شركات الاستشارات الغربية في خدمة الأنظمة السلطوية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2284
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

أسامة محمد
 غالبا ما يلعب الخبراء أدوارًا قيمة وواضحة في تقديم المشورة للقادة في الديمقراطيات الليبرالية الغنية والمؤسسات الدولية. لكن الأمر مختلف بالنسبة للأنظمة الاستبدادية نظرا لأن الزعماء المستبدين من الصين إلى المملكة العربية السعودية يعتمدون بشكل متزايد على الخبراء، وخاصة من الشركات الاستشارية الكبرى والجامعات ومراكز الفكر في الغرب من أجل أمور تتجاوز الاستشارات الفنية. وفي عام 2017، وصل سوق الاستشارات في دول الخليج إلى 2.8 مليارات دولار، نصفها من نصيب السعودية. وفي الأشهر الأخيرة، أثار الخبراء الذين يساعدون الأنظمة المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان والفساد وغير ذلك من الأفعال الخاطئة - وغالبًا ما يتقاضون مبالغ باهظة - انتقادات عامة متزايدة، سواء في الولايات المتحدة، حيث يوجد كثير منهم، أو في البلدان التي يعملون فيها .
وتعد "ماكينزي"، الشركة الرائدة عالميا في مجال الاستشارات الإدارية، مثالا على ذلك. وتخضع الشركة، من بين شركات أخرى في هذا القطاع، للتدقيق بسبب عملها مع الحكومات والمؤسسات المملوكة للحكومات ذات السمعة المشكوك فيها. وفي أكتوبر/تشرين الماضي، كانت الشركة مضطرة لإصدار بيان بعد أنباؤ عن توظيف تقاريرها حول وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية من قبل النظام لاستهداف المعارضين السياسيين. وقبل ذلك ببضعة أشهر تورطت الشركة في فضيحة فساد سياسي كبرى بسبب علاقاتها مع شركة الكهرباء المملوكة للدولة.

في أحضان السلطة
ربما يتوقع المرء من الخبراء الذين ينصحون الأنظمة الاستبدادية أن يكونوا رجالاً يخبروا عملاءهم بالحقائق المباشرة لكن الحقيقة أكثر تعقيدا. وبالتأكيد، فإن الخبراء ليسوا متماثلين لا في التوجهات ولا الأنشطة. وفي منطقة الخليج الغنية بالموارد، فإن العديد من الاستشاريين هم مجرد مسوقين لسياسات موظفيهم، في حين أن البعض الآخر هم من المتخصصين في مجالات مهمة للحكم الاستبدادي، مثل الأمن والمراقبة، وهو الاتجاه الذي يثير ردود الفعل المستهجنة لنشاطهم.
لكن بخلاف ذلك، يبدو أن هناك الكثير من الخبراء المهتمين حقًا بإحداث فرق إيجابي في مجالات مثل التعليم والبنية التحتية والإدارة الاقتصادية وهؤلاء لا يشعرون بأنهم متورطون بشكل خاص في ارتكاب مخالفات استبدادية. وفي الواقع، هم يرون أنهم يساعدون في إحداث تغيير في قيم هذه البلاد من الداخل وغالبا ما يفعلون ذلك فعليا على الأقل في البداية، في مراحل جمع المعلومات، وتحديد الحلول المحتملة. في هذه المرحلة المبكرة، يكون الخبراء في وضع جيد لممارسة تأثير عقلاني على النخب الحاكمة الاستبدادية، التي قد تكون غير مدركة للمشاكل. في الواقع، وصف مستشار له العديد من سنوات الخبرة في العمل في البحرين تقرير "ماكينزي" المبكر عن النظام التعليمي هناك بأنه "شامل للغاية ويكشف عن أشياء كانت محرجة للغاية للنظام".
في معظم الأحوال، يظهر الخبراء استعدادا لتوضيح الحقيقة للسلطة في هذه المرحلة المبكرة. لكن المشاكل تتطور مع تقدم صنع القرار ويطلب من الخبراء تقييم مسارات العمل المختلفة المحتملة. وبمرور الوقت، يتعلم الخبراء التكيف مع الحوافز المتجذرة في السياق السياسي الاستبدادي ويكيفون نصائحهم وفقها مع إداركهم أنهم يمكن أن يخشروا وظائفهم ورواتبهم بسهولة. لاحقا، يبدأ الخبراء في الانخراط في التنافس االتنافس السلطوي ومؤامرات القصر حيث يوظف المسؤولون المتنافسون فرقا متنافسا من الخبراء. وأخيرًا، يجد الخبراء أنفسهم يلقون ككبش فداء مناسب عندما تتعثر الإصلاحات.

تدجين الخبراء
بمرور الوقت، يصبح الخبراء أقل استعدادًا للتعبير عن الحقيقة إلى السلطة بوضوح. ويقول الكثيرون أن استراتيجية البقاء الذكية لا تكمن في الكذب، ولكن في قول القليل جدًا من الحقيقة. والنتيجة هي أن نوعية المشورة التي يقدمها الخبراء تميل إلى الانخفاض من حيث الجودة والتفاصيل، في حين تشعر النخب الحاكمة بثقة مفرطة مع وجود كبار الخبراء إلى جانبهم، ويبدو في اختصار الجداول الزمنية. وكما أوضح أحد كبار مستشاري التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة: "كانت الخطة التي كتبتها تتمثل في إصلاح جميع المدارس خلال 7 سنوات". "لكن بحلول الوقت الذي عدت فيه من العطلة، خفض وزير التعليم الخطة إلى خمس سنوات، وفي اليوم الثاني، قام الشيخ محمد بن راشد بتخفيض مدة الإصلاح إلى 3 سنوات".
يتكرر هذا النمط بشكل دوري. وعندما تشعر النخب الحاكمة بخيبة أمل بسبب قلة التقدم، فإنها تميل إلى إلقاء اللوم على الخبراء لذلك يقومون بتعيين فريق جديد من الخبراء، أو ينتقلون إلى مشروعات أخرى حيث تتولى النخب الحاكمة معالجة مشاكل الإصلاح نفسها، وغالبًا ما تكون النتائج نفسها مخيبة للآمال. والأكثر من ذلك أنه نادرا ما يتم القيام بعمليات عمليات مراجعة مؤسسية للوقوف على الأسباب الرئيسية لفشل جهود الإصلاح.
ورغم ذلك فإن عمق مشاركة الخبراء في الأنظمة الاستبدادية يتزايد باضطراد. لذا يجب على المنظمات التي تقدم مشورة الخبراء أن تحرص على الكشف عن العملاء الذين تتعامل معهم، والعمل الذي يقومون به، والنتائج التي يحققونها، وكذلك العقبات التي يواجهونها. وإذا فعلوا ذلك، ربما تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لإحداث فرق إيجابي في حياة الشعوب التي تعيش في ظل هذه الأنظمة بدلا من العمل كأبواق مروجة للأنظمة السلطوية.

المصدر | الخليج الجديد + فورين أفيرز