ألكسندر نازاروف: هل تفشل الجولة الآسيوية الناجحة لمحمد بن سلمان؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2144
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 ربما يتسبب التلميح السعودي لأمريكا ذو الـ 100 مليار دولار في تداعيات سلبية للرياض.
شكليا، كانت الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى باكستان والهند والصين، ناجحة للغاية، فقد بدا الرضا على الأطراف، وتوصلت إلى نتائج إيجابية على العديد من الأصعدة، وضخت الزيارة الدماء في تطوير العلاقات الثنائية بين السعودية وتلك الدول.
لكن يجب ألا ننسى أن الهدف الأساسي من هذه الزيارة، هو الهدف الذي يحوم الشك حول بلوغه.
لقد أثرت قضية مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، والموجة المتصاعدة للتحقيقات والاتهامات الأمريكية الموجهة ضد المملكة العربية السعودية، أثرت على سمعة المملكة في العالم. بل ووضعت المستقبل السياسي لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على المحك، وخلقت وضعا غير مستقر وغير مسبوق للعلاقات بين واشنطن والرياض.
على خلفية ذلك الوضع، أرادت الرياض أن توضّح “للحلفاء” في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أي أحد آخر، أن الشمس بالنسبة للسعودية يمكنها، بل يتعين عليها طبيعيا، أن تشرق من الشرق، وليس من الغرب كما كان الوضع فيما قبل. وذلك حتى لا ينسى الشركاء في الولايات المتحدة الأمريكية أن لصبر الرياض على الألعاب الحزبية الداخلية حدودا، وأن العالم لم يعد نفس العالم الذي كان في السابق، كما لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية نفس الدولة التي كانت.
إلا أن هناك سببين لما يمكن أن يصبح النجاح فشلا للزيارة:
ما يحصل يشبه حالة زوجة أوروبية، ما أن رأت حب زوجها يخفت نحوها، حتى بدأت في مداعبة رجال آخرين حتى يقدّر الزوج قيمتها أكثر. لكن زوج تلك الأوروبية في هذه اللحظة التاريخية ليس أوروبيا ليبراليا، وإنما زوج عربي صارم، ويمكن أن تؤدي مداعبة الزوجة لآخرين إلى عواقب وخيمة.
لا تزال السعودية حتى الآن هدفا للديمقراطيين، الذين يسعون من خلال استهدافها بقضية خاشقجي وغيرها من “الذنوب” السعودية، الحقيقية والوهمية، إلى النيل من ترامب، الذي دافع عن صفقات الأسلحة مع محمد بن سلمان.
لكن مداعبة الصين، التي يضعها ترامب في خانة “العدو الاستراتيجي رقم 1″، يمكن أن تسفر بدلا من تنازلات لمصلحة السعودية، إلى توحيد صفوف الحزبين الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين على قرار معاقبة المملكة العربية السعودية. والرئيس ترامب معروف بنظرته الراديكالية للغاية بشأن قدرة الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الصدد.
وعلاوة على ذلك، فإن اتخاذ ترامب لزمام المبادرة من الديمقراطيين، وإطلاق “حملة صليبية” ضد الرياض، سيقلل من ضرر الهجوم الشرس ضده من جانب الديمقراطيين فيما يخص قضايا السعودية. ومع الأسف لكل حلفاء أمريكا، فإن إمكانية الحصول على السلطة أو البقاء فيها لأي سياسي في الولايات المتحدة الأمريكية أهم بكثير من علاقاتها مع أي حليف، التي تثق النخب الأمريكية في أنها غير قابلة للزوال.
أما السبب الثاني الذي يمكن ألا يجعل تلك الزيارة تتكلل بكل هذا النجاح هو أن العالم الآن يضم دولتين فقط تمتلكان السيادة الكاملة: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. تمتلك روسيا بالطبع إمكانيات أقل من الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن تظل هاتان الدولتان هما الدولتين الوحيدتين القادرتين ليس على الدفاع عن مصالحهما فحسب، وإنما أيضا الدفاع عن مصالح حلفاء آخرين. لا تمتلك الأغلبية الباقية من الدول تلك القدرة، وإن تمكنت بعض الدول من الدفاع عن مصلحتها الوطنية، فإنها لا تتمكن، أو لا ترغب، حتى الآن، في الدفاع عن مصالح الآخرين، وينطبق هذا الوصف على كل من الهند والصين.
