هل تقود صواريخ الحوثي الباليستية السعودية إلى بيت الطاعة الإيرانية؟
إعلان الإمارات العربية المتحدة انسحابها من اليمن؛ والذي وصفته بأنه "إعادة انتشار"، ووصفه مراقبون بأنه هروب وخيانة للحليف السعودي، فتح الباب على عديد من التكهنات والتحليلات، بخصوص مستقبل مستنقع حرب اليمن الذي غاصت فيه أقدام السعودية والإمارات، في حرب لم تؤتِ ثمارها منذ أربع أعوام عجاف.
وعزت أربعة مصادر دبلوماسية غربية تقليص الوجود العسكري الإماراتي في اليمن إلى تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، بالتزامن مع تصعيد حوثي أثبت أنه قادر على الضرب بقوة ودقة في العمقَين اليمني والسعودي، حسب وكالة "رويترز".
الخوف من الحرب ومن احتمال تحوُّل أراضيها إلى ساحة للمعارك، دفع أبوظبي إلى فتح باب الحوار مع طهران، والجلوس إلى مائدة التفاوض، بهدف إيجاد مَخرج يُجنِّبها ويلات معركة هدد الحرس الثوري الإيراني بأنها ستكون شاملة وطويلة الأمد.
في هذه الأثناء صعَّد الحوثيون من وتيرة هجماتهم على الأراضي السعودية، وأعلنوا نجاحهم في الوصول إلى منطقة الدمام التي تضم أهم منشآت عملاق النفط السعودي "آرامكو" بصاروخ "باليستي"، إلى جانب عملية نوعية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، نجحت خلالها في استهداف عرض عسكري لقوات الحزام الأمني المدعومة إماراتياً، وقتل ضباط كبار موالين لأبوظبي؛ وهو ما دفع المراقبين إلى اعتبار التصعيد رسالةً إلى الرياض بوجوب السير على خُطا أبوظبي، والتخلي عن خيار الحرب.
عام التصعيد والتهديد
يمكننا من خلال تتبُّع وتيرة الهجمات الحوثية على الأراضي اليمنية والسعودية على حد سواء، اعتبار عام 2019 الجاري عام التصعيد والتهديد بامتياز، حيث تمكنت مليشيا الحوثي من تشكيل تهديد خطير وفعليٍّ لقوات التحالف السعودي-الإماراتي، بقتل جنوده، أو استهداف المليشيات التي تتبعه، إضافة إلى الجيش اليمني.
حيث استهدفت طائرة مسيَّرة، في 10 يناير الماضي، عرضاً عسكرياً بمدينة لحج، قُتل فيه رئيس الاستخبارات العسكرية اليمنية، ونائب رئيس الأركان.
وفي 14 مايو الماضي، نجحت طائرة حوثية مسيَّرة، في استهداف مضختين لضخ النفط شرقي العاصمة السعودية الرياض، وهو ما اعتُبر تطوراً نوعياً في نوع الأهداف والقدرة على الوصول إلى العمق السعودي.
وفي 21 مايو الماضي، استهدفت طائرة مسيَّرةٌ مطار نجران؛ وهو ما أدى إلى توقف حركة الطيران عدة ساعات.
كما نجح الحوثيون في استهداف عرض عسكري للتحالف السعودي-الإماراتي في عدن، ولم تكشف مصادر التحالف عن أي أرقام للخسائر البشرية.
وأصيب 26 مسافراً من جنسيات مختلفة، في 12 يونيو الماضي، بعملية نوعية نفذها الحوثيون في مطار أبها الدولي.
ليتوِّج الحوثيون سلسلة هجماتهم المتصاعدة، في الأول من أغطس الجاري، بصاروخ "باليستي" استهدف عرضاً عسكرياً في عدن، وقتل 40 من قوات الحزام الأمني، بينهم العقيد منير اليافعي الذي يعتبر رجل الإمارات في هذه القوة، في حين قطع صاروخٌ آخَر مسافة 1300 كم، من الحدود اليمنية، ليصيب هدفاً في منطقة الدمام، بحسب الرواية الحوثية.
