الديسكو الحلال.. طريقة ابن سلمان لتحويل المملكة إلى مسخ

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2836
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

أسماء رمضان

 على الواجهة البحرية لمدينة جدة السعودية افتتحت سلسلة النوادي الليلية "وايت" فرعًا جديدًا لها دون السماح بتقديم المشروبات الكحولية كونها ممنوعة في المملكة، فيما عُرف باسم "الديسكو الحلال"، ورغم أن إعلان الافتتاح ذكر أن الديسكو سيكون محترمًا للعائلات، فإن عاصفة كبيرة من النقد أشعلت موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إذ دشن مغردون هاشتاغ #ديسكو_في_جده ليتصدر قائمة الهاشتاغات الأكثر انتشارًا في السعودية حاصدًا أكثر من 37 ألف تغريدة ضمت أغلبها انتقادات حادة للهيئة العامة للترفيه التي يترأسها تركي آل الشيخ، مطالبين بإغلاق الهيئة لأنها لا تمثل القيم السعودية.
يبدو أن السعودية التي عُرفت طوال تاريخها بنهجها المتشدد والمحافظ باتت تسير بوتيرة متسارعة للغاية نحو الانفتاح، حيث تشهد طفرة كبيرة في مجال الأنشطة الترفيهية والفنية منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد الذي يسعى سعيًا حثيثًا إلى تغيير الصورة النمطية لبلاده لدى الغرب.

نظرية العلاج بالصدمة والتغييرات السياسية
داخل أحد معامل جامعة ماكجيل بكندا، قام رئيس قسم الطب النفسي الدكتور أيون كاميرون بعدة تجارب من أجل علاج حالات مرضاه المتدهورة فيما عُرف باسم "العلاج بالصدمة"، حيث عرّض الطبيب المرضى لصدمات كهربائية تعمل على مسح ذاكرتهم كخطوة أولى يتبعها بعد ذلك عملية زرع وكتابة تاريخ جديد للمريض، وتعمل حالة الصدمة تلك على فقدان المريض لاتزانه ودخوله في حالة من التشويش يمكن بعدها التحكم به كيفما يشاء الطبيب المعالج.
نُقلت نظرية العلاج بالصدمة إلى ميدان السياسة وطبقها عدد كبير من الرؤساء
بعد هذه التجارب أوقف كاميرون علاجه بالصدمة، وذلك بعد تداعي صحة مرضاه، ولكن تبنى ميلتون فريدمان أحد أساتذة الاقتصاد هذه النظرية محاولًا تطبيقها في علم الاقتصاد، حيث افترض إمكانية تحويل اقتصاديات الدول إلى الرأسمالية شريطة أن يتم ذلك عقب الكوارث الكبرى والأحداث التي تفقد الشعب اتزانه وتسلبه قدرته على إدراك التسلسل الزمني للأحداث، حيث ينصب تركيز الناس حينها على خوفهم من الحالة الطارئة أكثر من اهتمامهم برعاية مصالحهم.
فيما بعد نُقلت نظرية العلاج بالصدمة إلى ميدان السياسة وطبقها عدد كبير من الرؤساء، فعلى سبيل المثال في مساء الخميس الموافق 29 من يناير/كانون الثاني 2015 استهدفت مجموعة من تنظيم أنصار بيت المقدس استراحة لضباط الأمن بشمال سيناء بسيارات مفخخة في هجوم كان الأكبر حيث قدر ضحاياه بأكثر من 30 قتيلاً، وتبعت هذه العملية مجموعة من القرارات الاقتصادية والسياسية شديدة القسوة على المواطن المصري، كما أصدر السيسي قانون الكيانات الإرهابية وتورطت الشرطة المصرية في توجيه ضربة لمجموعات الأولتراس راح ضحيتها 22 شابًا أمام إستاد الدفاع الجوي.

