هل تصبح المرجعية الهاشمية أقرب للنجف وقُم؟.. تقارب بغداد – الرياض يثير مخاوف عمّان.. ورسائل باردة من الأردن للسعودية وبالعكس..
سكة حديد حيفا- البصرة في عمق القلق بالتزامن مع لقاء برلماني يضم المثلث مع سوريا وتركيا والكويت على طاولة “جغرافيا العراق”..
برلين – “رأي اليوم” – فرح مرقه:
لا يمكن الجزم والحسم عمليا بأن العاصمة الأردنية عمان راضية عن التنسيق الأخير بين الرياض وبغداد، ولكن من السهولة المقارنة بين القمة السعودية العراقية ونظيرتها المصرية العراقية وتلمس غياب عمان عن الأولى بينما حضورها وترتيبها للأخرى. بملاحظة ذلك يمكن تلمس مؤشرات الانزعاج في عمان على المستوى الأعلى والمتمثل بالملك تحديداً بسبب تغييب الأردن عن واجهة الدعم “الملياري” من الرياض لبغداد.
بحسابات عمان، فقد حرصت العاصمة الأردنية على تخفيف حدة الاستقطاب العربي في العراق، وكانت أولى من تقدمت لتطبيع العلاقات معه بعد الانتخابات التي أفرزت برهم صالح رئيساً وعادل عبد المهدي رئيساً للوزراء، وهو الأمر الذي يظهر أن عبد المهدي حفظه جيداً وهو يطلق جملته التطمينية قبل ذهابه للرياض، حيث نُقل عنه جملة مفادها أنه ذاهب ليعقد اتفاقات تؤدي لأن تحتل السعودية مكانة مقاربة لإيران والأردن.
لاحقاّ والسبت فقط (20 ابريل/ نيسان) دعت العاصمة العراقية مجموعة من البرلمانيين من الدول الثلاث (الأردن والسعودية وإيران) بالإضافة للكويت وتركيا وسوريا، في محاولة لتوسيع دورها (أي بغداد) كميزانٍ للعلاقات في العالم العربي. الاجتماع بحد ذاته مثير للاهتمام، خصوصاً وقد نُقل عنه جملة مثيرة للاهتمام لرئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي قال فيها: “ما يربطنا بجيراننا هو المصير الجغرافي المشترك والمصالح المشتركة”.
أما بين عمان والرياض، فالإشارات كثيرة على عدم الرضا الأردني، خصوصاً مع شعور بعدم تقدير الجهد الذي بذلته عمان لإعادة العراق الرسمي الجديد للحضن العربي من قبل الرياض، وعلى الأقل هذا ما يقوله مسؤولون أردنيون خلف الكواليس. ما لا يقولونه يتمثل بخشية الأردن من المنافسة والمزاحمة السعودية، ليس فقط على مستوى العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، قدرما هو على مستوى الدور الإقليمي ككل.
مؤشرات عدم الارتياح يمكن رصدها وقد يكون أولها بعدم إرسال عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني أي ردٍ لنظيره السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الذي بعث له برسالة بالتزامن مع التواجد العراقي الكبير في الرياض مع وزير الدولة لشؤون الدول الأفريقية في المملكة العربية السعودية أحمد بن عبد العزيز قطان.
مسمى الوزير السعودي ومهمته وحدهما يثيران العديد من الأسئلة، خاصةً أن ملك الأردن أرسل رسائله الداعية للتنسيق المشترك قبل (عبر رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز) وبعد (عبر رئيس مجلس الملك فيصل الفايز) وخلال القمة العربية في تونس للملك سلمان، وكان ملاحظاً تجنب الرياض للقاء عاهل الأردن في القمة ذاتها؛ وعليه فإن اختيار ملك الأردن عدم إرسال رسالة لنظيره السعودي هذه المرة يعتبر إشارة ليس من السهل إسقاطها.
بالتزامن أيضاً التقى عاهل الأردن وفد النواب الإسلاميين من البرلمان في بلاده وككتلة منفصلة، كما استقبلت عمان حجيجاً قطرياً تركياً تنوعت أهدافه وأشكاله بين الشق الاقتصادي (تركي) والدفاعي (قطري)، لتبدو العاصمة الأردنية ماضية في مأسسة تحالف مع المرجعية الدينية التركية ومبتعدة عن نظيرتها السعودية.
