النواب الأسبوع الماضي. ومن بين أحكامه، إنشاء مشروع قانون السياسة الدفاعية، الذي بلغت قيمته 738 مليار دولار، "القوة الفضائية" التي أرادها "ترامب" بشدة. لكن القانون تم تجريده من عدد من البنود التي أمل المشرعون أن يقيد حذفها الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن. ووفقا لتقارير مختلفة، كانت هذه البنود توفر قدرة "غير محدودة" للبيت الأبيض، تهدف إلى منع مراقبة الكونجرس لمبيعات الأسلحة، والمساعدة العسكرية للسعوديين.
ولا يمكن الحديث عن هذا بمعزل عن كثير من المواقف الأخرى المؤيدة للمملكة من قبل "ترامب". وتضمنت معظم التشريعات التي اعترض عليها "ترامب" خلال رئاسته محاولات للكونجرس للرقابة على التعاملات مع السعودية. وفي أبريل/نيسان، استخدم "ترامب" حق النقض "فيتو" ضد قرار من الحزبين؛ طالب بإنهاء التدخل الأمريكي في الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.
وفي يوليو/تموز، استخدم الرئيس حق النقض ضد ثلاثة من قرارات الكونجرس التي حاولت منعه من تجاوز الرقابة التشريعية وبيع أسلحة بمليارات الدولارات إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقبل عام، قام مبعوثو "ترامب" بمنع قرار في مجلس الأمن الدولي صاغته بريطانيا للمطالبة بمساءلة المملكة عن جرائم الحرب في اليمن.
المتحدث الرسمي
وعندما لا يقوم "ترامب" بإلغاء التشريعات التي يعتبرها معادية للسعودية، فهو يتحدث نيابةً عن المملكة. وظهر هذا الموقف على وجه الخصوص خلال الشهر الجاري، بعد أن قتل مسلح سعودي الجنسية ثلاثة أشخاص في قاعدة بحرية في فلوريدا. وقفز "ترامب"، الذي كان سرعان ما يلقي بالاتهامات على المهاجمين المسلمين وآبائهم والأراضي التي قدموا منها، بشكل سريع وواضح للدفاع عن الرياض.
وقال "ترامب" للصحفيين في أعقاب الهجوم: "إنهم يشعرون بالأسف في المملكة العربية السعودية. لقد تعهد الملك بالمشاركة في رعاية عائلات وأحباء الضحايا. إنه يشعر بمصابهم جدا، وهو آسف للغاية لما حدث، ويشعر ولي العهد بالمثل. لقد ساءهم ما حدث في بينساكولا".
ورغم ظهور المزيد من الأدلة حول الهجوم - الذي يحقق فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي باعتباره عملا إرهابيا - تسببت في انزعاج المسؤولين الجمهوريين بشكل أكبر، لم يقدم "ترامب" انتقادات تذكر للسعوديين، الذين أرسلوا المسلح المشتبه به إلى القاعدة البحرية الأمريكية في مهمة تدريب.
وتعتبر العلاقات الأمريكية السعودية أولوية لإدارة "ترامب". وهو يرى المملكة عميلا متحمسا للأسلحة الأمريكية، ووكيلا مفيدا في مواجهة واشنطن مع إيران. وكان "ترامب" قد جعل الرياض أول وجهة أجنبية رسمية لرئاسته، حيث تم كشف النقاب عن مركز جديد لـ "مكافحة الإرهاب" يديره السعوديون. وبنى صهره، "جاريد كوشنر"، مجموعة كبيرة من الاتصالات الشخصية والسياسية مع العائلة المالكة السعودية، وخاصة ولي العهد "محمد بن سلمان".
وقال مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية؛ "جون ألترمان"، هذا الشهر: "قرر ترامب منذ بعض الوقت أن يضع نفسه في زاوية ضيقة، ولا أعتقد أن هناك أي ظرف قد يجبره على إعادة التفكير في سلوكه هذا".
شراكة فاشلة
وقاوم "ترامب" كل الجهود لإعادة تشكيل علاقته مع المملكة. ويشمل ذلك غضب الحزبين من الدور الواضح لـ"بن سلمان" في اغتيال الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي". وعلى النقيض من تقييم مجتمع استخباراته وآراء المشرعين الجمهوريين المخلصين، أعرب "ترامب" عن شكوكه في مسؤولية "بن سلمان" عن خطف وقتل "خاشقجي" العام الماضي. وفي هذا الشهر، واصل البيت الأبيض حماية "بن سلمان" من المزيد من الغضب، حيث أزال من مشروع قانون الإنفاق الدفاعي بندا يلغي منح التأشيرة الأمريكية لأي مسؤول سعودي يثبت تورطه في قتل "خاشقجي".
لكن سيتعين على مدير الاستخبارات القومية في إدارة "ترامب" تقديم قائمة رسمية بالأشخاص المتورطين في مؤامرة قتل "خاشقجي" في غضون 30 يوما من توقيع "ترامب" على مشروع القانون. وقال مصدر بالكونجرس لشبكة "سي إن إن": "سيتم تقديم القائمة، لكن دون عواقب واضحة. كنا بحاجة إلى أكثر من ذلك".
ومع كل الحماية التي قدمها "ترامب" للرياض، فقد حصل على منافع متواضعة في المقابل. ولم يقدم السعوديون أي دور لدعم محاولة "كوشنر" الغريبة لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولم تكن هذه هي المساحة الوحيدة التي فشلت فيها شراكة السعودية مع "ترامب". وقد أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن "السعودية لم تف بالكثير مما تعهدت به، ولا تزال فعالية مركز مكافحة الإرهاب في الرياض موضع شك. وبعد تعهدهم بإبرام عقود أسلحة جديدة بقيمة 50 مليار دولار، لم يوقع السعوديون سوى خطابات اهتمام أو بيانات نوايا دون أي صفقات مثبتة. وبعد أن تعهدوا باستثمار ما يصل إلى 100 مليار دولار في البنية التحتية الأمريكية، أعلن السعوديون عن استثمار قدره 20 مليار دولار فقط".
المصدر | واشنطن بوست