عشرات الأمراء السعوديين يسعون لمنع وصول بن سلمان للعرش
إسلام الراجحي
أفادت 3 مصادر على صلة وثيقة بالديوان الملكي في السعودية بأن بعض أفراد أسرة آل سعود الحاكمة بدؤوا نقاشا هدفه الحيلولة دون ارتقاء ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" إلى عرش المملكة، إلا أنها أوضحت أن هؤلاء الأمراء لا يريدون التحرك في حياة الملك "سلمان بن عبدالعزيز" لأنهم يدركون أنه من المستبعد أن ينقلب الملك على ابنه المفضل.
وقالت المصادر إن عشرات الأمراء وأبناء العمومة من الفروع ذات النفوذ في أسرة آل سعود يتناقشون مع أفراد آخرين من الأسرة الحاكمة في إمكانية أن يتولى الأمير "أحمد بن عبدالعزيز" (76 عاما) الشقيق الأصغر للملك "سلمان" (82 عاما) وعم ولي العهد العرش بعد وفاة الملك.
وقال أحد المصادر السعودية إن الأمير "أحمد" شقيق الملك "سلمان" الوحيد الباقي من السديريين السبعة على قيد الحياة سيحظى بتأييد أعضاء الأسرة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية.
وذكرت مصادر سعودية على اطلاع مباشر على المشاورات أن مسؤولين أمريكيين كبار أشاروا لمستشارين سعوديين في الأسابيع الأخيرة إلى أنهم سيؤيدون الأمير "أحمد الذي" شغل منصب نائب وزير الداخلية قرابة 40 عاما.
وقالت تلك المصادر إنها على ثقة أن الأمير "أحمد" لن يغير أو يلغي أيا من الإصلاحات الاجتماعية أو الاقتصادية التي نفذها الأمير "محمد" وإنه سيحترم تعاقدات السلاح القائمة وسيعيد وحدة الصف لأسرة آل سعود.
وصرح مسؤول أمريكي كبير بأن البيت الأبيض لا يتعجل النأي بنفسه عن ولي العهد رغم ضغوط أعضاء الكونغرس وتقييم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن الأمير "محمد" هو الذي أصدر الأمر بقتل الصحفي السعودي البارز "جمال خاشقجي"، غير أن هذا الوضع قد يتغير ما إن يتلقى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تقريرا قاطعا عن الجريمة من أجهزة المخابرات.
وأضاف المسؤول أن البيت الأبيض يرى أن من الجدير بالملاحظة أن الملك "سلمان" أيد ابنه في خطاب ألقاه في الرياض، الإثنين، ولم يشر بشكل مباشر لمقتل "خاشقجي" باستثناء إشادته بالنائب العام السعودي.
وقالت المصادر السعودية إن المسؤولين الأمريكيين أبدوا فتورا تجاه الأمير "محمد" لا للاشتباه في دوره في مقتل "خاشقجي" فحسب بل انزعجوا أيضا لأنه حث وزارة الدفاع السعودية مؤخرا على استكشاف إمدادات السلاح البديلة من روسيا.
وفي رسالة بتاريخ 15 مايو/أيار، طلب ولي العهد من وزارة الدفاع التركيز على شراء نظم الأسلحة والعتاد في أكثر المجالات احتياجا والتدريب عليها بما في ذلك نظام الدفاع الجوي الصاروخي "إس-400" الروسي.
الدور الأمريكي الرئيسي
وترجح المصادر السعودية ودبلوماسيون أن تلعب الولايات المتحدة دورا حاسما في الكيفية التي ستتطور بها الأمور في السعودية.
وأدت الجريمة الوحشية التي راح ضحيتها "خاشقجي"، أحد الأصوات البارزة الناقدة لولي العهد، في القنصلية السعودية في إسطنبول الشهر الماضي إلى إدانة عالمية شارك فيها كثير من الساسة والمسؤولين في الولايات المتحدة الحليف الرئيسي للمملكة.
وقالت مصادر أمريكية مطلعة إن وكالة المخابرات المركزية تعتقد أن ولي العهد أمر بقتل "خاشقجي."
وقالت النيابة العامة في السعودية إن الأمير" محمد" (33 عاما) لم يكن يعلم شيئا عن قتله، في حين كثفت الضجة العالمية الضغوط على الديوان الملكي المنقسم بشأن صعود الأمير "محمد" السريع في سلم السلطة.
وكان الأمير الشاب قد اكتسب تأييدا شعبيا بإصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية الواسعة التي شملت إنهاء العمل بحظر على قيادة النساء للسيارات وفتح دور السينما.
واقترنت إصلاحاته بحملة على أصحاب الأصوات المعارضة وحركة تطهير في صفوف عدد من كبار الأمراء ورجال الأعمال بتهم الفساد وكذلك بحرب مكلفة في اليمن.
كما عمد الأمير "محمد" إلى تهميش كبار أعضاء الأسرة الحاكمة وشدد قبضته على أجهزة الأمن والمخابرات السعودية.
وقد أطاح الأمير بابن عمه وزير الداخلية الأمير "محمد بن نايف" (59 عاما) الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في يونيو/حزيران 2017، ثم عزل الأمير "متعب بن عبدالله" (65 عاما) ابن العاهل السعودي الراحل الملك "عبدالله من رئاسة الحرس الوطني واحتجزه في إطار الحملة على الفساد.
