شيوخ السلطة يمجدون جرائم بن سلمان من فوق منبر النبي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2597
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 يستمد حكام المملكة العربية السعودية جزءا كبيرا من شرعيتهم وهيبتهم في العالم الإسلامي من سيطرتهم وخدمتهم للمسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. ويحمل الملك "سلمان"، مثله مثل الحكام قبله، لقب "خادم الحرمين الشريفين".
وعلى الرغم من لمسة التواضع التي يعبر عنها اللقب الملكي، فإن الملكية السعودية لها تاريخ طويل من استغلال منبر المسجد الحرام في مكة عبر أئمتها للإشادة والتقديس والدفاع عن الحكام وأفعالهم.
وفي أعقاب مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، وبينما كانت المشاعر مشحونة في العالم ضد الأمير "محمد بن سلمان"، عاد النظام السعودي مرة أخرى لاستخدام المسجد الحرام للدفاع عن ولي العهد، بطريقة تجعل شرعيته وسيطرته على مكة والمدينة أمرا مزعجا أخلاقيا بصورة غير مسبوقة.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول، ألقى الشيخ "عبدالرحمن السديس"، إمام المسجد الحرام، أرفع سلطة دينية في المملكة، خطبة الجمعة من نصٍ مكتوب. حيث يتم نشر وإذاعة خطب الجمعة في المسجد الحرام على شبكات التلفزيون الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتابعها ملايين المسلمين، وتحمل قدرا كبيرا من السلطة الأخلاقية والدينية.
وقد ألقى الإمام "السديس" خطبة مزعجة، انتهك خلالها حرمة المساحة المقدسة التي احتلها. وأشار إلى مقولة نسبها إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، أنه على رأس كل قرن يرسل الله مجتهدا ومصلحا عظيما ومجددا، لاستعادة الإيمان أو تجديده، وأوضح أن هذا المجدد يعالج التحديات الفريدة لكل عصر.
ومن ثم شرع في تمجيد "بن سلمان" كهدية إلهية للمسلمين، وأكد أن ولي العهد هو ذلك المجدد الذي أرسله الله لإحياء العقيدة الإسلامية في عصرنا هذا. وأعلن الإمام، من المنبر الذي ألقى منه رسول الله محمد خطبته الأخيرة: "إن مسار الإصلاح والتحديث في هذه الأرض المباركة ... تحت رعاية ولي العهد الإصلاحي الشاب الطموح، يستمر في التقدم مسترشدا برؤيته للابتكار والحداثة رغم كل الضغوط والتهديدات".
وفي إشارة إلى الجدل الذي أعقب اغتيال "خاشقجي"، حذر الإمام "السديس" المسلمين من تصديق شائعات وسائل الإعلام المتربصة التي سعت إلى إلقاء الشكوك حول القائد المسلم العظيم. ووصف المؤامرات ضد ولي العهد بأنها تهدف إلى تدمير الإسلام والمسلمين، محذرا من أن "جميع التهديدات ضد إصلاحاته التحديثية لا تهدف إلى إفشالها فحسب، بل تهدد الأمن الدولي والسلام والاستقرار".
ونبه إلى أن الهجمات ضد "هذه الأراضي المباركة" استفزاز وجرم يصيب أكثر من مليار مسلم. واستخدم "السديس" كلمة "المحدّث" لوصف الأمير "محمد"، وهي كلمة يتم استخدامها لوصف أئمة الإسلام الذين كانت لديهم مواهب فريدة في تفسير الدين. وكان وصف "المحدث" وصفا وصف به النبي محمد "عمر بن الخطاب"، رفيقه والخليفة الثاني في الإسلام. وبهذا فقد قارن الإمام ضمنيا ولي العهد بالخليفة "عمر".
وقد دعا "السديس" أن يحمي الله "بن سلمان" ضد المؤامرات الدولية التي يتم نسجها ضده من قبل أعداء الإسلام، وخلص إلى أنه من واجب المسلمين كافة أن يدعموا ويطيعوا الملك وولي العهد الأمين، حماة ورعاة المواقع المقدسة والإسلام، على حد وصفه.
ورغم أنه ليس أمرا غير مسبوق أن يقوم رجال الدين السعوديين باستغلال منبر النبي في المسجد الحرام ليخدموا النظام الملكي بوقاحة، إلا أنه لم يقم أي إمام للمسجد الحرام بالإشارة إلى الحكام السعوديين كمجددين أو تجرأ على تشبيههم بـ "عمر" رضي الله عنه.
