بيان النيابة التركية يزيد التشاؤم حول مصير جثة خاشقجي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1858
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

محمد الجوهري
 زاد بيان النيابة التركية، الذي صدر مساء الأربعاء، من حالة الغموض حول مصير جثة الصحفي والكاتب السعودي "جمال خاشقجي"، وخلق حالة من التشاؤم أيضا.
البيان التركي قال إن الجانب السعودي أبلغ مدعي عام إسطنبول أنه لم يصدر أي تصريح رسمي من الرياض بخصوص وجود متعاون محلي تسلم جثة "خاشقجي" في إسطنبول، بعد قتله داخل القنصلية.
ما سبق يعني أن السعودية قررت رسميا عدم الاعتراف بمسألة المتعاون المحلي، والتي ظهرت بعد مقابلة أجرتها وكالة "رويترز" مع من قالت إنه مسؤول سعودي بارز، وصنفت روايته على أنها تحديث للرواية الرسمية التي خرجت من الرياض، بعد 18 يوما من الإنكار والصمت.
وأعاد ذلك التطور احتماليات سبق الحديث عنها فيما يخص جثة الصحفي السعودي، أبرزها أنها قد تكون تعرضت للتذويب بالحامض، أو أن السعودية لا نية لها لإظهار الجثة أو الإرشاد عن مكانها.
الاحتمال الأول (التذويب) يبقى مرجحا، قياسا إلى التحريات المكثفة التي أجرتها أجهزة الأمن والتحقيق التركية، والتي فتشت كافة الأماكن التي يحتمل تواجد الجثمان بها، مثل القنصلية بمشتملاتها، ومنزل القنصل بالبئر الموجود به، والذي سحبت من مياهه عينات، وليس انتهاء بمنطقة غابات بلغراد، شمال إسطنبول، ومناطق بمدينة يالوفا التركية.
ويشير مصدر مطلع على التحقيقات لـ"الخليج الجديد"، إلى أن فرضية تذويب الجثة باتت مرجحة بالفعل لدى أجهزة التحقيق التركية وفقا لتلك التطورات والشواهد، وقد يفسر هذا، التركيز التركي خلال الأيام القليلة الماضية على إعادة فحص شبكة الصرف الصحي الخاصة بالقنصلية وتوسيع نطاق الفحص ليشمل الشبكة في شارع القنصلية بالكامل، مما يعني أن الأمن التركي يبحث عن شئ ما في تلك الشبكة.
تقارير أخرى تشير إلى أن رأس "خاشقجي" تم قطعها وإرسالها إلى الرياض بصحبة "ماهر مطرب"، الذي كان متواجدا في إسطنبول خلال عملية القتل، ويبدو أنه كان يريد توصيل الرأس إلى الرياض لغرض إشباع رغبة من أمر بقتل "خاشقجي" في التشفي.
ومن المعروف أن "مطرب" قد خرج بصفته الدبلوماسية من مطار إسطنبول، ما يعني أن حقائبه لم تخضع للتفتيش، لاسيما أنه خرج مبكرا قبل أن يتم إبلاغ السلطات التركية باختفاء "خاشقجي" داخل القنصلية.
واختارت القيادة التركية، خلال الأيام الماضية، التركيز على مجموعة من الأسئلة لمحاولة حصر السعوديين للإجابة عليها، أبرزها كان سؤالين، الأول من أصدر الأوامر بقتل "خاشقجي"، وهو يستند على وجود دلائل بحوزة أنقرة على أن عملية القتل تمت بنية مسبقة وتخطيط، وهو ما أوضحه بيان النيابة العامة التركية، الصادر الأربعاء.
السؤال الثاني كان يتعلق بهوية المتعاون المحلي التركي الذي تسلم الجثة، وفقا لما قاله مسؤول سعودي لـ"رويترز".
وبالفعل يبدو أن السعودية قررت التملص من إجابة الأول، بينما نفت الإفادة الثانية من الأساس، رغم أن هذا النفي سيستتبع بدوره العودة إلى سؤال: "إذن أين الجثة أيها السعوديون؟"، فهم من قتلوا والجريمة تمت داخل قنصليتهم، وباعترافهم رسميا.
في هذا الإطار يبرز حديث مسؤولين أتراك عن ممارسة السعودية تضليلا متعمدا لعمليات التحقيق، وتحديدا فيما يتعلق بمكان جثة "خاشقجي".
