الملك سلمان يترك عزلته لحماية نجله من تداعيات أزمة خاشقجي
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
مضى أكثر من شهر على مقتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول، لكن الغضب الدولي حول الجريمة لا يزال مشتعلا.
وقد أدى الكشف عن كون العملية قد نفذت بواسطة فريق أمني ذي صلات وثيقة بولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" إلى زيادة التدقيق في الجوانب الأكثر سوءا في حكمه، وزاد من المخاوف من أن أفعاله ستعرض المصالح الأمريكية في المنطقة للخطر.
وفي حين لم تشر إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى ميلها لقطع العلاقات الشخصية القوية التي أقامتها مع "بن سلمان"، بدأت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين في لجنة العلاقات الخارجية المؤثرة في التساؤل حول ما إذا كان "بن سلمان" شريكا موثوقا في دعم مصالح الولايات المتحدة واستقرار المنطقة، منتقدين بعض السياسات التي دافع عنها "بن سلمان"، خاصة الحرب في اليمن.
وذهب أحد أعضاء مجلس الشيوخ إلى أبعد من ذلك، مشيرا إلى أن العمل كالمعتاد مع المملكة صار مستحيلا طالما بقي "بن سلمان" على رأس السلطة.
ويبدو أن عزيمتهم قد تعززت من خلال التقييم الذي تسرب من وكالة الاستخبارات المركزية، الذي أشار إلى "بن سلمان" باعتباره من أمر بالعملية.
ويتضح المزيد حول موقف الكونغرس عبر موقف الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، "بوب كوركر"، الذي دعا إلى تحديد من المسؤول بمصداقية، طالبا عقد اجتماعات رفيعة المستوى مع وزيري الدفاع والخارجية، ورئيسة وكالة الاستخبارات المركزية.
وهناك نقاد محليون في السعودية كذلك. ويذكر الصحفيون، الذين يعتمدون على مصادر من داخل الأسرة الحاكمة السعودية، أن العائلة المالكة كانت تحاول التوسط لحل الأزمة مع الملك "سلمان بن عبدالعزيز" مباشرة.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن كبار أفراد العائلة المالكة التقوا سرا في الرياض عدة مرات في الأشهر القليلة الماضية، لمناقشة تخفيف سلطات ولي العهد.
وفي هذه الأثناء، أثارت العودة الأخيرة للمملكة من قبل شقيق الملك، الأمير "أحمد بن عبدالعزيز"، تكهنات حول خطط الأسرة الحاكمة لتقييد "بن سلمان"، أو حتى استبداله.
ولكن حتى الآن لم يكن هناك أي مؤشر على إعادة التنظيم داخل الأسرة الحاكمة، وبدلا من ذلك، تشير الأعمال إلى حملة داخل المملكة لحشد الدعم داخل الأسرة الحاكمة وإظهار ثقة الجمهور في ولي العهد.
وكان الملك محور هذه الجهود، حيث اعتمد على الأصول الأكثر تقليدية متمثلة في الهيبة والأبوية، في محاولة واضحة لإنقاذ أهم إنجاز في عهده، وهو توطيد السلطة والحكم المستقبلي في أيدي سليله المباشر.
تحولات المملكة
وكان صعود "بن سلمان" غير تقليدي بالكامل، وقد جاء الملك "سلمان" إلى السلطة في وقت محوري أصبح فيه الانتقال بين الأجيال المالكة وشيكا، وهكذا نشبت المعركة داخل العائلة من أجل السلطة المستقبلية.
وشهدت أعوامه الأولى في الحكم إجراءات للقضاء على الإقطاعيات الملكية، وتهميشا وحشيا للمتنافسين، وتخليا عن بناء الإجماع الذي كان يميز ذات يوم سياسة النخبة السعودية.
وتم استخدام التخويف والترهيب في توطيد السلطة، مع اعتقالات ومضايقات في صفوف عامة الناس والعائلة المالكة على حد سواء.
