الحرب المفتوحة في واشنطن وسقوط ابن سلمان بات محسوماً… لكن كيف؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1941
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

#رضا_حرب

 مع تقدّم التحقيقات التركية وكشف الصحافة التركية وصحيفة «واشنطن بوست» وقناة «سي ان ان» المزيد من المعلومات حول إعدام الكاتب جمال خاشقجي، وتفاعل العالم مع القضية بدأ الخوف والقلق يجتاحان البيت الأبيض والرياض، وكأن محمد بن سلمان في سباق مع التحقيق، يجب ان يقدّم رواية مقبولة للرأي العام العالمي الغاضب، حكومات وإعلام وشعوب، وقد تحوّلت قضية خاشقجي الى قضية رأي عام.

نظرية ترامب عن عناصر غير منضبطة كانت «كلمة السر» التي انتظرها ابن سلمان من حليفه على أحرّ من الجمر، فقد تراءى له أنها تشكل المخرج له وللمملكة من الورطة. عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي كريس مورفي وصفها بالنظرية السخيفة، وأضاف بأنّ السعوديين سيتبنّونها، «بعد سماعهم عن وجود نظرية «القتلة المارقون» السخيفة، سيسير السعوديون فيها». بالفعل، تلقفها ابن سلمان وبنى عليها رواية براءته المزيفة. فلا غرابة انّ الرئيس الأميركي كان أول من أعطى الرواية مصداقية لأنه في الأساس صاحبها، لكنها أسخف من أن يصدّقها أحد لأنها مليئة بالثغرات: المسؤول عن حماية ابن سلمان أشرف على عملية القتل، فضلاً عن 11 رسالة أرسلها له ابن سلمان والرسالة التي وصلت منه لسكرتير ابن سلمان او القحطاني تقول «بلغ الرئيس انّ المهمة أُنجزت»، والمرافق الشخصي لابن سلمان ماهر مطرب كان ضمن «فريق القتل». أضف إلى ذلك انّ كلّ أفراد فريق القتل من الحلقة الضيّقة لإبن سلمان.

تقول الرواية انّ الفريق الأمني كان يحقق مع خاشقجي ويحاول إقناعه بالعودة الى الرياض عندما وقع شجار وقُتل بالخطأ. الرواية أسخف من ان يصدّقها عاقل او شبه عاقل. التسجيلات الصوتية تؤكد انّ الفريق الأمني هاجم المغدور به لحظة دخوله مكتب القنصل وكان صراخ خاشقجي مرعب ما يشير الى تعرّضه لتعذيب وحشي وعلى الأرجح تقطيع أصابعه ويديه قبل قتله وتذويبه لأنه تجرأ على الكتابة ضدّ ابن سلمان. كذبة القتل الخطأ لا تصمد أمام الحقائق التي كشفها التحقيق لحدّ الآن والقادم أعظم.

يومياً وبوقاحة تفوق وقاحة وزير خارجية المملكة، كان ترامب يشكك بأيّ رواية غير الرواية السعودية، ورغم انّ تقييم المخابرات المركزية بأنّ محمد بن سلمان صاحب القرار بقتل خاشقجي، لا زال ترامب يصرّ على حماية ابن سلمان وفق القاعدة التي بنى عليها استراتيجية الأمن القومي «أميركا أولاً»: «اقتلوا من تشاؤون وكيفما تشاؤون، طالما تدفعون، سنحميكم»، وللأسباب المعروفة التي قال عنها عضو مجلس الشيوخ الأميركي والعضو في لجنة العلاقات الخارجية كريس مورفي «ترامب وكيل علاقات عامة لدى السعوديين»، والسيناتورة اليزابث وارن كانت أشدّ قسوة على ترامب عندما وصفته ببوق من أبواق السعودية، وتساءلت عن الأموال التي قبضها من السعوديين لإنقاذ مشاريعه التجارية حتى صار بوقاً للسعودية. السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام المعروف بتأييده لترامب وللعلاقة مع المملكة الوهابية عبّر عن عدم ارتياحه لمواقف ترامب، ووصف ابن سلمان بالشخصية السامة ويجب ان يُعزل، ثم عاد ووصفه بأنه شخصية «غير مقيّدة فلتان Unhinged ، وبعد الاستماع لشهادة مديرة «سي أي آي» قال انّ ابن سلمان «مجنون».

لم يخطر ببال «القاتل» انّ العالم الصامت على جرائم المملكة الوهابية في اليمن سينتفض ويقول «كفى». راهن ابن سلمان على علاقته الشخصية بترامب وكوشنر وإدمانهما على المال السعودي، وراهن أيضاً على طبيعة علاقاته السرية بـ «إسرائيل» وأهمية وجوده لأمنها. ورهانه الأكبر كان على عقد صفقة مربحة مع الولايات المتحدة وتركيا يضيع دم خاشقجي بين المماطلة والتسويف ودفع الدية لأهله، ورهانه الأخير يقوم على إشغال العالم من خلال صناعة حدث أكبر يمكن ان تكون الساحة اللبنانية مسرحاً للحدث.

