الوزير آل الشيخ يَصِف سورية بالدَّولةِ القَويّة ويُذكِّر السعوديّين بحال الشَّعب السوريّ
“الفقير الذَّليل” بعد “ثورته” على حاكمه فهل من تظاهرات شعبيّة تخشاها حُكومته؟.. المُعارضون السوريّون غاضِبون ويَستَحضِرون مُفارقة الدَّعم السعوديّ لإسقاطه وشرط ابتعاده عن إيران لا يعني شيئاً.. كيف يخدم “التطبيع” مع نظام الأسد مصلحة القيادة السعوديّة؟
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
بعد أن كان الدُّعاء على الرئيس السوري بشار الأسد في مساجد العربيّة السعوديّة، أمْراً واجِباً ومستَحبّاً، بل دعماً إلهيّاً من قبل “الملائكة” بحسب توصيف الشيخ “المُختفي” محمد العريفي، وهو النجم الأوّل الذي تصدّر الدعاء على الرئيس الأسد، بل إدارته حملات لجمع الأموال، والدعوة إلى الجهاد ضِد النظام السوري، أو الدولة السوريّة حسب توصيفها الرسميّ، أصبحت مُعارضته ذنباً لا يُغتَفر، بل وتُهمَةً تحتاج العُقوبة.
السُّوريون وفي “الحواري” وأزقّة الشوارع، وأماكن تجمّعاتهم كانوا يتباهون برفع علم المُعارضة السوريّة أو علم الثورة بألوانه الشهيرة وهو شعار ما عُرِف باسم الجيش الحُر، وكانت “رأي اليوم” قد أشارت في تقرير سابق لها منذ عدّة أشهر وبحسب شهادات مُواطنين سوريين، أن رفع العلم المُعارض بات اليوم بمثابة تُهمة قد تجلب لصاحبها العُقوبة بالسَّجن، أو الترحيل، بل إنّ رموز المُعارَضة السوريّة المُقيمة في الرياض بدأت بالرحيل تِباعاً عنها، وسعودية بن سلمان، ليست كسعودية عبدالله الراحل التي دعمت ثورتنا، يقول أحد السوريين المُعارضين للرئيس السوري.
الأمر لا يقتصر على “مُلاحقة” المُعارضين للأسد على الأراضي السعوديّة، بل بدا الأمر ظاهِراً على لِسان وزير الشؤون الإسلاميّة والدعوة والإرشاد السعودي عبد اللطيف آل الشيخ، والذي هاجم الثورات، بل وهاجم الشعب السوري الذي اعتبره مسؤولاً عن الدمار والخراب الذي حلَّ ببلده، ووصف الربيع بالسَّام والمُهلك للإنسان العربي والمُسلم، بل ووصف سورية بالدولة القويّة الذي أصبح شعبها أي يقصد بعد الثورات، فقيراً، مُعدماً، ذليلاً، يجوب جميع بلاد العالم، لأنه سمح لتجّار ودعاة الفتن أن يُحرّكوا الشارع، وحصل منهم ما حصل، وأصبحت يُضيف آل الشيخ سورية كما ترون.
كلمة آل الشيخ، والتي جاءت خلال ندوة حملت عُنوان: “واجب المكاتب التعاونيّة في تحقيق رؤية المملكة 2030، وتحصين المجتمع من أفكار الجماعات الإرهابيّة”، أثارت غضب المُعارضين السوريين، واستغرابهم من حديث الوزير، فبلاده كانت على رأس الدول الداعمة لإسقاطهم النظام في سورية، بل كان لافتاً إشارته فقط إلى سلبيات الدولة السوريّة بجملة وحيدة يتيمة اختزلها بأن كان فيها ما كان فيها، وهي السلبيات التي كانت تستدعي بحسب وزير الخارجيّة عادل الجبير السابق، رحيلاً للرئيس السوري بالسلم أو الحرب، وهو المسؤول (الأسد) بحسب الأدبيّات السعوديّة عن مقتل وتشريد قرابة المليون سوري خلال الأزمة.
العربيّة السعوديّة حتى كتابة هذه السطور، لا تزال تنفي نيّتها إعادة فتح السفارة السعوديّة في دِمشق، وتُرفِق ذلك النفي باشتراطات “الابتعاد” السوري عن حليفه الإيراني لإعادة فتح السفارة، وهي “اشتراطات” يصفها روّاد صالونات في الداخل السعودي، بالاشتراطات المُستحيلة لقُوّة العُلاقة بين الحليفين السوري، والإيراني، والتضحيات الجِسام التي قدّمها الأخير على الأرض السوريّة، ودوره في عدم سقوط نظام الأسد.