وشمل هذا اثنين من المنافسين الأقوياء من الجيل الجديد الذي ينتمي له "بن سلمان"، وهما وزير الداخلية وولي العهد السابق الأمير "محمد بن نايف"، والرئيس السابق للحرس الوطني الأمير "متعب بن عبدالله"، وكلاهما ينحدر من آباء أقوياء، وكانا يسيطران على محافظ أمنية مهمة، كما حافظا على دوائر اجتماعية كبيرة في الشبكات الأمنية والقبائل.
ومع ذلك، تم تجريد كليهما من مناصبهما، وتم تقييد حرية حركتيهما.
ولقد خلق هذا التركيز للسلطة في أيدي الملك "سلمان" وابنه شكلا جديدا من أشكال الحكومة، ما أدى إلى استبعاد العديد من أفراد العائلة الحاكمة ونخبة قطاع الأعمال.
وتولى ولي العهد السلطة في جميع نواحي الحكم، مثل الأمن من خلال وزارة الدفاع، والاقتصاد، بما في ذلك قطاع النفط، من خلال مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، كما ركز سلطات الاستخبارات والأمن القومي في يديه.
وقد تم تسليم وزارتي الداخلية والحرس الوطني إلى أفراد صغار الرتبة في العائلة المالكة يدينون بالولاء لـ"بن سلمان"، وهو خروج مدهش عن الأقدمية التي كانت تتبعها عائلة آل سعود في السابق.
وتكرر الأمر في مواقع ملكية أخرى، مثل حكام المحافظات، حيث يحتفظ الأمراء الشباب الآن بالمناصب القيادية، وقد تم تسليم الحقائب الحكومية المهمة الأخرى إلى التكنوقراط، الذين يمكن للأمير طردهم متى شاء.
وقد حدث تحول عميق مماثل في العلاقات مع الجمهور السعودي حيث قام الملك "سلمان" ونجله بتشويه أو القضاء على جميع الركائز التقليدية للدعم والشرعية، مثل المؤسسة الدينية، وقادة الأعمال البارزين، والإقطاعيات الملكية التي كان الأمراء الأقوياء يستثمرون فيها عبر علاقات شخصية مع شعوبهم.
وبدلا من ذلك، يتم زرع الولاء الآن من خلال القومية الصارمة، وهي موجهة بقوة نحو الشباب.
الملك يتشبث بنجله
وأمام هذا التحول، يجب قياس تأثير الضغط الدولي على المملكة، وعلى "محمد بن سلمان" بشكل خاص.
ولا تزال العلاقة مع الولايات المتحدة بالغة الأهمية بالنسبة للمملكة، وتنبئ الانقسامات الحالية داخل الولايات المتحدة بإمكانية تكرار "سيناريو روسيا"، حيث يضغط الكونغرس، المدعوم من بعض أعضاء المخابرات ومؤسسة السياسة الخارجية، من أجل فرض عقوبات وسياسات أكثر صرامة على المملكة، على الرغم من تردد البيت الأبيض.
ومن الممكن أن يتحول موقف "ترامب" تجاه المملكة في النهاية حيث من المرجح أن تجلب سيطرة الحزب الديمقراطي في الكونغرس، والتقدم في تحقيقات "روبرت مولر" الخاصة بالمجلس، تحديات متعددة، وسيحتاج "ترامب" إلى الموازنة بين الأولويات المتغيرة.
ومع تجريد العائلة المالكة القوية من النفوذ الرسمي، تركزت جهود كبح جماح ولي العهد في يد الشخص الوحيد القادر على مواجهته، والده الملك.
ويمكن ملاحظة ذلك في المعايرة السياسية لقضية "خاشقجي" من قبل تركيا، التي سعت بعناية إلى إبعاد الملك عن الإدانة.
ومع ذلك، لا تعكس تصرفات الملك في قضية "خاشقجي"، لا سيما خلال الأسبوعين الماضيين، أي نية لكبح جماح ابنه، وبدلا من ذلك، تشير التقارير حول تحركات العائلة المالكة إلى زيادة الضغط المتزايد على العائلة لفرض موقف عام موحد خلف ولي العهد الشاب.
وتشير تقارير وسائل التواصل الاجتماعي إلى إفراج حديث عن بعض أفراد العائلة المحتجزين سابقا، بمن فيهم الابن المفضل للملك الراحل "فهد"، "عبد العزيز بن فهد"، وشقيق رجل الأعمال الدولي البارز "الوليد بن طلال"، "خالد بن طلال".