نبيل البكيري، الكاتب والمحلل السياسي اليمني، شكك في قدرة الحوثيين على الوصول إلى منطقة الدمام السعودية، معتبراً أنها "كذبة من أكاذيب المليشيا التي دأبت على ترويج مثل هذه الأخبار في إطار حربها النفسية مع الخصوم".
وقال البكيري لـ"الخليج أونلاين": إن "الحوثيين من خلال انقلابهم على السلطة تمكنوا من السيطرة على قدرات الجيش اليمني الصاروخية، وهي صواريخ روسية الصنع لا يتجاوز مداها 500 إلى 600 كم، لذلك هم قادرون على استهداف الجنوب السعودي فقط".
وأضاف: "أما استهداف العمق السعودي في الدمام؛ فهو أمر غير مستبعد، لكنه تم في إطار التخادم بين الأذرع الإيرانية في المنطقة، وقد كشفت مصادر المخابرات الأمريكية أن استهداف منشآت النفط في محيط الرياض تم من خلال الأراضي العراقية، ولا أستبعد أن يكون استهداف الدمام تم من العراق أو من إيران نفسها، فالسعوديون غير قادرين على حماية أراضيهم أو معرفة من اخترق أجواءهم".
وتابع البكيري: إنَّ "توجُّه الإمارات نحو طهران جعل مصطلح قوات التحالف في اليمن غير عملي وغير واقعي، فالسعودية والحكومة الشرعية تقفان منفردتين في معركة اليمن اليوم"، مستدركاً: "وبعد تعرُّضها للخيانة من الجانب الإماراتي تجد الرياض نفسها مرغمة على تصحيح أخطاء أربع سنوات من الحرب العبثية التي أسهمت أبوظبي في جعلها عبثية من خلال تفخيخ المشهد اليمني، لذلك هي ملزمة بسلوك جديد بعد هذا التطور والبحث عن خيارات جديدة في تعاملها مع الحرب".
البكيري أكد لـ"الخليج أونلاين"، أن "موقف إيران هو الأقوى في المعادلة على الأرض، لأنها لم تُستنزف، فهي تقاتل في أرض غير أرضها، وبقوات ليست قواتها الرسمية، عكس السعودية التي استنزفتها الحرب مادياً وبشرياً ومعنوياً".
وأعرب عن اعتقاده أن "خطر حرب اليمن لم يعد يهدد فقط الموارد السعودية، إنما يهدد منظومة الحكم في المملكة، فكل السياسات التي اتخذت منذ صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد ثبت أنها فاشلة، والعالم اليوم كله ضد الرياض".
مؤشرات وبوادر سعودية
لم يمضِ وقت طويل على اللقاء الذي جمع الإماراتيين والإيرانيين في أبوظبي بهدف التفاهم والتواصل والتعايش السلمي، حتى بدأت السعودية في إعطاء إشارات إلى احتمالية حذوها حذو حليفتها التي غدرت بها وتركتها منفردة في أرض المعركة.
حيث أبدى عبد الله المعلمي، مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة، استعداد بلاده لإنشاء علاقات ثنائية بين الدول العربية وإيران، رغم ما وصفه بـ"الدور السلبي" للأخيرة في المنطقة، لافتاً إلى أن هذه العلاقات يجب أن تبنى على سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ووفقاً لوكالة "فارس" الإيرانية، فإن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، أعرب عن ترحيب بلاده بتصريحات المعلمي، داعياً إلى اتخاذ إجراءات عملية بهذا الصدد.
وقال ربيعي إن تصريحات المندوب السعودي "إيجابية" وأكد أن بإمكان الرياض أن تؤدي "دوراً مستقلاً"، واصفاً أداءها بـ"السلبي" خلال الفترة الماضية، ولكن رغم ذلك أشار إلى أن "أمن واستقرار المنطقة يرتبطان بشكل مباشر بسلوك المملكة في المستقبل".
وفي السياق ذاته تجاوبت الرياض مع كل مطالب غريمتها طهران، فيما يتعلق بملف الحجاج والمعتمرين الإيرانيين، خلال لقاء رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية علي رضا رشيديان، بوزير الحج والعمرة السعودي محمد صالح بن طاهر بنتن، في مكة السبت (3 أغسطس).
