بلومبرغ: الأموال تهرب من السعودية حتى قبل أزمة خاشقجي
محمد الجوهري
رغم أن أزمة مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" قد أثارت سخط السياسيين في العالم على ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، وأثرت على مصالح السعودية الاقتصادية، إلا أن هروب رؤوس الأموال خاصة من المملكة بدأت قبل ذلك الأمر بكثير.
ما سبق كان خلاصة تقرير نشرته شبكة "بلومبرغ" الأمريكية، مشيرة إلى أنه منذ أزمة الاعتقالات التي طالت أمراء ورجال أعمال وشخصيات عامة سعودية في فندق "ريتز كارلتون" في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، يحاول عدد متزايد من السعوديين الأثرياء نقل أموالهم من المملكة أو وضع خطط للمغادرة، وفقاً لمقابلات مع أكثر من 10 أشخاص على دراية بهذه المسألة، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، لحساسية القضية.
وأضافت أن السعوديين الذين اختاروا إبقاء أموالهم في المملكة، قرروا عدم توسيع استثماراتهم.
والأسوأ من ذلك، بحسب "بلومبرغ" أن التوتر الذي كان منتشرا بين المستثمرين السعوديين انتقل إلى نظرائهم الأجانب، الذين باتوا يتجنبون إلى حد كبير الاستثمار في رؤية الأمير "محمد بن سلمان".
وقال "مارك موبيوس"، أحد مستثمري الأسواق الناشئة المخضرمين: "الكثير من الناس باتوا يخافون من السعودية".
وقبل حملة اعتقالات "ريتز كارلتون" علقت المملكة صرف مستحقات لمقاولين بعدد من المشروعات، وقبل ذلك قاد ولي العهد السعودي حملة حصار على قطر، المجاورة.
ويقول بعض مؤيدي "بن سلمان"، إن الانخفاض في وتيرة الاستثمار على المدى القصير بعد اعتقالات "الريتز" هو ثمن مقبول يدفعه إصلاح شامل سيساعد على خلق مجتمع أعمال أكثر شفافية.
لكن، وبحسب "بلومبرغ"، فإن الغموض الذي شاب عملية الاعتقالات، وما جرى خلالها من مزاعم تعذيب، وإجبار محتجزين على دفع مليارات الدولارات من ثرواتهم لإطلاق سراحهم، جعل العملية أشبه باضطراب كبير.
وتقول الشبكة إنه نتيجة لذلك، استخدم بعض المستثمرين السعوديين شبكة من الشركات لإخفاء ملكيتهم، وتجنبوا الأماكن ذات العلاقات الوثيقة بالمملكة، وقال بعض الناس إن كثيرين توجهوا إلى سويسرا أو أماكن أخرى في أوروبا لوضع أموالهم، واستثمروا في الصناديق العقارية وصناديق الأسهم الخاصة في أوروبا.
وعلق رجل أعمال سعودي على كل ما يحدث، قائلا: "سيكون من الغباء عدم وضع خطط طوارئ".
وقال المتخصص في الشؤون الخليجية في كلية لندن للاقتصاد "ستيفن هيرتوغ"، إن الأموال كانت تغادر السعودية قبل عملية التطهير المزعومة في ريتز كارلتون، ويرجع ذلك جزئيا إلى تباطؤ الاقتصاد، حيث فرضت السلطات التقشف ردا على انخفاض أسعار النفط، وهبطت رؤوس أموال بسبب "الخوف من لفت الانتباه"، على حد قوله.
وتشير التقديرات إلى أن إجمالي التدفقات إلى الخارج سترتفع بنسبة 13% هذا العام إلى 90 مليار دولار، أي حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بعام 2017، وفقاً لشركة "جي بي مورغان تشيس".
لكن مثل هذه الأرقام الإجمالية، بحسب "بلومبرغ"، تشمل الاستثمارات الأجنبية من قبل مؤسسات الدولة، ولا توجد وسيلة لتحديد مقدار المال السعودي الخاص الذي يحاول الهروب من بلد بدأ بسياسات جديدة عدوانية في الداخل والخارج.
وساعد تراجع الاستثمار من السكان المحليين والأجانب، إضافة إلى فرض الضرائب والرسوم الجديدة على العمالة الوافدة ، في دفع البطالة إلى أعلى مستوياتها في أكثر من عقد من الزمان.
وبعد يوم واحد من اختفاء الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، كان ولي العهد يجري مقابلة مع "بلومبرغ"، قال فيها إن معدل البطالة سيبدأ في الانخفاض العام المقبل، وتنبأ أيضا بحدوث انتعاش في الاستثمار الأجنبي - بدءا من صفقة كبيرة غير نفطية سيعلن عنها في مؤتمر اتحاد الصناعات في وقت لاحق من ذلك الشهر.
ولكن بعد ذلك، بدأ الاحتجاج على اختفاء "خاشقجي" يتزايد، مما دفع المصرفيين والمديرين التنفيذيين إلى الانسحاب وتحويل حدث هذا العام (مؤتمر استثمار بالرياض) إلى حدث متدن.
وقال "موبيوس"، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" في دبي إن السعودية ستجد صعوبة في جذب الأموال الأجنبية، بسبب المخاوف بشأن الطريقة التي تدير بها البلاد.
وأضاف: "إذا كان لدى القيادة حكم مشكوك فيه ، فماذا عن الشركات؟".
ونقلت الشبكة عن أحد المستثمرين الإقليميين، (طلب عدم ذكر اسمه خوفا من تعرض أعماله الحالية للخطر) قوله إنه لا يعتزم القيام بذلك مرة أخرى.
وأضاف: "المملكة العربية السعودية خارج خريطتي الآن".
وتابع: "إذا رأيت الناس يأخذون أموالهم من المملكة العربية السعودية، على الرغم من الفرص المتاحة هناك، فلماذا أحضر نقودي؟".
وبحسب "بلومبرغ"، فإن منطقه بسيط ومقنع بالفعل.
المصدر | الخليج الجديد