هل يُسَلِّم ترامب الدَّاعِيَة غولن لتُركيّا لإغلاقِ مِلَف اغتيال الخاشقجي وإنقاذِ الأمير بن سلمان بالتَّالي؟
ولماذا تتَوارَد التَّسريبات الأمريكيّة حولَ هَذهِ الصَّفَقَة بَعدَ الرِّواية السُّعوديّة الأحْدَث؟ وهَل يَقْبَلُ أردوغان هَذهِ المُقايَضة؟ وما هُوَ الثَّمَن؟
يَبْدو أنّ فهْمَ طَبيعَة العِلاقات التُّركيّة الأمريكيّة وتَطوُّراتِها هَذهِ الأيّام مَسألةً في قِمّة الصُّعوبَة، فبَينَما يَبدو التَّنسيق بين البَلدين في قضيّة اغتيال الصِّحافي السعوديّ جمال خاشقجي في ذروته بالنَّظر إلى حَجيجِ المَسؤولين الأمريكيين المُكثَّف إلى أنقرة طِوال الأسابيع الأربَعة الماضِية في هذا الإطار، تَقوم الطائرات الحَربيّة التركيّة بقَصفِ تَجمُّعات وَحَدات حِمايَة الشَّعب الكُرديّة التي تَدعَمْها واشنطن في شَرقِ الفُرات، فكَيفَ يُمْكِن فَهمُ هذا التَّناقُض؟
ليتَ الأُمور تَوقَّفت عِندَ هذا الحَد مِن الغُموض، فاليَوم الجُمعة فجَّرت مَحطَّة تلفزيون “إن بي سي” الأمريكيّة مُفاجأةً مِن الوزنِ الثَّقيل أثارَت العَديدَ مِن عَلاماتِ الاستِفهام عندما قالت في تقريرٍ إخباريٍّ لها “أنّ واشنطن تَدرُس إمكانيّة تَسليم الداعية التُّركيّ فتح الله غولن المُتَّهم الرئيسيّ وحركته (الخِدمة) بالوُقوف خلف مُحاوَلة الانقِلاب العسكريّة التركيّة الفاشِلة (صَيف 2016) إلى السُّلطات التركيّة بوَسائِل قانونيّة لاسترضاءِ الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان، وفي إطارِ صَفقَةٍ تتعلَّق بجريمَة اغتيال خاشقجي داخِل القُنصليّة السعوديّة في واشنطن”.
هَذهِ التَّسريبات وَجَدت أصداءً واسِعَةً في تركيا وغَيرِها، لأنّها أعادَت التَّذكير بإطلاقِ السُّلطات التركيّة، وبِطُرقٍ قانونيّةٍ أيضًا القِس الأمريكيّ آندرو برونسون، الذي أصرّت دائِمًا أنّه مُتورِّطٌ في دَعمِ جماعاتٍ إرهابيّةٍ، وسط أنباءٍ مُؤكَّدةٍ بأنّ اعتقاله جاءَ بالأساس لمُبادَلتِه بالداعية غولن المُقيم في الوِلايات المتحدة.
هيذر ناروث، المتحدثة باسم وزارة الخارجيّة الأمريكيّة نَفَت أن تكون حُكومَتها تُريد تسليم الداعية غولن إلى تُركيّا لاسترضائِها على خلفيّة قضيّة مقتل الصحافي السعودي خاشقجي، وأكَّدت “أنّ القضيّتين مُنفَصِلَتان”، وقالت “أنّ وِزارة العدل الأمريكيّة ما زالَت تَدرُس الدَّلائِل التي قدَّمتها تركيا لاستعادَة غولن عَقِب المُحاوَلة الانقلابيّة الفاشِلَة، وأنّ هذا المِلَف في عُهدَة وِزارَة العَدل”.
لا دُخان بُدون نار.. والرئيس دونالد ترامب هو “مَلِك” الصَّفَقات، ومِن غَير المُستَبعد أنّه يُحاوِل الانخِراط في عمليّة مُقايَضة مع تركيا قد يَكون عُنوانُها الأبْرَز تسليم الداعية التركي غولن مُقابِل إغلاق مِلَف اغتيال خاشقجي وتَخَلِّي تركيا عن مَطالِبها بإجراءِ تَحقيقٍ دَوليٍّ، الأمر الذي يَخدِم استراتيجيّة ترامب في إنقاذِ حَليفِه وعَمود استراتيجيّته الرئيسي في الشرق الأوسط، الأمير محمد بن سلمان وليّ العَهد السعوديّ.
حتّى هَذهِ اللَّحظة ما زالَت تركيا تُطالِب بتَحقيقٍ دَوليٍّ، وتَرفُض الرواية السعوديّة الأحدَث التي تَحصُر جريمة اغتيال خاشقجي في خَمسةِ أشخاصٍ أبرَزُهم اللواء أحمد عسيري، نائِب رئيس الاستخبارات، الذي قالت أنّه أصدَرَ الأوامِر بتَنفيذِها، ونَفِي أيّ علاقة للأمير بن سلمان بها، أي جريمة الاغتيال، مِثلَما أكَّد السيد عادل الجبير في مُؤتَمرٍ صِحافيٍّ عَقَدَه أمس.
السُّؤال هو: هل تَأتِي مُحاوَلة تسليم الداعية فتح الله غولن في إطار صفقة الإفراج عن القِس الأمريكيّ برونسون، أي تَبادُل داعِية إسلامي بقِس أمريكي، خاصَّةً أنّ الاثنين “مُتَّهَمان” بالإرهاب بصُورةٍ أو بأُخْرَى، أم في إطارِ أمرٍ آخر أكثر أهميّة وخُطورة قد يَعود على البَلدين بمِئات المِليارات مِن الدُّولارات، أي في إطار جريمة اغتيال خاشقجي، وإغلاق مِلَفِّها؟
ترامب أكَّد أكثَر مِن مرّةٍ أنّ الخاشقجي ليسَ مُواطِنًا أمريكيًّا، ولم يُقتَل على أرضٍ أمريكيّةٍ، وهُناك صفقة أسلحة أمريكيّة للسعوديّة بمِقدار 110 مِليار دولار لا نُريدها أن تَذْهَب إلى روسيا أو الصين وعلى ضُوءِ تَقَدُّم الصَّفَقات والمِليارات على قِيَم حُقوق الإنسان والعَدالة، لا نَسْتَبعِد أيَّ شَيءٍ.. وأردوغان أعْلَم..
“رأي اليوم”