لماذا تفشل السعودية في جذب أموال المستثمرين الأجانب؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
بعد أن تم الكشف عنها في أبريل/نيسان 2016، كانت "رؤية 2030"، وهي برنامج الإصلاح الليبرالي الجديد في المملكة العربية السعودية، تهدف إلى تقليل اعتماد المملكة الاقتصادي على النفط. وتهدف الخطة إلى تطوير القطاعات غير النفطية في المملكة، مثل اللوجستيات والصحة والتعليم والبنية التحتية والترفيه والطاقة النظيفة والدفاع والسياحة والتعدين، إلخ، بحلول عام 2030، ما يمكن السعوديين من تحقيق رخاء مستدام طويل الأمد في عصر ما بعد النفط.
وسوف يتطلب هذا الإصلاح الدراماتيكي للاقتصاد السعودي حتما أن تجتذب المملكة الاستثمار الأجنبي. وبدون شك، فإن تمكين القطاع الخاص السعودي من أن يصبح قوة اقتصادية في الشرق الأوسط سوف يعتمد بشكل كبير على كل من رأس المال والتكنولوجيا والخبرة القادمة من الخارج. ومنذ عام 2017، ازدادت مخاطر الاستثمار في المملكة، مما جعل المستثمرين الأجانب يشعرون بعدم الارتياح بشكل متزايد عند التفكير في الذهاب برأسمالهم الخاص إلى المملكة.
وفي هذا الشهر، في قمة "معهد ميلكن" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أبوظبي، شرح الملياردير المصري "نجيب ساويرس" أسباب عدم الاستثمار في السعودية.
ويقول "ساويرس": "أستطيع شخصيا الاستثمار في أي مكان في العالم. ولكن لن أذهب إلى مكان لا أقتنع فيه بوجود سيادة القانون والنظام، أو أن هناك ديمقراطية حقيقية وأن الناس أحرار. الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي يأتيان سويا. يجب أن تذهب إلى مكان تشعر فيه بالراحة".
وكان تعليق "ساويرس" -رغم تراجعه عنه لاحقا- يعكس مجموعة من المخاوف بشأن السعودية تركت المستثمرين قلقين بشأن الاستثمار في المملكة، مثل قضية مقتل "جمال خاشقجي"، والخلاف الدبلوماسي بين السعودية وكندا في عام 2018، وموجات الاعتقال في فندق "ريتز كارلتون"، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" عام 2017، والغضب العارم بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، ليس فقط على أرضها ولكن في اليمن بشكل خاص، وقد أضر كل ذلك بمناخ الاستثمار الأجنبي في المملكة.
وبعد وقت قصير من كشف المسؤولين السعوديين عن "رؤية 2030"، كان هناك شعور بالتفاؤل بأن ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" سيطبق إصلاحات لفتح المملكة لمزيد من الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص جديدة للمستثمرين. ومع ذلك، ساهمت الأحداث داخل المملكة، والإجراءات السياسية الأخيرة التي اتخذتها الرياض، في نمو تصورات المستثمرين الأجانب حول "بن سلمان" باعتباره غير متوقع ومندفع وغير مستقر. وبما أن المستثمرين الأجانب لديهم مخاوف بطبيعة الحال إزاء ضعف سيادة القانون في أي بلد، فمع تولي "بن سلمان" القيادة في الرياض، أعطت الدولة السعودية الأولوية للاستقرار وتوطيد سلطتها فوق الجهود الرامية إلى تعزيز سيادة القانون.
ولا يبشر هذا القلق بين المستثمرين الأجانب بالخير بالنسبة لأجندة إصلاح "رؤية 2030" في المملكة، ببساطة، إذا فشلت المملكة في جذب مبالغ ضخمة من الاستثمارات من الخارج لخطة الإصلاح الطموحة، فإنها لا تتمتع بأي فرصة للنجاح. وليس أدل على ذلك من اختيار الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورجان "جيمي ديمون"، ورئيس شركة فورد موتور "بيل فورد"، والرئيس التنفيذي لشركة أوبر "دارا خسروشاهي"، وغيرهم من قادة الشركات الغربية البارزة، الامتناع عن حضور منتدى الاستثمار المستقبلي، الذي تم عقده في المملكة في أكتوبر/تشرين الأول، والمعروف أيضا باسم "دافوس في الصحراء".
وفي الشهر الماضي، تحدث وزير الطاقة السعودي "خالد الفالح" مع مستثمرين حول برنامج التنمية الصناعية والنقل والإمداد في إطار "رؤية 2030". وأكد: "لدينا قناعة عميقة بأن أولئك الذين يراهنون على السعودية لن يخسروا". لكن من المؤسف بالنسبة للرياض أن مثل هذه الكلمات من غير المرجح أن تقضي على شكوك المستثمرين الأجانب حول حكمة تحمل المخاطر في الاستثمار في المملكة العربية السعودية.
وفي الوقت الذي تصنف فيه المملكة في الترتيب 92 من أصل 190 دولة وفقا لمؤشر سهولة ممارسة الأعمال للبنك الدولي، الذي ينظر إلى عوامل مثل إنفاذ العقود، ووضوح الأطر القانونية، فإن هناك سحابة قاتمة تغيم على مناخ الاستثمار الأجنبي في المملكة. وقد تسببت اعتقالات فندق "ريتز كارلتون" عام 2017 في جعل المستثمرين الأجانب يتساءلون عما إذا كانت أصولهم في المملكة آمنة من الاستيلاء عليها. بالإضافة إلى ذلك، وفي ظل غياب بيئة قانونية تجارية خاضعة لحكم القانون، يشعر العديد من المستثمرين الأجانب بالقلق من أنهم أيضا قد يجدون أنفسهم في صعوبات مماثلة مع السلطات.
وفي هذا العام، حيث تسعى القيادة السعودية إلى دفع عجلة التنوع الاقتصادي في البلاد وفق "رؤية 2030"، سيكون من الضروري للمسؤولين في الرياض معالجة المشاكل التي أدت إلى فقدان الثقة لدى بعض المستثمرين الأجانب في المملكة كوجهة للعمل، بينما يشاهدون البلد كمكان غير مثالي للاستثمارات الكبيرة.
وببساطة، هناك عدم تطابق بين احتياجات المستثمرين الأجانب ومناخ الأعمال الحالي في المملكة. وبدون اتخاذ إجراءات لاستعادة ثقة أكبر بين المستثمرين الأجانب، قد يجد السعوديون أنفسهم في وضع صعب، حيث ستفشل "رؤية 2030" في جذب استثمارات كافية من الخارج إذا انضم مستثمرون غير سعوديين إلى "ساويرس" في ذات النظرة المتشائمة إلى مخاطر الاستثمار في "رؤية 2030".
وقد تؤدي مثل هذه الظروف في يوم من الأيام إلى حدوث انهيار اقتصادي في المملكة، نظرا لأن النموذج الاقتصادي القائم على النفط، الذي أبقى المملكة مستقرة نسبيا لعقود من الزمن لا يمكن تحمله. ورغم حرص ولي العهد السعودي على توجيه أصابع الاتهام باستمرار إلى إيران وقطر والمتمردين الحوثيين، باعتبارهم التهديد الأكبر لمستقبل المملكة، إلا أنه من الحكمة إعادة النظر في أسلوب حكمه الذي شوه صورته بالخارج كمصلح. وقد يكون فشل ولي العهد في القيام بذلك هو نفسه أخطر تهديد لمستقبل المملكة.
المصدر | جورجيو كافييرو - تي آر تي وورلد