العاصمة الأردنية وتحديداً الملك الذي لديه بصورة أو بأخرى المرجعية الهاشمية، حيّد مرجعية الأزهر عن الخلاف بلقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة ثلاثية جمعته مع نظيره العراقي بعد أشهر من الفتور، في الوقت الذي يؤكد فيه مقربون من الملك أنه لن ينسى أو يتغاضى على تجاوز “الأشقاء” للأردن، في تطبيع كبير مع الإسرائيليين من جهة، ومنافسةٍ لعمان في الوصاية الهاشمية على القدس من جهة أخرى.
في السياق الأخير (المنافسة على الوصاية) تفصل عمان بين دور الملك سلمان في الرياض ودور ولي عهده الأمير محمد، والذي تُعبّر عن مخاوفها في سياق دور الأخير في تهميش العاصمة الأردنية والتعامل معها بنوع من الاستعلاء على أساس اقتصادي وديني، تتجاهله مراكز صناعة القرار.
في العلاقة السعودية العراقية، لديها عمان الكثير من الأسباب لتقلق عملياً، فالشقيقة الكبرى في الرياض وحدها من تستطيع منافستها في مشاريع عراقية أردنية؛ تهدف أولاً، لوصل الجارة الشرقية بالبحر الأحمر عبر خط نفط البصرة- العقبة وفتح الميناء أمام البضائع العراقية، بالإضافة إلى كون الرياض تستطيع منافستها في المشروع غير المعلن الطامح لإقامة “سلام اقتصادي” في المنطقة عبر سكة حديد تصل بين البصرة وحيفا مروراً بالأراضي الأردنية، قد يعيد “أمجاد” خط النفط العراقي الواصل إلى حيفا والذي تعطّل في مرحلة ما بعد الحرب الأمريكية على العراق.
في الجانب الأول تنافس الرياض عمان، لو أرادت، وفي الجانب الثاني بإمكان الرياض بالطبع وضع الكثير من العصي في دواليب خط تجارة حيفا- البصرة ببساطة، نظرا لعلاقتها التي تجاوزت عمان على الأغلب مع الإسرائيليين. حتى اللحظة، وبالتجاوز عن تجاهل الرياض نفسها لعمان في السياق، لا تبرز ملامح منافسة (بل ويذهب محللون لمحاولة تكميلية تقوم بها الرياض لمشروع ناقل النفط أو حتى سكة الحديد بحيث يذهب من الامارات عبر الأراضي السعودية إلى العراق فالأردن وحيفا)، بينما تظهر بوضوح توجّسات من قبل الأردنيين وميل للتحليلات التي تذهب باتجاه مزاحمة سعودية، ستظهر الأيام القريبة وفق مراقبين مدى جدّية أسبابها.
بكل الأحوال، مراقبة ملف من وزن العلاقات الأردنية العراقية وتناميها أو عرقلتها على صعيد الإقليم من جانب السعودية أو غيرها، لا ينفي عدة حقائق، الأولى هي أن التقارب من أساسه حصل بين عمان وبغداد بدعم أمريكي وغضّ طرف أقرب للموافقة الإيرانية في سياق الانسحاب الأمريكي المنتظر من سوريا وكتعويض عن خسارة السوق السورية. ثانياً، أن عمان اليوم تميل بصورة واضحة إلى محورٍ موازٍ للسعودية هو محور تركيا- قطر والذي بالاتجاه نحوه تصبح أقرب بالضرورة سياسياً لإيران، ودينياً للمرجعيات الشيعية في النجف وقم. وثالثاً وهو الأهم، أن عمان بتنويع تحالفاتها (ان استمرّت به)، يفترض أن يجدها المتتبع قريباً أقل حساسية وأكثر براغماتية خصوصاً إن مرّت بسلام من صفقة القرن وقبلها شهر رمضان المتوقع له المزيد من الاحتجاجات الغاضبة في الداخل على أرضية اقتصادية.