هل يستطيع ترامب الاعتماد على السعودية بإعادة إعمار سوريا؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
ترتكز رؤية الرئيس "ترامب" لإعادة الإعمار في سوريا، إلى حد كبير، على دفع المملكة العربية السعودية ثمن العملية باهظة التكلفة، وقد قام بالتغريد، في ديسمبر/كانون الأول، بأن المملكة وافقت على إنفاق الأموال اللازمة للمساعدة في إعادة إعمار البلاد.
وفي مقاربته المميزة للعلاقات الدولية، يبدو أن "ترامب" يخبر القيادة في الرياض أنه في مقابل دفاعه القوي عن ولي العهد "محمد بن سلمان" طوال قضية مقتل "جمال خاشقجي"، فإن البيت الأبيض يرغب في استثمار المملكة بكثافة في إعادة إعمار سوريا.
ومع الأسلوب "الترامبي" النموذجي، أثارت التغريدة العديد من الأسئلة.
على سبيل المثال، في أغسطس/آب، كان السعوديون قد تعهدوا بـ 100 مليون دولار في جهود إعادة إعمار سوريا، وكان من غير الواضح في البداية، على الأقل، ما إذا كان "ترامب" يشير إلى هذه الدفعة، أو أنه يتوقع مبلغا أكبر بكثير في المستقبل.
لكن دبلوماسيين سعوديين في واشنطن أوضحوا أن الولايات المتحدة والسعودية لم يصلا إلى أي اتفاق حول إعادة الإعمار في سوريا بعد التعهد الذي قطعته المملكة في أغسطس/آب، على الرغم من أن "ترامب" قد أشار بقوة إلى خلاف ذلك.
ومن المشروع التساؤل عن سبب التزام المملكة بتمويل إعادة الإعمار في سوريا بنفسها، فبعد كل شيء، تعد الحرب المستعرة في اليمن، وليس الأزمة في سوريا، هي الأولوية الأولى والمسؤولية الأكبر على عاتق المملكة في هذه المرحلة.
وفي الوقت نفسه، قدمت الرياض التزامات مالية كبيرة لبلدان عربية أخرى، بما في ذلك البحرين ومصر والأردن، والتي تواجه تحديات اقتصادية كبيرة، وتعتمد بشكل كبير على البترودولارات السعودية للحصول على المساعدة.
وهكذا، على الرغم من أن الأموال التي قد تقدمها الرياض لسوريا يمكن قد تكون مفيدة ومرحب بها للغاية، إلا أنها لن تقترب، واقعيا، من الحد الكافي لإعادة إعمار سوريا بالكامل.
ولا يمكن للمملكة، لا سيما بالنظر إلى السعر المنخفض للنفط والمستنقع المكلف في اليمن، تحمل حتى جزء كبير من المبلغ الذي تقدره الأمم المتحدة.
ومما لا شك فيه، أن هذا التمويل يجب أن يأتي من مجموعة متنوعة من البلدان والمنظمات متعددة الجنسيات في جميع أنحاء العالم.
ثم هناك قضية القيادة السعودية، التي ستضطر للعمل مع نظام "الأسد" في أي جهد لإعادة الإعمار.
ويبدو أن قرار الإمارات العربية المتحدة، الذي أعلنته في 27 ديسمبر/كانون الأول، بإعادة فتح سفارتها في دمشق، قد يكون محاولة من جانب أبوظبي للمساعدة في تمهيد الطريق للتقارب بين نظام "الأسد" والرياض.
ويمكن قول الشيء نفسه عن البحرين، التي أعلنت عن خططها لإعادة فتح بعثة المنامة الدبلوماسية في دمشق، بعد ساعات فقط من إعلان أبوظبي، والتي سبق لها أن أشارت إلى دعم السياسة الخارجية الروسية في خضم الأزمة السورية.
وبالنظر إلى مدى دعم القيادة السعودية للثورة السورية بشكل نشط ومفتوح، فإن مثل هذه الخطوة الدبلوماسية تشكل نقطة تحول في إعادة دمج النظام السوري في الحظيرة الدبلوماسية للعالم العربي.
وفي نهاية المطاف، قد يكون من مصلحة السعودية الحفاظ على النفوذ في سوريا، عن طريق إعادة الإعمار، وهو ما قد يدفع الرياض إلى قبول شرعية حكومة "الأسد"، وإعادة تشكيل علاقاتها مع دمشق.
