تأجيل مُحاكمة سلمان العودة بعد جدل وأنباء تعجيل مُحاكمته وتخوّفات من إعلان إعدامه
هل من علاقة بين إعلان انتهاء تحقيقات “الريتز” وبين فرضيّات تسويات داخليّة تتّبعها القيادة السعوديّة تخدم المملكة في تداعيات مقتل خاشقجي؟
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
فيما بدت خطوةً استباقيّةً من السّلطات السعوديّة التي لم تُؤكّد رسميّاً أو تنفي أنباء “تعجيل” جلسة مُحاكمة لأحد أهم رموز الصحوة الشيخ سلمان العودة، أعلن ابنه الدكتور عبدالله العودة، عن تأجيل مُحاكمته، وللمرّة الثالثة، وأكّد ابنه عبر تغريدةٍ له على حسابه في موقع التدوين المُصغّر “تويتر”، تأجيل السّلطات السعوديّة جلسة والده التي وصفها بالمُحاكمة السريّة، والتي طالب فيها المدّعي العام بالقتل تعزيراً لوالده، وبناء على ما اعتبرها تُهماً فضفاضةً، وبسبب تغريداته في تويتر.
وفيما يُؤكّد ابن الشيخ العودة عبدالله في ذات تغريدته أنه لا توجد أيّ بوادر للحل، أو الإفراج، كانت أنباء تعجيل جلسته قد أثارت الجدل والتكهّنات حولها، وفيما إذا كانت السلطات السعوديّة تنوي إعدام الرجل، وهي التخوّفات التي عبّر عنها محاموه في باريس.
الأعصاب في العربيّة السعوديّة في كل الأحوال ومع تِكرار تأجيل المُحاكمات للمشائخ والنشطاء المُعتقلين، وغيابها وعدالتها، وروح القانون عنها حتّى كما يتحدّث مّعارضون، تكون الأعصاب مَشدودةٌ مثلما ينقل بعض أبناء الداخل السعوديّ توصيفاته للأوضاع هُناك، خاصَّةً في أوساط التيّار الصحويّ، أو ما عُرِف بتيّار التجديد الإسلاميّ، الذين توصفهم أو تُحمّلهم الدولة السعوديّة بقيادتها الشابّة، مسؤوليّة “الاختطاف” لفترة، والعودة اليوم إلى سُعوديّة ما قبل العام 1972، بما بات يُعرَف باسم عصر الترفيه والانفتاح، أمّا تيار الليبرالية فهم في مأمنٍ أكثر على حد تعريف بعض النخب هُناك، عدا النسويات منهم، والمُنتقدين للنظام بعُنفٍ، وإفراط.
التيّار الإسلامي تعدّى مرحلة الاستياء هُناك والغضب من فعاليات تُغضب تعاليمه الصّارمة التي فرضها على البِلاد والعِباد، في مملكة كان له فيها الأمر والنهي عن المعروف والمُنكر وما عُرف باسم (هيئة الأمر…)، بل ينتقل إلى مرحلة الخوف على أرواح رموزه، لا بل إنّ المغنيّة الأمريكيّة كاريا ماري تُغنّي حتى ساعات الصّباح الأولى على مُقربة من العاصمة المُقدّسة، ولا صوت يعلو فوق صوت الترفيه، إنّها الرؤية التي تقوم إحدى بنودها، على دعم الخزينة السعوديّة من المشاريع الترفيهيّة، وحُضور كاري التي ارتدت فُستاناً مُحتشماً حسب أدبياتها، واحدة من تلك المشاريع، بل إنّ غير السعوديين الأجانب، لهم في شهر إبريل المُقبل زيارة المملكة بتأشيرةٍ سياحيّة، والتجوّل في أماكنها السياحيّة المُفترضة.
حديث خوف التيّار الإسلامي هذا، نابعٌ من تواصل الأنباء حسب مُعارضين عن تدهور صحّة المشائخ، وآخرهم الشيخ عبد العزيز الطريفي الذي رفض “تحليل” الانفتاح، كما فعل غيره مما تبقّى من مشائخ يصفهم نشطاء بمشائخ السلطان، بل إن الشيخ عبد العزيز الكلباني إمام الحرم السابق، كان حاضِراً في مؤتمر الترفيه، الذي تحدّث فيه تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه، عن استراتجيته الترفيهيّة المُقبِلة، وهو الحُضور أي حُضور الكلباني، الذي اعتبره مراقبون بمثابة مُباركة دينيّة من الأخير.
الجدل حول نوايا السعوديّة تُجاه الشيخ العودة، كان قد تجدّد اليوم بعد نقل وكالات أنباء غير سعوديّة الأحد، نقلتها عنها وسائل إعلام عربيّة، تتحدّث حول تحديد موعد جلسة مُفاجئة للنّظر في مُحاكمة الشيخ سلمان العودة، وهي الجلسة التي أعلن عنها محاموه فرنسوا زيمراي، ومارك بونان، وجيسيكا فينيل من باريس، لكن المملكة لم يصدر عنها تعليق رسمي توضيحي، ولم تنف أو تؤكد الجلسة المُفاجئة تلك، كما تحدّث ابنه عن تأجيلها للمرّة الثالثة.