تشغل باكستان موقعا قريبا من الحد الأدنى في هذا التصنيف، حيث تتصرف هي الأخرى مثل السعودية، وتحاول إظهار سياسات متعددة المحاور من أجل الضغط على حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن باكستان لا تستطيع الكثير، ولا يمكنها بأي حال من الأحوال مساعدة الرياض في الشؤون الأمريكية.
تشعر الهند في الفترة الأخيرة بمزيد من الثقة في نفسها، فهي لا تزال، على الرغم من تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية، تشتري النفط الإيراني. إلا أنه على خلفية الصراع مع باكستان، والمنافسة مع الصين، فإن الهند تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر من احتياج الولايات المتحدة الأمريكية لها.
لذلك أتوقع أن تستقبل الهند الاستثمارات التي بلغت 100 مليار دولار، التي وعدها بها ولي العهد السعودي، بالامتنان ولا شيء أكثر من ذلك. فالهند ليست خصما للولايات المتحدة الأمريكية، وليست (حتى اللحظة) قوة عظمى، وإذا كان هدف الرياض هو التلميح لواشنطن بأن بإمكان الهند أن تصبح بديلا لأمريكا، فإن تلك الأموال سوف تذهب هباء منثورا. وحتى إذا كانت السعودية تريد ضمان أمنها من خلال تحالفها مع الهند، فلن تختلف النتيجة.
علاوة على ذلك، فإن السعودية تعاني في السنوات الأخيرة من عجز كبير في الموازنة الحكومية، حيث ترتفع مصاريفها، في الوقت الذي تهبط فيه أسعار النفط، وذلك بفضل جهود الولايات المتحدة ضمن عوامل أخرى، لذلك تثير واقعية أرقام الاستثمار المعلنة شكوكا عميقة.
أما الصين، فذلك أمر مختلف، حيث تعد الصين الشريك الأكبر للمملكة العربية السعودية، ويتكامل اقتصاد البلدين مع بعضهما البعض، بل يبدو البلدان وكأنهما خلقا لبعضهما البعض، ويبدو تحالفهما طبيعيا منطقيا، بل أراه ومن وجهة نظري الشخصية حتميا. سوف يصبح البلدان في المستقبل حليفين، ولكن يتعيّن على الصين أولا أن تنتصر على الولايات المتحدة الأمريكية حتى يحدث ذلك، لهذا فإن حدوث ذلك في الوقت الراهن أمر مستحيل، لأن تحالفا كهذا يعني منطقيا الموت لأمريكا كقوة عظمى. وما يمكن أن يحدث هو العكس تماما، أن يصبح النفط السعودي مثار حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وتصبح السعودية أرض الصراع. لكن الصين ليست مستعدة لتطور الأحداث على هذا النحو في الوقت الراهن، لذلك وفي ظل هذه الظروف، فإن لجوء السعودية للصين من أجل الحماية من الغطرسة الأمريكية لا يحمل أي معنى. من هنا فإن أي مداعبات في مجال التقارب السعودي الصيني سوف تكون بمثابة اللون الأحمر لثور هائج، لعب بالنار، وتحدّ مباشر للولايات المتحدة. وبينما تعيش النخب الأمريكية حالة من الهيستيريا في الوقت الراهن، حيث تنزلق السلطة من بين أيديها، أمام شعب أمريكي منقسم على نفسه، وبينما يبدو المستقبل أكثر رعبا مع مرور الأيام، فإن رد الفعل الأمريكي لذلك قد يكون مبالغا فيه.
أخاف أن الوضع الراهن لن يكلّل الزيارة الآسيوية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالنتائج التي سعى إليها الأمير، فهل هو مستعد لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية؟ يساورني شك في ذلك…
محلل سياسي روسي