وشملت قرارات التوقيف حوالي 30 أميرا آخر وتعرضوا لإساءة معاملتهم وإذلالهم وجرى تجريدهم من ممتلكات في الوقت الذي أنفق فيه الأمير "محمد" ببذخ على القصور وعلى يخت بلغت قيمته 500 مليون دولار وسجل رقما عالميا جديدا في سوق مزادات الأعمال الفنية بشرائه لوحة لرسام عصر النهضة الإيطالي الأشهر "ليوناردو دا فينشي"، وهي التطورات التي أدت لإضعاف أسرة آل سعود بكاملها.
ويقول مصدر سعودي مطلع إن أمراء كثيرين من الدوائر العليا في الأسرة يعتقدون أن تغيير ترتيب الخلافة "لن يثير أي مقاومة من أجهزة الأمن والاستخبارات التي يسيطر عليها" الأمير "محمد" بفعل ولائها للأسرة، مضيفا أن الأجهزة الأمنية "ستقف وراء ما تتوافق عليه الأسرة".
وكان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وصف، السبت، تقدير وكالة المخابرات المركزية أن الأمير "محمد" هو الآمر بقتل "خاشقجي" بأنه "سابق جدا لأوانه" لكنه "ممكن"، قائلا إنه سيتلقى تقريرا كاملا يوم الثلاثاء.
وقد أقام "ترامب" وصهره ومستشاره "جاريد كوشنر" علاقات شخصية وثيقة مع ولي العهد السعودي.
وقال أحد العارفين ببواطن الأمور في السعودية إن الأمير "محمد" ما زال يحظى بتأييدهما وإنه مستعد "للإطاحة ببعض الرؤوس استرضاء للولايات المتحدة"، غير أن "ترامب" وكبار مسؤولي الإدارة الأمريكية قالوا إنه تجب محاسبة المسؤولين السعوديين المتورطين في مقتل "خاشقجي" وفرضوا عقوبات على 17 سعوديا أحدهم من أقرب مساعدي ولي العهد.
وفي الوقت نفسه يطالب أعضاء في الكونغرس الأمريكي بسن تشريع يعاقب الرياض على جريمة القتل وحث أعضاء في مجلس الشيوخ من الجمهوريين والديمقراطيين "ترامب" على التشدد فيما يتعلق بولي العهد.
ويدرك الملك "سلمان" عواقب صدام كبير مع الولايات المتحدة واحتمال أن يحاول الكونغرس تجميد الأصول السعودية.
ويقول من قابلوا العاهل السعودي مؤخرا إنه لا يصدق ما يقال عن دور الأمير "محمد" فيما حدث ويعتقد أن ثمة مؤامرة على المملكة، لكنهم يضيفون أنه يبدو مهموما وقلقا.
هيئة البيعة وحظوظ الأمير العائد
وفي حالة وفاة الملك أو عجزه عن الحكم لن تقوم هيئة البيعة (تتألف الهيئة من 34 عضوا يمثلون كل فرع من فروع الأسرة الحاكمة لإضفاء الشرعية على قرارات الخلافة) تلقائيا بإعلان الأمير "محمد بن سلمان" ملكا جديدا على البلاد.
وقال واحد من المصادر السعودية الثلاثة إن الأمير "محمد" سيحتاج وهو ولي للعهد لمصادقة الهيئة على توليه عرش المملكة، ورغم أن الهيئة قبلت رغبة الملك "سلمان" أن يكون الأمير "محمد" وليا للعهد فقد لا تقبل بالضرورة إعلانه ملكا عند وفاة والده خاصة في ضوء سعيه لتهميش أعضائها.
وتقول المصادر السعودية إن الأمير "محمد" هدم الركائز التي قام عليها حكم أسرة آل سعود على مدى ما يقرب من قرن متمثلة في الأسرة ورجال الدين والقبائل والعائلات صاحبة النشاط التجاري، مشيرة إلى أن ذلك يعد عاملا مزعزعا للاستقرار في نظر الأسرة.
وما زال الأمير "محمد" مستمرا في تنفيذ برنامجه رغم ما ثار من ضجة بسبب مقتل "خاشقجي".
ويعتقد بعض العالمين ببواطن الأمور أنه بنى لوالده خلال فترة قياسية بلغت العام قصرا جديدا بعيدا في شرما على ساحل البحر الأحمر حيث موقع مشروع نيوم الجديد بكلفة ملياري دولار لكي يتقاعد فيه.
والموقع معزول وأقرب المدن إليه مدينة تبوك وتبعد أكثر من 100 كيلومتر، وقال أحد المصادر وثيقة الصلة بالأسرة الحاكمة إن الإقامة فيه ستبعد الملك عن أغلب شؤون الدولة.
وقد عاد الأمير "أحمد" إلى الرياض في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أن قضى عامين ونصف العام في الخارج.
وخلال وجوده في الخارج أدلى بتصريح بدا أنه ينتقد فيه القيادة السعودية أثناء رده على محتجين كانوا يرددون خارج مقر إقامته في لندن هتافات تنادي بسقوط أسرة آل سعود.
وكان الأمير "أحمد" واحدا من الأفراد الثلاثة في هيئة البيعة الذين عارضوا تعيين الأمير "محمد" وليا للعهد في 2017، وذلك حسب ما ذكره مصدران سعوديان في ذلك الوقت.
وتضم أسرة آل سعود مئات الأمراء، وعلى النقيض من النظم الملكية التقليدية في أوروبا لا ينتقل العرش تلقائيا في المملكة من الملك لابنه الأكبر، بل إن التقاليد القبلية في المملكة تحتم أن يختار الملك وكبار أفراد الأسرة من كل فرع من يعتبرونه الأصلح للقيادة.
المصدر | الخليج الجديد + رويترز