نظريّة الداخل السعودي في تحليل رغبة عودة القيادة الحاليّة والعهد الجديد إلى “التَّطبيع” مع القيادة السوريّة، تأتي في ظِل تخوّفات من ولاية العهد على المُستوى البعيد من اشتعال شرارة اعتراض شعبيّة، تتحوّل مع الوقت إلى تظاهرات عارمة، عُنوانها الاعتراض على الحالة الاقتصاديّة، والجوع، والفقر، وحالة الركود التي يُعاني منها الاقتصاد السعودي، والأسواق المُغلقة وشِبه الفارغة، بعد تطبيق خطّة الرؤية 2030، دلالة واضحة على تلك التخوّفات المُستقبليّة.
خُبَراء اقتِصاديّون محليّون، يرون أنه لا يزال بإمكان “صاحب الرؤية” العمل على تحسين الوضع الاقتصادي، لتفادي حُدوث نقمة شعبيّة خلال السنوات القادِمة، ومنها إعادة التفكير في فرض الضريبة الانتقائية، وحل مشكلة ارتفاع نسب البطالة، وحتى مُواصلة تثبيت أسعار النفط أو خفضها على عكس الإرادة الأمريكيّة، وقرارات السعودة، وإشارة وزير التجارة السعودي إلى إعادة النظر بالرسوم المفروضة على إقامة الوافدين على الأراضي السعوديّة، والتي يُتوقّع خفضها أو إلغائها نهاية الشهر الجاري خطوة في المسار الصحيح الذي يخدم عودة عمل القطاعات المُتوقّفة والمُحرّكة للأسواق، والتي تضرّرت بفِعل السعودة، ورسوم الوافدين، وهي القِطاعات التي تُديرها غالبيّة الطبقة الوسطى الأكثر تَضرُّراً في الوقت الحالي.
تصريحات وزير الشؤون الإسلاميّة آل الشيخ وهو وزير مُمثَّل عن حُكومة بلاده، ووصفه للثورات بالسم والهلاك للإنسان العربي والمُسلم، وطرحه المِثال السوري، تتقاطع بلا شك وفق رأي الكثير من المُراقبين مع معزوفة التصالح السعوديّة مع نظام الرئيس الأسد، ونغمة التعايش الدارجة معه، والتَّدريج تِباعاً لعلاقات “تطبيعيّة” معه، وفتح السفارة السعوديّة في دمشق الذي سيأتي أخيراً، لكن هذه التَّصريحات وفق تحليل الداخل السعودي، تخدم بالأكثر مصالح النظام السعودي، وقيادته الحاليّة، فالأخيرة حريصة على أمن وأمان جبهتها الداخليّة، فماذا يعني أن يُذكّر الوزير آل الشيخ، السعوديين بحال الشعب السوري، الذي أصبح، مُشرّداً، فقيراً، مُعدماً، وذليلاً، وهذا كله بالطّبع لأنه خرج على حاكمه، أو “ولاة أمره”، وهو خروجٌ بحسبه لا يجلب إلا الدّمار والخراب.
يشرح بالأكثر ضابط في الاستخبارات السعوديّة (م.ع)، وخبير في العلاقات الدوليّة، وجهة نظر بلاده من الوضع السوري بالقول أنها لا تنظر إلى بقاء نظام الأسد من زاوية النصر والانتصار على محور الاعتدال وأمريكا وللمُفارقة أنها عهدها القديم كان يقوده لإسقاطه، بقدر ما تنظر إليه كخبير في “سحق” الثورات، وشريك مُفيد في حال الاحتياج إليه في هكذا ظُروف، مُقابِل خدمات إعادة الإعمار، وقائمة طويلة عُنوانها الخدمات الماليّة.
وتبدو جبهة العربيّة السعوديّة الخارجيّة وفق المُراقبين، غير مُحصَّنة أيضاً، فملف مُقاطعة قطر لا يزال على حاله بل يزداد سوءاً في مدى الحرب الإعلاميّة بين البلدين، حرب اليمن وما تسجّله حركة الحوثي من اختراقات أراضي الحد الجنوبي، وما تحقّقه طائراتها المُسيّرة من أهداف مُعلنة، وأُخرى مخفيّة، هذا عدا عن ملف اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في تركيا، وما يُمكن للأخيرة من استغلاله في خدمة مصالحها في الحرب الإعلاميّة، والسِّياسيّة ضِد المملكة التي تقود هي الأُخرى حرباً تحريضيّة ضِد السياحة في تركيا، ومسلسلاتها، وأفلامها، وتشن حملات تطال من شخص الرئيس رجب طيب أردوغان، وتشويه صورته، إلى جانب حليفه القطري، فأيّ الجبهات الداخليّة أم الخارجيّة ستكون أكثر خطورة على القيادة الحاليّة، يتساءل مراقبون.