سفير تل أبيب الأسبق بالقاهرة: “صفقة القرن” قسّمت الوطن العربيّ بصورةٍ لم يشهدها منذ تأسيس الجامعة العربيّة والرفض الفلسطينيّ هو قرارٌ استراتيجيٌّ
الناصرة – “رأي اليوم” – من زهير أندراوس:
على الرغم من حلّ الكنيست الإسرائيليّ صباح اليوم الخميس والإعلان عن الذهاب لانتخاباتٍ مبكرةٍ في السابع عشر من شهر أيلول (سبتمبر) القادم، على الرغم من ذلك، ما زالت خطّة السلام الأمريكيّة تطغى على المشهد السياسيّ في كيان الاحتلال، مع وصول غاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكيّ وكبير مُستشاريه إلى تل أبيب، في مُحاولةٍ لتحريك الأمور لإنجاح ما بات يُعرَف بـ”مُنتدى البحرين”، الذي يرى به الكثيرون الخطوة الأولى في تنفيذ الصفقة الهادِفة في نهاية المطاف إلى تصفية القضية الفلسطينيّة، خصوصًا وأنّ التسريبات المقصودة عمّا تحتوي الخطّة تؤكّد بشكلٍ غيرُ قابلٍ للتأويل بأنّ الثالوث غيرُ المٌقدّس: الإمبرياليّة بقيادة رأس الأفعى، أمريكا، والصهيونيّة وصنيعتها إسرائيل والرجعيّة العربيّة، يسعى إلى فرض حلٍّ على الفلسطينيين لا يشمل دولةً، ناهيك عن أنّ حقّ العودة تمّ إسقاطه من الخطّة الجهنميّة.
في هذا السياق رأى سفير الكيان الأسبق في القاهرة، رأى أنّ “صفقة القرن” تُقسّم الوطن العربيّ، وقال يتسحاق لفانون، وهو محاضر في مركز هرتسليا المتعدد المجالات، في مقالٍ نشره بصحيفة (يسرائيل هايوم) اليمينيّة-المُتطرفّة إنّ الانقسام بالوطن العربيّ بات واضحًا.
وتابع قائلاً إنّ المملكة العربيّة السعودية ودولة الإمارات العربيّة المُتحدّة، الدولتان المهمتان والمؤثرتان في الخليج أعلنتا مشاركتهما في الورشة الاقتصادية في البحرين، وأنّ السلطة الفلسطينية و”حماس” أعلنتا بصورةٍ منفصلةٍ مقاطعتهما المؤتمر، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ مصر والأردن مترددان، ومُشدّدًا على أنّ باقي العالم العربيّ يلعق جراحه، فيما تبتسِم الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، على حدّ تعبيره.
وأوضح في سياق مقاله: لقد نجح الملك عبد الله الثاني، في الصمود في مواجهة احتجاجات الربيع العربيّ، بعد أنْ تبنّى جزءًا من المطالب الشعبيّة، وقام بتغيير نظام الانتخابات، لكنّ أزماته لم تنتهِ هنا، ومملكته ليست مستقرّةً، وكان يُفضِّل الانتظار تجاه صفقة القرن في هذه المرحلة، والغموض الذي يرافق الخطة يزيد لديه الإحساس بأنّ بلده سيطلب منه ثمنًا باهظًا، على حدّ قول سفير تل أبيب الأسبق في القاهرة.
وشدّدّ ليفانون على أنّه في مقابل الأردن تبدو مصر واثقة من نفسها، فهي تتجاهل السلطة الفلسطينيّة في اتصالاتها بـ”حماس” بشأن التسوية، وخففت من جهودها في عملية المصالحة الداخليّة الفلسطينيّة، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ مصر تؤيد المطالب الفلسطينيّة بشأن الحلّ الدائم لكنّها لا تدعم رفض رئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس، صفقة القرن، ومُضيفًا أنّ بلاد الكنانة تشعر بالراحة في الحديث مع واشنطن، وتدعو الفلسطينيين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات والتعلّم من التجربة المصريّة إزاء إسرائيل، علمًا أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، كان قد طلب أوائل الشهر الجاري من الرئيس الأمريكيّ تعيين الرئيس المصريّ، المُشير عبد الفتّاح السيسي، عرّاب تسويق صفقة القرن في الوطن العربيّ، بدلاً من وليّ العهد السعوديّ، محمد ابن سلمان، كما أكّدت محافل رفيعةً في كلٍّ من واشنطن وتل أبيب.
وتابع السفير أنّ عبّاس عمِل من دون كللٍ لخلق جبهةٍ عربيّةٍ ضدّ الصفقة، لكن يبدو أنّه لم ينجح في ذلك، مُشيرًا إلى أنّ البيت الأبيض لم يتراجع عن نيته تقديم الخطة بعد شهر رمضان، وحتى في إسرائيل سُمعت أصوات تدعو إلى تأجيل تقديم الصفقة التي من المتوقع ألّا تلاقي موافقة واسعة من جانب العالم العربيّ، وفي الواقع منذ تأسيس الجامعة العربية في سنة 1954، لم يظهر العالم العربي منقسمًا كما هو عليه اليوم.
وتابع أنّ الرفض الفلسطينيّ الموافقة على الصفقة من دون معرفة مضمونها هو بمثابة قرارٍ استراتيجيٍّ، لكن رفض المجيء إلى البحرين والاستماع إلى تفاصيل الخطة هو خطوة تكتيكية خاطئة، يجازف الفلسطينيون بكل شيءٍ ويمكن التنبؤ بأنّهم سيخسرون، كما قال ليفانون.
وشدّدّ على أنّه يتعيّن على الأردن التفكير في مسارٍ جديدٍ وبسرعةٍ، وأنّ تردد الملك لا يُساعِد على استقرار المملكة، ويجب أنْ يتعلم من جرأة والده الحسين، ويجب عليه أنْ يُحسّن علنًا العلاقات مع إسرائيل، ويُجدد العمل باتفاقات تسوفر ونهاريم، وأنْ يتوقّف عن مقاطعة رئيس وزراء الكيان، لأنّ إسرائيل من جهتها، ستُساعِده بأنْ تتعهّد له بعدم المس بمصالح الأردن في صفقة القرن، لافِتًا إلى أنّه من المتوقع أنْ تنتهج مصر موقف الوسيط، والتعاون العلنيّ مع إسرائيل سيزيد من هيبة مصر ويُحسِّن مكانتها، طبقًا لأقواله.
وخلُص السفير إلى القول في مقاله، الذي نقلته إلى العربيّة “مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة” إنّ الكرة الآن عند الفلسطينيين، وإذا استمرّوا في رفضهم، سيزيدون قوّة الشعور بأنّ رفضهم بات مرضًا مُزمنًا، وأنّهم غير معنيين فعلاً بالحلّ الدائم، ومن المحتمل أنّهم يعتقدون أنّ الوضع الحالي أفضل بالنسبة إليهم من حلٍّ إشكاليٍّ، وهناك من قال إنّ المنطق الوحيد في الشرق الأوسط هو أنّه لا يوجد منطق، قال ليفانون.