كما أقام الملك استقبالا عاما كبيرا لأعضاء مهمين من العائلة الحاكمة، وبعضهم لم تتم مشاهدته علانية منذ الاعتقالات في حملة قمع الفساد في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وأبرزهم الأمير "متعب بن عبدالله"، الرئيس السابق للحرس الوطني.
وقد تم حشد كبار رجال العائلة من فرع "فيصل"، حيث تم إرسال "خالد بن فيصل" مبعوثا إلى تركيا، و"تركي الفيصل" إلى الولايات المتحدة حيث تحدث علانية وفي السر مدافعا عن ولي العهد.
وحتى مع عودة شقيق الملك "سلمان"، "أحمد بن عبدالعزيز"، فإنه لم يقم حتى الآن بتقديم نفسه كمنافس محتمل على العرش.
وترافق الترويج لموقف موحد داخل العائلة المالكة مع العودة إلى أشكال أكثر تقليدية من الشرعية، مثل الفخر الملكي والدعم الديني.
ويشمل هذا جولة ملكية تم تنظيمها على وجه السرعة للمحافظات، وهي الأولى منذ أن تولى الملك "سلمان" العرش في يناير/كانون الثاني 2015. وقد سمحت الزيارات إلى القصيم وحائل و تبوك للملك، برفقة ولي العهد، بالاجتماع مع كبار الشخصيات المحلية، والإعلان عن مشاريع تطوير جديدة لكل منطقة.
وفي الوقت نفسه، شاركت المؤسسة الدينية، التي كانت تتمتع بسلطات تم تقليصها في عهد الملك "سلمان"، في الدفاع عن ولي العهد.
وأدانت خطبة ألقاها إمام المسجد الحرام في مكة المكرمة الانتقادات الدولية للمملكة، وأثنى على "بن سلمان" كمصلح عظيم أرسله الله لإعادة إحياء الإيمان.
وقد لعبت المساجد الرئيسية في مكة المكرمة والمدينة المنورة دورا آخر في قضية "خاشقجي"، وأقامت صلاة الغائب على الصحفي المقتول.
وأتاح خطاب الملك السنوي أمام مجلس الشورى فرصة لطمأنة الجمهور، على الرغم من عدم الإشارة إلى وفاة "خاشقجي".
قومية مفرطة
وفي حين تم استدعاء هذه العروض الأكثر تقليدية للولاء، لم تتراجع أساليب ولي العهد الجديدة للحشد والالتفاف الوطني.
وقد تم إعفاء "سعود القحطاني"، من منصبه الرسمي في الديوان الملكي، وتم إدراجه على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية بسبب دوره في تخطيط وتنفيذ عملية قتل "خاشقجي".
لكن مسؤوليته الجنائية عن وفاة "خاشقجي" كانت محدودة في تقرير المدعي العام السعودي، ولا توجد أي تقارير عن اعتقاله، وقال نائب المدعي العام السعودي إن "القحطاني" لا يزال قيد التحقيق، وممنوع من السفر للخارج.
وتواصل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة السعودية حشد الدعم الشعبي، وتصوير أي نقد على أنه يوفر العون لأعداء المملكة.
وقد تم استهداف أولئك الذين سعوا إلى استغلال تورط "القحطاني" في قضية "خاشقجي" للرد على تجاوزاته الكارثية في حملاته الإعلامية الوطنية المتطرفة.
وعندما تم نشر مقال رأي بقلم الكاتب السعودي "زياد الدريس" يأسف فيه للابتذال الذي يمارسه "الذباب الإلكتروني"، دفاعا عن الشرف الوطني، فقد تم سحب المقال من موقع صحيفة الحياة على الإنترنت في غضون 20 دقيقة من نشره.
وفي الوقت نفسه، كان "بن سلمان" حاضرا جدا في وسائل الإعلام العامة، وزار مؤخرا الجنود المصابين في حرب اليمن، كدلالة على أنه لا يزال يهيمن على المشهد، وأن الأمور تسير في المملكة كالمعتاد برغم كل شيء.
المصدر | كارين يونغ| معهد دول الخليج العربية في واشنطن