وحسب وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، قال رشيديان: إن "تحولات إيجابية قد حدثت في مجال تقديم الخدمات للحجاج الإيرانيين إثر تعيين رئيس جديد لمؤسسة مطوفي الحجاج الإيرانيين"، معرباً عن أمله بالمزيد من تحسين هذه الخدمات.
من جهتها أفادت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إيسنا" أن السلطات السعودية تجاوبت مع طلب طهران بافتتاح مكتب لرعاية المصالح الإيرانية في السفارة السويسرية لدى السعودية.
وقالت الوكالة إن وزير الحج السعودي رحب باستئناف إيفاد الزوار الإيرانيين إلى العمرة، وتعهد بمتابعة ملف تدشين ممثلية إيرانية في سفارة سويسرا شخصياً.
ويبدو أن إعادة التموضع الإماراتي في حرب اليمن، أو الانسحاب من المعركة بدعوى إعادة الانتشار، وهجمات الحوثيين المؤثرة في العمق السعودي، دفعت الرياض إلى تليين مواقفها المتشددة تجاه الرياض، تمهيداً لمخرج من حرب اليمن يحفظ ماء الوجه لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بحسب الخبير العسكري الموريتاني بخاري ولد مؤمل.
ولد مؤمل قال لـ"الخليج أونلاين": إن "السعودية أصبحت تأخذ تهديدات أذرع إيران لها في المنطقة على محمل الجد، بعد أن استُهدف عمقها الجغرافي من كل الاتجاهات، خصوصاً بعد أن تيقنت أن ضرب منشآت النفط في الرياض تمت عبر المليشيات العراقية".
وتابع: أن "النجاح في استهداف المطارات الحيوية، والمنشآت النفطية، والنجاح في اختراق العمق السعودي براً وجواً خلال الشهريين الماضيين، دفع السعوديين إلى إعادة حساباتهم، بعد أن بات الخذلان الأمريكي أوضح من عين الشمس في رابعة النهار".
وأشار ولد مؤمل إلى أن "ترامب سيسحب أساطيله عاجلاً أو آجلاً ليخوض معركته لكسب انتخابات 2020، وستبقى السعودية ومعها الإمارات إلى جوار إيران، وستكونان جزءاً من معادلة الردع التي شكلتها في المنطقة عبر الهلال الشيعي، الممتد من طهران إلى بيروت مروراً بصنعاء وبغداد ودمشق".
وأكمل الخبير العسكري الموريتاني حديثه لـ"الخليج أونلاين" بالقول: إن "طهران أتقنت اللعبة السياسية بدهاء كبير، ونجحت تهديداتها عبر الأذرع في إثارة الرعب لدى القيادة الإماراتية، ففككت ما تبقى من التحالف المهلهل، وجذبت أحد قطبيه، ليجد القطب الثاني نفسه في حالة جذب لا إرادية نحو الجلوس للتفاهم مع الإيرانيين"، معرباً عن اعتقاده أن "الطرفين سيتوصلان إلى تفاهمات تعيد ترتيب أوراق المنطقة، وستفرض إيران شروط المنتصر ضمناً، خصوصاً إذا سحبت أمريكا قواتها من مياه الخليج".
جدير بالذكر أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، دعا الأربعاء (31 يوليو) السعودية للحوار، بعد أن أجرت بلاده محادثات حول الأمن البحري مع الإمارات، بحسب وكالة الأنباء والتلفزيون الإيرانية.
وقال ظريف: "إذا كانت السعودية مستعدة للحوار، فإننا مستعدون دوماً للحوار؛ لأننا لم نغلق الباب قط أمام الحوار مع جيراننا ولن نغلقه أبداً".
وشهدت العلاقات السعودية الإيرانية تدهوراً كبيراً، خلال السنوات القليلة الماضية، وهو ما تسبب بالاعتداء على بعثتها الدبلوماسية في إيران، مطلع 2016، ليتطور الأمر إلى قطع العلاقات بين البلدين.
وجاء الاعتداء بعد توتر سابق بين البلدين، تطور عقب حادثة التدافع من قبل الحجاج في منى، يوم 24 سبتمبر عام 2015، وأدى إلى مقتل 769 شخصاً وإصابة 694، غالبيتهم كانوا من الحجاج الإيرانيين.