عائلة موظف إغاثة سعودي محتجز تكشف عن تعرضه للتعذيب
كانت آخر كلمات "عبدالرحمن السدحان" التي تحدث بها لعائلته هي " أحبك يا أمي"، ثم انقطعت كافة اتصالاته مع أقاربه.
وبعد عدة أيام، بدأت العائلة تشعر بالقلق حول مصير نجلهم، وبدأت في الاتصال بأصدقائه، تريد أن تعرف ماذا حدث للشاب السعودي الذي يعمل موظفا في مجال المساعدات الإنسانية. بعد ذلك أبلغهم متصل مجهول، يعتقد أنه من الشرطة السرية للبلاد، أنه تم إلقاء القبض على
"عبدالرحمن السدحان" من مكتب الهلال الأحمر بالرياض، حيث كان يعمل.
وقالت "أريج السدحان" الشقيقة الكبرى للشاب السعودي المعتقل في تصريحات لـ"فايننشال تايمز" إنه بعد مرور عام، لم تتمكن العائلة من إجراء أي اتصال بالشاب البالغ من العمر 35 عاما، ورفضت الطلبات التي تقدموا بها لزيارته، ولا يعرفون ما هي أسباب اعتقاله، أو إذا ما كان تم توجيه لائحة اتهامات بحقه.
وتعتقد العائلة أن نجلهم كان بين العشرات الذي اعتقلتهم السلطات السعودية، خلال حملة استهدفت كل من يشك في معارضته لولي العهد السعودي، والتي استخدمها لتعزيز سلطته على مدي السنوات الثلاث الماضية.
وقالت الشقيقة الكبرى التي تعيش في الولايات المتحدة في أول مقابلة لها لتسليط الضوء على القضية: "نحن كعائلة، نؤمن في الحديث بحرية والتعبير عن وجهات نظرنا الشخصية".
وأضافت: "نعلم أنه في المملكة العربية السعودية يجب أن تتوخى الحذر، لذلك أخي لن يقدم على التعبير عن رأيه بشكل علني. لكننا نعتقد -لسنا ندري- أنه ربما عبر عن آرائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو بين أصدقائه، وهذا ما وضعه في مأزق".
وكانت الأسرة والجماعات الحقوقية، تأمل أن تؤدي عملية التدقيق الدولي المكثفة الذي تعرضت له المملكة منذ عملية الاغتيال المروعة في أكتوبر/تشرين الأول للصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، أن تدفع الرياض لإعادة النظر في طريقة تعاملها مع المنتقدين.
لكن ناشطين قالوا إنه لم يتغير سوى القليل منذ أن قتل "خاشقجي" داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال "يحيي عسيري" مؤسس "القسط" وهي مجموعة حقوقية تتخذ من لندن مقرا لها "إنه من داخل البلاد، لم يتحسن شيء، ولكن من الخارج يفهم ما يجري، يستمع إلينا".
ولم يستجب المكتب الإعلامي للحكومة السعودية لطلب التعليق.
وحظيت الاعتقالات في صفوف الناشطات في مجال حقوق المرأة، التي نفذتها السلطات السعودية العام الماضي كجزء من حملة القمع لتوطيد سلطة ولي العهد باهتمام دولي كبير.
لكن تم اعتقال عشرات من المدونين والأكاديميين ورجال الدين والأعمال، وتقدر "القسط" أنه تم احتجاز ما لا يقل عن 150 شخصا مدار على السنوات الثلاث الماضية.
وقد تم إطلاق سراح عدد قليل منذ مقتل "خاشقجي"، وغالبا ما يخشى ذوي المعتقلين التحدث بشكل علني خوفا من تفاقم الأوضاع.
وهذا الشهر، أجريت محاكمة 11 ناشطة نسوية، بينهم "لجين الهذلول" و"عزيزة اليوسف" و"إيمان النفجان"، لكن المحكمة لم تسمح لوسائل الإعلام بتغطية المحاكمات كما لم يتم نشر التهم الموجهة إلى الناشطات بشكل علني.
وقد تم تحويل جلسة الاستماع من محكمة متخصصة تتعامل مع الجرائم المتعلقة بالإرهاب إلى محكمة جنائية عادية، مما يشير إلى أن السلطات ربما تخفف من موقفها في تلك القضية.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" إنها علمت أن اتهامات موجهة إلى اثنين من المعتقلات تتعلق بالعمل السلمي في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك الاتصال مع الصحفيين والدبلوماسيين.
لكن في مقابلة مع "بلومبرغ" في أكتوبر/تشرين الأول، قال الأمير "محمد بن سلمان" إن المعتقلات كن جزء من شبكات تقوم بتسريب المعلومات للحكومات الأجنبية، مشيرا إلى أنه تم تجنيدهن من قبل قطر ووكالات تعمل بشكل غير مباشر مع إيران.
ومن المقرر استئناف المحاكمة، الأربعاء، فيما يعتبر ناشطون أن الطريقة التي تجرى بها المحاكمات، يمكن أن تعطي مؤشرا على تأثير الضغط الدولي على المملكة.
وقالت "سارة ليا ويتسن" هي المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش"، إنه في الغالب اختبار حول ما إذا كانوا (السعوديون) يشعرون أنهم بحاجة لتقديم تنازلات لإنقاذ سمعتها من الأضرار التي لحقت بها.
تعذيب
وبالنسبة لعائلة "السدحان"، وصل التأكيد في النهاية من السلطات إلى أن موظف الهلال الأحمر تم احتجازه بعد شهر من اعتقاله.
وقالت شقيقته "أريج": "كانت أخر المعلومات التي تلقتها العائلة في نوفمبر/تشرين الثاني، عندما أخبرتهم الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان (كيان شبه مستقل) أنه تم نقله إلى سجن آخر.
وأضافت أنهم سمعوا من أقارب المعتقلين الآخرين أنه تعرض للتعذيب ووردت ادعاءات مماثلة بحق بعض الناشطات، وهو ما نفته السلطات السعودية.
ويصف "عسيري"، "السدحان" بأنه "معتقل رأي" وتعد حالته هي الخامسة التي وثقتها "القسط" خلال السنوات الماضية من أشخاص اختفوا بعد إلقاء القبض عليهم، بمن فيهم صحفيان وواعظ وحاج سوري.
ومع ذلك، يعتقد "عسيري" أنه تكون هناك حالة من عدم اليقين داخل النخبة السعودية الحاكمة حول كيفية التعامل مع المعتقلين، وخاصة الناشطات.
وقال إنهم يكافحون الآن، ولا يعرفون كيفية حل القضية " فإذا أطلقوا سراح الناشطات النسويات، فهذا يعني أن الضغط قد بدأ في إحداث تغيير، لكن إذا تواصلت إجراءات التقاضي وصدر بحقهن أحكام، فهذا يعني أن الضغط غير كاف".
وقالت "أريج السدحان" إنها لا تزال متفائلة حول مصير أخيها والمتعلقين الآخرين، مضيفة: "أنا لا أعرف كم من الوقت سيستغرق.. لكنني أعتقد أنه سيكون هناك تغيير".