هذا التضليل برز في لقطتين، الأولى عندما التقطت الكاميرات صورا لأعضاء من فريق الاغتيال السعودي يعاينون جزءا من غابات بلغراد، شمال إسطنبول، قبل جريمة القتل بساعات، ثم توجه إحدى سيارات القنصلية إلى المنطقة، بعد عملية القتل، وهو وأيضا ما أثبتته الكاميرات.
اللقطة الثانية كانت مماطلة السعوديين الواضحة في السماح للأتراك بتفتيش منزل القنصل، ثم رفض تفتيش البئر القديمة المتواجدة في حديقته، وهو ما أوحى بأن هناك ما يخفيه السعوديون داخل المنزل أو البئر.
ما سبق دفع مسؤولين أتراك، وعلى أعلى المستويات، إلى التعبير عن تبرمهم مما وصفوه بعدم مصداقية السعودية في البحث عن حقيقة ما حدث لـ"خاشقجي"، وأين جثمانه الآن، مثل الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، ووزير خارجيته "مولود جاويش أوغلو"، والذي تحدث عن عدم وجوب إضاعة الوقت في التحقيقات.
وبعيدا عن ذلك، يبدو من المؤكد أن الأتراك بحوزتهم دليل قاطع على تقطيع جثة "خاشقجي" داخل القنصلية، بدليل الحديث عن ذلك صراحة في بيان النيابة العامة التركية الرسمي، الأربعاء، ومن المعروف أن النيابة العامة هي سلطة التحقيق المخولة قانونا بالكشف عن الحقائق والتطورات في القضية.
ما هو مؤكد أيضا أن الأتراك عثروا على ما يدعم رواية التقطيع داخل القنصلية، عند تفتيشهم إياها، وتأكيدات مصادر مطلعة على التحقيقات بأنه تم العثور على أدلة تدعم فرضية قتل "خاشقجي" داخل القنصلية، بواسطة أجهزة متطورة للبحث الجنائي، رغم محاولات السعوديية إخفائها عبر طلاء بعض الأسطح وتنظيف أماكن أخرى بواسطة منظفات قوية.
الآن وفعليا، يمارس الأتراك ضغوطهم على السعودية مستندين إلى أدلة تقطيع "خاشقجي" داخل القنصلية، والتي أطلعوا عليها مسؤولين استخباراتيين وسياسييين غربيين، كما أشارت تقارير، ويبدو أيضا أنهم أطلعوا النائب العام السعودي "سعود المعجب" على جزء يسير منها، ربما لتوصيل رسالة تحذيرية غاضبة بأن صبر أنقرة بدء بالنفاد.
وإذا كان السعوديون قد اعترفوا برواية القتل، فإن مسألة الجثة ووجودها لا تزال تمثل نقطة ضغط عليهم، تستخدمها تركيا حاليا، مستندة لتلك الأدلة، والأهم عدم وجود إجابة سعودية "رسمية" حتى الآن على سؤال: "أين الجثة؟".
ولا يبدو أن تركيا تنتوي أن تمثل تلك النقطة إلهاء عن إجابة السؤال الأول: "من أمر بالقتل؟"، خصوصا مع الحديث عن امتلاك الأتراك دليل على فرضية التخطيط المسبق للقتل وليس الاختطاف، كما أشارت الرواية السعودية، وهو ما بدا في تصريحات "أردوغان" الغاضبة، الثلاثاء، عن وجود "مسرحية" تلعب في قضية "خاشقجي"، لحماية وإنقاذ "شخص ما".
واقعيا، هذا "الشخص" في مأزق كبير يتزايد يوما بعد آخر، وهو لا يزال مطالبا بالإجابة على الأسئلة التركية، والمدعومة بأدلة اطلعت عليها أطراف دولية نافذة، لوحظ تغير لهجتها المائعة تجاه هذا الشخص بشكل مفاجئ.
منطقيا، يقف هذا "الشخص" الآن وسط كفتي ميزان، الأولى تحوي رغبة أمريكية وإسرائيلية على الحفاظ عليه وإنقاذه بأي ثمن، والأخرى تحوي ضغطا غربيا ومن الداخل الأمريكي نفسه وأدلة تركية تصرخ داخل أدراجها المغلقة طالبة عدم إنقاذه على حساب دماء "خاشقجي" وأشلائه.

المصدر | الخليج الجديد