وكان محامو العودة وقبل إعلان ابنه عن تأجيل جلسته، قد عبّروا عن خشيتهم من صدور حكم بالإعدام بحقّه، وإشارتهم إلى عدم علمهم بحقيقة السبب وراء هذه الدعوة، فقد تكون جلسة نطق حكم بالإعدام، أو قد تكون جلسةً عاديّة، وتمنع السلطات السعوديّة المُحامين السعوديين التواصل مع الخارج، لذلك يصعب على مُحاميه تبيان حقيقة الأمر الحاصل وراء نوايا الجلسة المُفترضَة.
في الدّاخل السعوديّ، لا يستبعد روّاد عمل صحافي، وسياسي، ومع كثرة التأجيلات لمُحاكمة العودة، أن يصدر حكم الإعدام بحق الشيخ سلمان العودة بشكلٍ مُفاجئٍ للعالم، والمُعتقل على خلفيّة تغريدة له على حسابه في “تويتر”، كان قد دعا فيها إلى “تأليف القُلوب”، بين المُتخاصمين في الأزمة الخليجيّة بلاده، الإمارات، البحرين من جهة، وقطر من جهة، وهي التغريدة التي نشرها على خلفيّة تقارير مُصالحة مُرتقبة بين دول المُقاطعين، والمُقاطَعة.
ولا يستبعد أصحاب فرضيّة تنفيذ حُكم الإعدام المُفاجئ بحق العودة، على خلفيّة تزايد العداء بين السعوديّة، والإمارات بطابعه الرياضي، وكأس آسيا التي فازت به قطر كان شاهداً على عُمق الخِلاف، فقطر تستغل ذراعها الإعلامي “الجزيرة” للسخرية والتباهي بفوزها بالبطولة، والسعوديّة ومن خلفها الإمارات تطعن بفوز قطر، بالتشكيك بأصل اللاعبين، وإذا كانت الروح الرياضيّة بحسب أصحاب الفرضيّة المذكورة سقطت، فلا شيء مُستبعد في السياسة، خاصّةً أن الشيخ العودة محسوب على رموز حركة الإخوان المسلمين، الأكثر قُرباً من تركيا، وقطر، الخصمين اللدودين لبلاده، وتحديداً بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
المُتفائلون بسياسات الأمير محمد بن سلمان، وقد استمعت “رأي اليوم” لواحد منهم يشغل منصب مدير التحرير في صحيفة إلكترونيّة يوميّة، يقول أنّ جلسة مُحاكمة الشيخ العودة بغض النظر عن توقيتها العاجل أو المُؤجّل وكثرة الشائعات حول نتيجتها، قد تكون في مصلحته على عكس ما يعتقد الكثيرون، فقد يصدر بحقّه حُكماً مُخفّفاً، ويبدأ بتنفيذه سجناً حتى الخُروج، وهو المُتّهم بالإرهاب، وبالتالي هذا دليل على تسامح السعوديّة حتى مع الموصومين بتُهم الإرهاب على حد قوله.
روّاد صالونات سياسيّة، لم يستبعدوا لكاتب هذه السطور، صحّة فرضيات المُتفائلين، بل وصفوها بفرط تفاؤل، بل اعتبروها قراراً حكيماً في حال وصل الأمر إلى الإفراج النهائي عن الشيخ سلمان العودة، والحُكم بالبراءة، وهو حُكم يخدم القيادة السعوديّة، في ظِل تجمهر العالم حول جريمتها التي اعترفت بارتكابها بحق الصحافي خاشقجي في تركيا، وهو العالم الذي يرغب بالانتقام من المسؤول الرئيسي عن الجريمة، فليس أفضل من إنهاء ذلك الفصل الداخلي بأحكام البراءة.
تتقاطع تلك الفرضيّة أي فرضيّة التسامح مع العودة وأمثاله لاحقاً، والإفراج عن جميع المُعتقلين على اختلاف تهمهم، وتوجّهاتهم، مع إعلان السعوديّة بشكلٍ مُفاجئٍ أيضاً عن انتهاء التحقيقات مع مُحتجزي الفندق الشهير “الريتز كارلتون”، واستعادتها 400 مليار ريال، كما إعلانها “التسوية” مع 87 مُتّهماً بالفساد كانت قد استدعتهم للتحقيق، و8 منهم رفضوا التسوية، وتمّت إحالتهم للنيابة العامّة، وعليه تكون السلطات قد أطلقت سراح كُل المُحتجزين من الأُمراء، والوزراء، ورجال الأعمال الذين تمّت تسوية أوضاعهم، عدا من ثبت عليه قضايا جنائية، وفق إعلان نهاية قضيّة “الريتز” الرسمي.
في شَرحٍ أكثر، يقول مراقبون أنّ الأمير محمد بن سلمان، يخطو باتجاه إغلاق الملفّات الداخليّة العالقة التي كان قد فتحها تِباعاً منذ تولّيه منصب ولي ولي العهد، وهو اليوم كما يظهر يُريد إغلاقها تباعاً، فها هو يُنهي ملف “الريتز″، ويُفرج عن المُعتقلين تِباعاً، والعودة وأمثاله ربّما ليس استثناء في القادم من الأيّام حسب المُتفائلين بالأمير الشاب، مع الإشارة إلى انتظار السوق السعودي قرارات تُحرّك الركود الذي أصاب الأسواق، وليبقى السؤال الأبرز بين كُل تلك التحليلات، هل من تسوية (غير ماليّة) بالمُؤكّد تنتظر العودة وأمثاله على طريقة “الريتز″، أم أنّ إعدام العودة هو نهاية الطريق لمسلسل “الصحوة” الذي شاهده العباد لمدّة ثلاثين عاماً، يتساءل مراقبون.