في ظِل التَّسريبات حول اتِّصالاتٍ سريّةٍ وضُغوطٍ أمريكيّةٍ.. هَل باتَت المُصالَحة القَطريّة السعوديّة وَشيكةً؟
وما مَدى صِحَّة التَّقارير التي تتحدَّث عن زِيارةٍ للجبير إلى الدوحة؟ ولماذا غيَّرَ الأمير بن سلمان لَهجَتَه وتَغَزَّلَ بالاقتصادِ القَطريّ؟
رُبّما تَخرُج دَولة قطر المُستَفيد الأكبَر من جريمَة اغتيال الصِّحافي السعوديّ جمال خاشقجي، فاللَّافِت أنّ المُعسكَر المُضاد لها الذي تَقودُه المملكة العربيّة السعوديّة يعيش حالةً مِن الضَّعفِ غير مَسبوقة، وباتَ يبحَث عَن مَخارِجٍ لحَلِّ الأزَمَة ورَفعِ الحِصار الذي يَفرِضُه عليها بالتَّالي.
هُناك عِدّة مُؤشِّرات رئيسيّة يُمكِن مُلاحَظتها في هذا الإطار:
ـ الأُولى: تأكيد وكالة بلومبيرغ الأمريكيّة، والمُفَضَّلة لدَى الأمير محمد بن سلمان، وليّ العَهد السعوديّ، أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب تُمارِس ضُغوطًا على السعوديّة لتَخفيفِ حِصارِها السياسيّ والاقتصاديّ على دَولةِ قطر، ونَسَبَت هذا التَّحوُّل المِفصَليّ إلى ثَلاثَةِ مَصادِر داخِل هَذهِ الإدارة.
ـ الثانية: تَراجُع الحَمَلات الإعلاميّة السعوديّة على دولة قطر بنِسبةٍ كَبيرةٍ، خاصَّةً على مَواقِع التواصل الاجتماعي بعد “الغَزَل” الذي ورَدَ على لِسان الأمير بن سلمان بِها أثناء مُؤتَمر الاستثمار الدوليّ الذي انعَقَد في الرياض حيث حَرَصَ على القَول “أنّ اقتصاد قطر قويّ وسيَكون مُختَلِفًا ومُتَطوِّرًا بعد خَمسِ سَنواتٍ”، وهذا اعترافٌ صَريحٌ بأنّ الحِصار الاقتصاديّ لم يُعطِ ثِمارَه، بَل أعطَى نتائِجَ عكسيّةً.
ـ الثالثة: ما ذَكَرَه المُغرِّد السعوديّ “مجتهد” بأنّ السيد عادل الجبير وزير الخارجيّة السعودي، أرادَ القِيام بزيارةٍ مُفاجِئةٍ للدوحة، ووصَل فِعْلًا إلى مَطارِها، وأُعطِيَ الإذن لطائِرته بالهُبوط، ولكنّه لم يَحْظَ بأيِّ استقبالٍ رَسميٍّ، وأبلَغَهُ مُوظَّف البروتوكول الذي كانَ في استقبالِه “ليس عِندَنا لكَ إلا قهوَة الضيف ومَعَ السَّلامة”، كما ذَكَرَ “مجتهد” أيضًا أنّ الأمير خالد الفيصل مُستشار العاهِل السعوديّ وأمير مِنطَقة مكّة، وصل بطائِرتِه إلى الدوحة وطلب أن تكون زِيارَته سريّة، دُونَ أيِّ تصوير، ولكن السُّلُطات القطريّة رَفَضَت هذا الطَّلب، وغادَرَ دُونَ أن يَنزِل مِن الطَّائِرة.
مَعرِفَتنا بشَخصيّة “مجتهد” ومَصادِر أخباره تُؤكِّد أنّ ما يقوله دَقيقٌ في مُعظَم الأحيان، ولم يَصدُر أيّ نفي لروايته حول مُحاوَلة كُل من الجبير والفيصل فَتحَ حِوارٍ مع السُّلطات القَطريّة.
دولة قطر استغلَّت جريمة اغتيال خاشقجي لإضعافِ مُعسكَرِ خُصومِها، مِن خِلال توظيف قناة “الجزيرة”، ذِراعها الإعلاميّ القويّ، وتعزيز تَحالُفِها الاستراتيجيّ مع حليفِها الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الذي أرسَلَ أكثر مِن 35 ألف جندي تركي إلى قاعدة بلاده العَسكريّة في مِنطَقة العديد، مِثلَما أدرَكت حاجَة الوِلايات المتحدة الماسّة إلى مَجلسِ تعاونٍ قَويٍّ ومُوحَّدٍ يَكون أرضيّة التحالف الاستراتيجيّ الجَديد، أو “الناتو” العربي، الذي تُريد تأسيسه في مُواجَهة إيران، وتُمَهِّد بعَقد قمّة في واشنطن في كانون الثاني (يناير) المُقبِل، تَضُم الدُّوَل الخليجيّة السِّت إلى جانِب مِصر والأُردن ورُبّما إسرائيل أيضًا، فمِنَ الصَّعب تشكيل هذا الحِلف في ظِل الخِلاف بين قطر وأربع دُوَل في هذا الحِلف، وهِي مِصر والسعوديّة والإمارات والبَحرين.
حَل الأزَمَة الخليجيّة لا يُمكِن أن يتم دُونَ تَنازُلاتٍ مِن جميع أطرافِها بِما فيها دولة قطر، ويَظَل السُّؤال الأبْرَز عمّا إذا كانَت حُكومَة الأخيرة ستَقْبَل بأبْرزِ مَطالِب خُصومِها، وهو إغلاق قناة “الجزيرة”؟
مِن المُستَبعد أن تَرضَخ السُّلطات القَطريّة لهذا الطَّلب، ولكن قد تُقَدِّم تَعَهُّداتٍ بتَخفيفِ انتقاداتِها للسعوديّة تَحديدًا، إذا كانَت هُناك صفَقَة مُصالَحة تَلوحُ في الأُفُق بَينَ البَلدين.
لا شَكْ أنّ إدارة الرئيس ترامب تَمْلُك أوراق ضَغطٍ قَويّة على حُلفائِها الخَليجيين ومِن بَينِهم دولة قطر، ولذلِك فإنّ احتمالات المُصالَحة تَبدو اليوم الأكثَر واقِعيّةً مِن أيِّ وَقتٍ مَضَى.. واللهُ أعْلَم.
“رأي اليوم”