الحرب المفتوحة في واشنطن بدأت. هناك حالة من الغضب الشديد تجتاح الحزب الديمقراطي وحالة غضب شديد لدى عدد من الجمهوريين الذين يعترضون على سلوك ترامب ويرونه مسيئاً للقيم الأميركية 63 عضو في مجلس الشيوخ صوّتوا لصالح مشروع وقف التعاون العسكري مع المملكة، مع انّ التصويت السابق أيّده 35 عضو فقط ، ايّ انّ العداء لإبن سلمان في تصاعد ولن يتوقف عند حدّ وقف التعاون العسكري.

المعركة الأولى مع مجلس الشيوخ «Senate» مفتوحة خصوصاً انّ المجلس لن يطلب وقف التعاون العسكري بل وقف بيع الأسلحة للمملكة حتى يحدث التغيير المطلوب. استدعى مديرة المخابرات المركزية جينا هاسبل للإدلاء بشهادتها رغم اعتراض ترامب. تحدّد موعد الجلسة وعُقدت بأسرع مما كان متوقعاً رغم أنف ترامب. بعد الجلسة أعلن رئيس اللجنة الخارجية في المجلس انّ «محمد بن سلمان وراء مقتل خاشقجي»، واتهم السيناتور بلومنتال الرئيس ترامب بمحاولة التغطية على الجريمة.

وفي تطور مفاجئ جاء قبل أيام من موعد جلسة الاستماع لشهادة جينا هاسبل، بالطبع التسريب ليس صدفة، كشفت قناة «سي ان ان» عن مراسلات بين خاشقجي والمعارض السعودي النشط عمر عبد العزيز المقيم في كندا. وفق المراسلات حوالي 400 رسالة ، اتفق الطرفان على إنشاء «جيش الكتروني» لفضح وحشية ابن سلمان، فضلاً عن نشر وثائق تكشف انتهاكات النظام المروعة لحقوق الإنسان ليثبت للعالم وللمتفائلين انّ إصلاحات ابن سلمان ليست سوى أوهام يخفي وراءها طبيعة وحشية، وانّ نظام آل سعود غير قابل للإصلاح الذاتي. كان خاشقجي ينوي إعلان الحرب على النظام وليس على ابن سلمان فقط.

في هذا السياق نطرح ثلاثة أسئلة، هل أخذت الجلسة منحى التحقيق في المعلومات التي كانت لدى المخابرات المركزية؟ وهل كشفت للجنة انّ المخابرات المركزية كانت تملك أدلة على نوايا جمال الخاشقجي وتسجيل صوتي لمحمد بن سلمان يطلب من أخيه خالد إسكات خاشقجي، مما دفع بإبن سلمان إلى سحب أخيه من واشنطن؟ وهل قام كوشنر بإبلاغ ابن سلمان على غرار ما فعل بالقضية المتعلقة بالأمراء المعارضين لتوليه ولاية العرش؟ إذا ثبت انّ المخابرات المركزية كانت لديها الأدلة على استدراجه لقتله ولم تحذره يعني انّ وزير الخارجية بومبيو متورّط لأنه كان يومئذ مديراً للمخابرات المركزية.

المعركة الثانية بين مجلس الممثلين House of Representatives حيث يشكل الديمقراطيون الأكثرية، من جهة وترامب وكوشنر من جهة ثانية، ستبدأ في شهر يناير/ كانون الثاني لكشف حقيقة العلاقة الفاسدة مع ابن سلمان. رئيس لجنة الاستخبارات في المجلس تعهّد بـ «الغوص» عميقاً في التحقيق لكشف فساد الثنائي ترامب وكوشنر. يبدو انّ المجلس لا يسعى الى عزل ترامب بل الى تجريمه وهو أمر غير مستبعد لأيّ من الأسباب كالسبب المتعلق بالتحقيقات التي يجريها المحقق الخاص روبرت موللر او التهرّب من الضرائب او طرد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية لإعاقة العدالة او علاقته المشبوهة بالسعودية.

رغم ظهوره بمظهر الواثق، فإنّ ترامب قلق جداً ومنسوب قلقه يرتفع مع كشف أدلة حول القاتل والدافع واقتراب فتح تحقيق حول علاقته المشبوهة بالمملكة. بغضّ النظر عن سقوط ترامب او عدم سقوطه في هذه، يبدو انّ سقوط ابن سلمان بات أمراً محسوماً في واشنطن، لكن السؤال، هل يسقط الثاني بعملية سياسية سلسة بدون سفك الدماء وهو القائل انّ «الموت» فقط يمنعه عن عرش المملكة؟

فلننتظر عام 2019 المليء بالمفاجآت خصوصاً المفاجأة التركية حول تورّط محمد بن زايد، مهندس انقلاب 2016، في قتل خاشقجي.