محمد بن سلمان والعلاج بالصدمة لتغيير السعودية
العلاج بالصدمة لا يستخدم فحسب في الكوارث الكبرى ولكنه يستخدم أيضًا حال الرغبة في إحداث تغييرات جذرية يرفضها المجتمع، حينها تقتضي عقيدة الصدمة أن يتم الإسراع من وتيرة الإصلاحات بحيث يفقد الشعب اتزانه ولا يمكنه اللحاق بوتيرة التغيرات.
هذا النهج اتبعه محمد بن سلمان وصرح بذلك في حواره مع الكاتب الأمريكي ديفيد إغناتيوس لصالح جريدة واشنطن بوست، حيث قال في فبراير/شباط 2018 إن الإصلاحات الجديدة في بلاده جزء من العلاج بالصدمة الذي يعتبره ضروريًا من أجل تطوير الحياة السياسية والثقافية في المملكة.
طامة قرارات ابن سلمان لا تأتي فقط من جرأتها الجديدة على المجتمع المحافظ ولكنها تأتي أيضًا بأنها جاءت إملاءً من الحاكم
من جانبه رفض ابن سلمان الانتقادات الموجهة إلى سياساته المحلية والإقليمية قائلًا بأنها جوهرية، مضيفًا بأنه كلما اتسعت وتيرة التغيير وسرعته كان النجاح حليفه، وفي مارس/آذار 2018 نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالًا عن الإصلاحات التي تشهدها السعودية مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة وحضور المنافسات في الأندية الرياضية والدخول لصالات السينما، وقال مارتن شولوف كاتب المقال المتخصص في تغطية شؤون الشرق الأوسط بالجريدة إن وصول السعودية لهذا الانفتاح غامض وغير واضح، وأضاف أن العلاج بالصدمة الذي يتبعه ابن سلمان لن ينجح في مجتمع محافظ مثل المجتمع السعودي الذي يتصف بأنه يخاف النظام الحاكم ولكنه سيعارض قراراته بطريقة أخرى مما سيؤثر على استقرار المجتمع السعودي.
طامة قرارات ابن سلمان لا تأتي فقط من جرأتها الجديدة على المجتمع المحافظ بل أيضًا بأنها جاءت إملاءً من الحاكم وليست نابعة من رغبة المواطنين أو من خلال تطور فكري وثقافي يمكن استيعابه، فالأمر يشبه الولادة المبكرة التي يموت خلالها الجنين أو يولد بتشوهات تحتاج وقتًا طويلًا من العلاج كي تزول.
وفي سياق متصل ذكرت صحيفة التايمز البريطانية أنه في الوقت الذي فكك فيه ابن سلمان السلطة الدينية المتجسدة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تلك السلطة الذي ظلت مهيمنة لعقود على الحياة في المملكة فإنه قام في الوقت ذاته بتكريس سلطة جديدة قوامها دولة بوليسية مفرطة في التطرف، وفي نفس الوقت الذي أعطى ابن سلمان حريات جديدة للمرأة السعودية فإنه اعتقل عددًا من الناشطات السعوديات مثل لجين الهذلول التي أبلغت أسرتها بأنها كانت محتجزة في زنزانة انفرادية تتعرض للضرب والصعق بالكهرباء والجلد بالسياط والتحرش الجنسي من مساعد محمد بن سلمان نفسه.

ابن سلمان والهوس السطحي بالتغيير
يُقدر عدد النساء الهاربات من السعودية بأكثر من ألف حالة وعلى الرغم من السياسات الإصلاحية التي اتبعها ابن سلمان بداية من السماح للمرأة بقيادة السيارة ومرورًا بدخول نوادي كرة القدم وصالات السينما، فإن ذلك لم يمنع النساء من مواصلة الهروب، لماذا؟ لأن المجتمع السعودي يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك، يحتاج إلى تغيير بنية قوانين الوصاية على المرأة التي تعد الأسوأ في العالم داخل المملكة، فوفقًا لهذه القوانين فالمرأة التي يُزعم بأنها ناشز يمكن احتجازها في مراكز تديرها الدولة السعودية ولا يمكن للمرأة الخروج من تلك المراكز إلا بموافقة ولي الأمر.
ما يفعله ابن سلمان وما يقوم به من تغييرات لن تخدم المجتمع السعودي بقدر ما ستحوله إلى مسخ مشوه
وفي الوقت الذي يسعى فيه ابن سلمان إلى تغيير التقاليد القديمة في المملكة وإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي عبر تبني سلسلة من إجراءات التقشف الصارمة فإنه يتشبث بكل ما أوتي من قوة بالامتيازات الملكية وفي أقل من عامين أصبح ابن سلمان الأمير العربي الأكثر ثراءً، ففي عام 2015 اشترى يختًا مملوكًا لملياردير الفودكا الروسي يوري شيفلر بـ500 مليون يورو.
في النهاية لا تتغير المجتمعات بين ليلة وضحاها، ولا يأتي التغيير من رأس السلطة الحاكمة خاصة التغيرات الثقافية والاجتماعية، والمجتمع السعودي محافظ بطبعه لن يتحول صوب الانفتاح لمجرد أن ابن سلمان ارتأى ذلك، في الوقت ذاته فإن الانفتاح يتطلب بجانبه قدرًا من الحرية وهو الأمر الذي لم يوفره الأمير الشاب، فعلى العكس تمامًا يرتكز في سياسته على القمع والخوف والترهيب، وهو ما تجلى بشدة في العقوبات التي فرضها على الدعاة وعلماء الدين المعتدلين وأبرز النشطاء بالبلاد، وبالتالي ما يفعله ابن سلمان وما يقوم به من تغييرات لن تخدم المجتمع السعودي بقدر ما ستحوله إلى مسخ مشوه سيعاني على المدى الطويل من اضطرابات فكرية وأزمة هوية ربما لن يتجاوزها بسهولة.

نون بوست