وتتم قراءة الخطب في مكة المكرمة والمدينة المنورة من نص مكتوب تتم الموافقة عليه مسبقا من قبل قوات الأمن السعودية. وفي حين يعين الملك إماما بارزا للمسجد الحرام والمسجد النبوي في المدينة المنورة، فلكل إمام عدد من النواب المعينين رسميا، الذين يتناوبون في الصلوات ويقومون بإلقاء الخطب.
ولعقود من الزمان، كانت الخطب التي يتم إلقاؤها في مكة المكرمة والمدينة المنورة عادية ومتوقعة. وقد استغلوا الصلوات دائما في الدعاء للنظام الملكي السعودي، لكن الأئمة لم يعطوا صفات مقدسة للنظام الملكي، وأصروا على أن الحكام لا ينبغي طاعتهم إلا بقدر طاعتهم لله.
لكن الأمور تغيرت كثيرا منذ صعود "بن سلمان" إلى السلطة. وقد سجن ولي العهد المئات من الأئمة السعوديين البارزين الذين أظهروا حتى القليل من المقاومة، بمن فيهم فقهاء بارزون ومؤثرون مثل الشيخ "صالح آل طالب" والشيخ "بندر بن عبدالعزيز"، وهما من الأئمة السابقين بالمسجد الحرام. وقد سعى المدعون السعوديون إلى فرض عقوبة الإعدام على "سلمان العودة"، وهو رجل دين بارز إصلاحي تم اعتقاله في سبتمبر/أيلول من العام الماضي. وتزعم بعض التقارير أن رجل دين بارز آخر، وهو الشيخ "سليمان الدويش"، الذي كان قد تم اعتقاله في أبريل/نيسان 2016، قد توفي في سجن سعودي بعد تعرضه للتعذيب.
ويبدو أن الأئمة الذين وافقوا على الذهاب مع ما يريده ولي العهد هم فقط من يتم السماح لهم بالصلاة وإلقاء الخطب في المسجد الحرام والمسجد النبوي. وقد ذهب بعض العلماء السعوديين المؤثرين، مثل الشيخ "عبدالعزيز الريس"، إلى حد قوله في محاضرة أنه حتى لو "زنا الحاكم يوميا على الهواء، فلا يزال يتعين الالتفاف حوله وليس تأليب الناس ضده".
وقد وضعت خطبة "السديس" الأخيرة المسلمين في منعطف محوري، فإما أن تقبل ولي العهد كمصلح إسلامي ملهم من الله، وتؤمن وتقبل بأقواله وأفعاله، وإما تكون عدوا للإسلام. وجاء رد فعل علماء المسلمين على الخطبة في المقام الأول على وسائل التواصل الاجتماعي بالازدراء والغضب. وقد استجابت العديد من البرامج الكوميدية والعروض الحوارية على موقع "يوتيوب" بالإدانة.
فعندما يطلب إمام المسجد الحرام من المسلمين أن يطيعوا "بن سلمان"، الذي صدق على قتل "خاشقجي"، وقبول اختطافه وسجنه وتعذيبه للمعارضين، بما في ذلك سجن عدد من علماء الإسلام الموقرين، وتجاهل حربه الوحشية والقاسية في اليمن، وتقويضه للأحلام الديمقراطية في العالم العربي، ودعمه للديكتاتورية القمعية في مصر، ويصنفه كمصلح ملهم من الله، فإن ذلك دليل على أنه يتم تدنيس المنبر المقدس الخاص بالنبي.
ولقد مكنت السيطرة على مكة والمدينة المؤسسة الدينية والملكية السعودية من الاستفادة من أموال النفط لتوسيع تفسيراتهم الحرفية والصارمة للإسلام خارج حدود المملكة. ويفضل معظم المسلمين دائما إسلاما متساميا وأخلاقيا، وليس ذلك البديل المدعوم من ولي العهد ورجال الدين السعوديين المقربين منه.
ومن خلال استخدام المسجد الحرام لإضفاء الصبغة الشرعية على أعمال الاستبداد والاضطهاد، وضع الأمير محمد الشرعية ذاتها، المبنية على السيطرة والوصاية السعودية على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، موضع شك كبير.

المصدر | خالد أبو الفضل - نيويورك تايمز