وإذا كان المصدر الرئيسي لنفوذ المملكة في سوريا، في مرحلة ما بعد الصراع، هو قدرتها على تمويل مشاريع إعادة الإعمار على نطاق واسع، فربما تستخدم الرياض هذا النفوذ في جهد أكبر يهدف إلى تقريب نظام "الأسد" من الممالك السنية الغنية بالنفط في الخليج، إضافة إلى الأردن ومصر، في مقابل موافقة الحكومة السورية على الحد من النفوذ الإيراني في البلاد.
لكن إخراج طهران من سوريا سيكون أكثر مما ينبغي على الرياض أن تأمله، بالنظر إلى المدى الذي توغل إليه النفوذ الإيراني في سوريا.
ويدين "الأسد" ببساطة لإيران بالكثير في بقاء نظامه منذ اندلاع الأزمة عام 2011. ومع تواجد وكلاء طهران والجيش الإيراني في البنية الأمنية السورية، من الصعب تخيل أن يكون الرئيس السوري في وضع يمكّنه من طرد الإيرانيين من بلده.
ومن المزايا التي تتمتع بها طهران أيضا أنها لم تمتثل أبدا للعقوبات الدولية ضد النظام السوري، لذا فمن المنطقي أن نتوقع من الشركات العامة والخاصة في إيران الاستفادة من فرص العقود المربحة في عملية إعادة الإعمار في وقت مبكر.
ويأتي استغلال الثروات من الموارد الطبيعية في شمال شرق سوريا، حيث قد يحدث فراغ في السلطة ناجما عن انسحاب الجيش الأمريكي، في قمة جدول أعمال إيران طويل الأمد في سوريا.
وسوف توفر التضحيات الكبرى التي تحملتها طهران، والاستثمار الكبير من الموارد التي قدمتها إلى سوريا منذ عام 2011، حافزا إضافيا لإيران لمواصلة إعطاء الأولوية لسوريا في مرحلة ما بعد الصراع، مع التركيز على الحوافز الجغرافية المحتملة والمضمونة.
وفي 30 ديسمبر/كانون الأول، التقى وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري، "محمد سامر الخليل"، بمسؤولين إيرانيين في طهران، ووقع على اتفاقية ثنائية تدعو إلى "تعاون شامل على الصعيدين المالي والمصرفي"، يساهم في تسهيل التجارة السورية الإيرانية، والاستثمار المتبادل، و"تحسين التعاون في المجال الاقتصادي".
وقد صرح وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني، "محمد إسلاني"، بأن هذا الاتفاق يمثل مجرد بداية للتعاون الثنائي "الواسع" وطويل الأجل.
وبالنظر إلى المستقبل، يرى "ترامب" أن روسيا وسوريا وتركيا وإيران يجب أن يتحملوا عبء محاربة بقايا "تنظيم الدولة"، وغيرها من الجماعات المتطرفة التي لا تزال نشطة في سوريا أو قد تعيد إحياء نفسها بسهولة في المستقبل. ومع ذلك، ونظرا للمسائل والمعضلات الجيوبوليتيكية غير المحلولة التي تحيط بمستقبل سوريا، والنفوذ الإيراني المستمر في البلاد، والقيود المالية الخاصة بالسعودية، يعد افتراض "ترامب" فيما يتعلق بتمويل الرياض لإعادة إعمار سوريا في غير محله تماما.
لكن الأكثر فائدة لمصالح الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مصالح جميع البلدان التي تأثرت بالأزمة السورية، هو أن يعمل الرئيس الأمريكي مع عدد كبير من حلفاء واشنطن، مثل المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى الغنية، وكذلك الأعداء والمنافسين، مثل إيران وروسيا، للمضي قدما في خطة واقعية لتمويل إعادة الإعمار.
ولا يمكن وضع هذا العبء بالكامل على أكتاف السعودية ويجب أن يتوقف "ترامب" عن التظاهر بخلاف ذلك. ومن الواضح أنه، بالنظر إلى المهمة الحالية، يلزم أن يكون هناك عدد كبير من المانحين، بما في ذلك المصارف الإنمائية متعددة الأطراف، كجزء من عملية إعادة الإعمار.
وبما أن العنف لا يزال حاضرا في سوريا، فإنه يجب على كل هذه الدول والمؤسسات متعددة الجنسيات أن تبدأ حوارا مثمرا حول أفضل الطرق للتعامل مع هذا التحدي.
وبمجرد انتهاء الصراع، لن يكون لدى سوريا رفاهية انتظار الأعوام الحتمية اللازمة لترتيب التمويل.
وبالتأكيد فإن الشعب السوري يستحق أفضل من ذلك، ويستحقون ذلك عاجلا وليس آجلا.
المصدر | جورجيو كافييرو - إنسايد أرابيا