ارتباك الموقف السعودي بقضية خاشقجي.. من الإنكار إلى الاعتراف
شهد الموقف السعودي الرسمي اضطرابا شديدا تجاه قضية اختفاء الصحفي "جمال خاشقجي" داخل قنصلية المملكة بإسطنبول، وتطور رد الفعل الرسمي من الصمت ثم الإنكار لينتهي بالاعتراف رسميا عن الحادثة بعد غضب دولي واسع.
و مع اللحظات الأولى للإعلان عن اختفاء "خاشقجي"، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، التزمت السعودية الصمت، ليخرج بعد أكثر من 24 ساعة السفير السعودي في أنقرة، "وليد الخريجي" مؤكدا عدم معرفة بلاده بمكان وجود "خاشقجي".
فيما أصدرت القنصلية السعودية بإسطنبول بيانا قالت فيه: "نتابع ما ورد في وسائل الإعلام عن اختفاء خاشقجي بعد خروجه، ونقوم بإجراءات المتابعة والتنسيق مع السلطات التركية لكشف الملابسات".
وبعد مرور 3 أيام، خرج ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان" بتصريحات يعرب فيه عن استعداد بلاده للسماح لتركيا بتفتيش القنصلية، مضيفا: "ليس لدينا ما نخفيه، خاشقجي خرج من القنصلية بعد دقائق أو نحو ساعة".
وفي اليوم التالي أجرى القنصل السعودي في إسطنبول، "محمد العتيبي"، جولة برفقة وكالة "رويترز" داخل القنصلية المكوّنة من ستة طوابق، نافيا معرفة مكان وجود "خاشقجي".
نفي "خالد بن سلمان"
وخلال اللقاء الذي جرى مع الصحفي فريد ريان في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، قال السفير السعودي في الولايات المتحدة "خالد بن سلمان، في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري إنه "من المستحيل أن يعمل موظفو القنصلية على التعتيم على مثل هذه الجريمة، ولا يكون لنا علم بذلك".
وبعد ذلك بيومين، أجرى "بن سلمان" اتصالا هاتفيا بـ"جاريد كوشنر"، صهر ومستشار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، بعدما بدأ اللوم يتّجه ناحيته وناحية الديوان الملكي في القضية، فيما أعلنت الرئاسة التركية أن فريقا تركيا سعوديا سيحقق في اختفاء "خاشقجي"، بناء على طلب الرياض.
وفي اليوم التالي كشفت مصادر دبلوماسية غربية أن "بن سلمان" طلب مساعدة ولي عهد أبوظبي، "محمد بن زايد"؛ لمحاولة الخروج "المشرّف" من أزمة اختفاء "خاشقجي". واتفق الجانبان، السعودي والإماراتي، على "تقديم أكباش فداء".
فيما استدعى "بن سلمان" شقيقه سفير المملكة بالولايات المتحدة، "خالد"؛ للتشاور المباشر معه حول طريقة حلّ هذه القضيّة بالاستعانة بعلاقات الأخير الكبيرة مع المسؤولين الأمريكيين.
أول بيان للداخلية
وفي 13من الشهر الجاري، صدر أول بيان للداخلية السعودية، مؤكدا أن"ما تم تداوله بوجود أوامر بقتل خاشقجي هي أكاذيب ومزاعم لا أساس لها من الصحة تجاه حكومة المملكة".
وبعد ذلك بيوم ، أجرى العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز" أول اتصال مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ليشكره على ترحيبه باقتراح السعودية تشكيل فريق مشترك لبحث اختفاء "خاشقجي".
وفي 16 من الشهر ذاته، قالت شبكة "سي إن إن" الأمريكية إن السلطات السعودية تُعِدُّ تقريراً تُقرّ فيه بأن "خاشقجي" قُتل بالخطأ خلال التحقيق معه بالقنصلية في إسطنبول، وأن العملية كانت تهدف إلى اختطافه وليس قتله.
ونقلت الشبكة ذاتها عن مسؤول سعودي قوله إن مرسوما ملكيا صدر قبل أيام، يوجه المدَّعي العام بإجراء تحقيق داخلي في قضية خاشقجي، بناء على معلومات استخباراتية مشتركة مع السعودية من قبل تركيا.
فيما قام فريق تحقيق سعودي وتركي بتفتيش القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية تفتيشاً دقيقاً.
الاعتراف
وأخيرا، ففي الساعات الأولى من صباح السبت 20 أكتوبر/تشرين الاول الجاري اعترفت السلطات السعودية رسميا بمقتل "خاشقجي" داخل قنصلية المملكة بإسطنبول، لكنها قالت إن الجريمة حدثت خلال مشاجرة، في إيحاء بأنها لم تكن عملا مدبرا.
وقالت النيابة العامة السعودية إن التحقيقات لاتزال مستمرة مع الموقوفين على ذمة القضية والبالغ عددهم 18 شخصا حتى الآن.
فيما أصدر العاهل السعودي أمراً ملكياً بإعفاء كل من نائب رئيس الاستخبارات العامة "أحمد عسيري" ، والمستشار في الديوان الملكي "سعود القحطاني" من منصبهما.
وأمر الملك سلمان بتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد، لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق.