ديفد هيرست: انتهى عهد بن سلمان قبل أن يبدأ
ما هي أفكار "جمال خاشقجي" الأخيرة، حيث كان يجري سحبه من مكتب القنصلية العامة السعودية في إسطنبول من قبل رجلين وأدرك أنه كان يسير مباشرة في فخ؟
لم يكن "خاشقجي" وافدا جديدا، كان يعرف كيف تعمل القنصليات والسفارات السعودية. هو نفسه كان يعمل في اثنين منهم: واشنطن ولندن.
وأعتقد أيضا أنه يعرف القواعد، فقد كان يعمل لدى رئيس المخابرات السعودي السابق "تركي بن فيصل"، وكانت قواعد اللعبة وحشية، لكنها كانت عقلانية. كانت هناك خطوط حمراء واضحة، إذا كنت تعرفها، يمكنك حساب المخاطر التي كنت تأخذها.
كان "خاشقجي" قد اشترى للتو شقة في إسطنبول، وكان سيتزوج في اليوم التالي، كان الزوجان لا يزالان ينتظران وصول الأثاث، ربما كان يعتقد "خاشقجي" أن أسوأ ما يفعلونه هو سؤاله أو احتجازه، ولكن هل كان يخاطر بالخطف، ناهيك عن حياته، بقطعة من الورق تسمح له بالزواج مرة أخرى في تركيا؟
أخبر "خاشقجي" أصدقاءه أنه غادر المملكة لأنه لا يستطيع تحمل السجن، هذا هو السبب الذي جعله يشعر بواجب أخلاقي للتحدث طالما أنه حر وآلاف من أمثاله قبعوا في السجن، فكان واجبه أن يتكلم.
في الثواني الأخيرة من حياته، يجب أن يكون "خاشقجي" قد أدرك أن أيا من هذا لن يتم تطبيقه بعد الآن.
عمل جنوني
إذا كان قتل "خاشقجي" عملاً جنونيا، فيجب على المجنون (بن سلمان) أن يأمر به، رجل لا توجد له عقلانية، ولا قواعد، ولا ضبط، ورجل يمكنه التصرف مع الإفلات التام من العقاب، ورجل لم يسلم منه أحد.
حمل إعصار مقتل "خاشقجي" تغيرات مهمة في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة، فلم يعد الأمر مجرد خلاف بين بلدين في الشرق الأوسط (المملكة العربية السعودية وتركيا).
ومع ظهور التفاصيل التفصيلية الليلية عن القتل - هوية الركاب على الطائرات الخاصة، والحديث عن الأدوات المستخدمة لتفريق جثة "خاشقجي"، والخبر الذي انفردت به عن سحبه من مكتب القنصل العام، والآن تسجيل صوتي ومرئي مرعب لاستجواب "خاشقجي"، شاركه الأتراك مع الحلفاء الغربيين - لذا فقد أصبحت هذه أزمة كبيرة للبيت الأبيض وللولايات المتحدة.
أبعاد هذه الأزمة مازالت في بدايتها، فهذا عمل بربري كان تنظيم "الدولة الإسلامية" يفخر به، فالضحية شخصية بارزة، تم ضربه وتعذيبه وقتله وتقطيعه كحيوان، ولم يتم ذلك بأوامر من متشددين دينيين، بل بأوامر من الحليف العربي الرئيسي لأمريكا في الشرق الأوسط وفي مبانيه الدبلوماسية، وباستخدام موارد الدولة.
إنكار متواصل
تواصل الرياض إنكار المسؤولية عن القتل، وأنكر المسؤولون السعوديون بشدة أي تورط في اختفائه (خاشقجي) وقالوا إنه غادر القنصلية في إسطنبول بعد وصوله بقليل، ومع ذلك، لم يقدموا أي دليل يؤكد ادعاءهم ويقولون إن كاميرات الفيديو في القنصلية لم تكن تسجل في ذلك الوقت.
وصل الإعصار إلى ولاية فرجينيا وهو الآن في طريقه إلى البيت الأبيض، وقد حاول الرئيس الأمريكي عبثا الليلة الماضية الهروب من اتخاذ موقف بشأن الأزمة قائلا: "حدث هذا الأمر في تركيا وخاشقجي ليس حتى من مواطني الولايات المتحدة"، لكن بعد الآن، لم يعد "خاشقجي" مجرد معارض سعودي، بل أصبح "مقيم في فرجينيا".
وبدأت العاصفة تشتت اليقين، على طول طريق بنسلفانيا: إن ولي العهد "محمد بن سلمان"، الذي كان حارسه الشخصي ضمن مجموعة القتلة الـ15، هو "رجلنا، "لقد وضعنا رجلنا في القمة"، هكذا أخبر "ترامب" أصدقاءه، كما ذكر "مايكل وولف" في كتابه "نار وغضب" في وقت سابق من هذا العام.
ذهب أيضا "جارد كوشنير"، مستشار "ترامب" وصهره، للقاء "بن سلمان"، ليطلعه على أسماء الأمراء غير الموالين له، قبل أن يبدأ ولي العهد حملته ضد هؤلاء الأمراء في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، على الرغم أن المتحدث باسم "كوشنر" نفى القيام بذلك.
دعم "ترامب"
إن الدعم المتواصل والثابت الذي منحه "ترامب" لولي العهد السعودي منذ أن تم تنصيبه أصبح الآن مصدر إحراج، بالإضافة إلى الانتقادات التي لا تتوقف ضد ولي العهد في الإعلام الأمريكي باعتباره "مصلح شاب".
العظماء والصالحون انسحبوا من مبادرة الاستثمار المستقبلية، وهو مؤتمر استثماري من المقرر عقده في الرياض في وقت لاحق من هذا الشهر، وبسرعة لدرجة أنك كنت تعتقد أن الطاعون قد اندلع في الرياض، بما في ذلك: "ريتشارد برانسون، نيويورك تايمز، سي إن إن، أوبر تكنولوجي"، حتى صحيفة "فاينانشال تايمز" قد انسحبت.
وهناك تحرك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي يجري في مجلس الشيوخ لاستدعاء العقوبات ضد "بن سلمان" بموجب قانون "ماجينتسكي" المستخدم ضد الروس المتورطين في جرائم خطيرة.
ويضغط السناتور الجمهوري البارز "بول راند" لخفض التمويل والتدريب والتنسيق مع الجيش السعودي "حتى عودة خاشقجي إلى الحياة".
وقال السناتور الجمهوري "ليندسي غراهام" لشبكة "سي إن إن": "إذا كان ولي العهد متورطا بأي شكل من الأشكال، سيدمر عمليا قدرته على قيادة هذا البلد على المسرح الدولي".
كما بدأت الشبكة المعقدة من جماعات الضغط السعودية والإماراتية داخل العاصمة الأمريكية في الانهيار، وهي شبكة أنشئت لتنسق دخول "بن سلمان" على المسرح العالمي.
وأنهت شركة "Harbour Group"، وهي شركة في واشنطن تقدم الاستشارات للمملكة العربية السعودية منذ أبريل/نيسان 2017 ، عقدها البالغ 80 ألف دولار، يوم الخميس الماضي. وقال المدير العام "ريتشارد مينتز": "لقد انهينا العلاقة".
ويرتبط "مينتز" ارتباطًا وثيقًا بالسفير الإماراتي في واشنطن "يوسف العتيبة"، الذي كان بمثابة صوت "بن سلمان" في العاصمة الامريكية.
تركيا تنجح
بالعودة إلى تركيا ، كان الرئيس "رجب طيب أردوغان" يستعد لاستقبال وفد رفيع المستوى بقيادة الأمير "خالد الفيصل"، وهو حاكم مكة ومستشار خاص للملك "سلمان"، كما أنه أيضا الأخ الأكبر للرئيس السابق للمخابرات السعودية الأمير "تركي الفيصل"، الذي عمل "خاشقجي" مستشارا له.
ومع مشاركة، الليلة الماضية، الصوت والفيديو الخاص بلحظات "خاشقجي" الأخيرة المأساوية مع حلفائها الغربيين، ضمنت تركيا نتائج التحقيق قبل أن تبدأ حتى. السؤال الوحيد في عقول السعوديين هو كيف يمكنهم عزل صبي الملك.
إن الرجل الذي خلق "بن سلمان"،وروج له، وأعاد توجيه كامل ثقل السياسة الخارجية الأمريكية لصالحه، ووجه المؤسسات العسكرية والأمنية لوضع ثقتهم على كتفه، هو "ترامب"، وهو الذي سمح لولي العهد بالتصرف مع الإفلات التام من العقاب.
يمكن أن يكون لديه تفكير واحد، إذا كان "بن سلمان" قادرًا على فعل مثل هذا العمل الفظيع عندما يبلغ من العمر 33 عامًا ، فقط 16 شهرًا من صعوده كولي للعهد، فماذا سيفعل عندما يكون ملكًا لدولة، جعلت الجيش الأمريكي العمود الفقري لقوتها في الخليج والمنطقة بشكل عام.
هناك ثلاثة أمور يجب أن تتوفر ليصبح ولي العهد السعودي ملكاً. أولا وقبل كل شيء موافقة البيت الأبيض، وثانيا دعم العائلة المالكة، وثالثا قبول الرأي العام، فيما تعتبر موافقة البيت الأبيض أهم بكثير من العاملين الآخرين.
ولن يعتبر "ترامب" قد تدخل في العملية الداخلية بالمملكة الخاصة بنقل السلطة إذا سحب موافقته على أن يصبح ولي العهد ملكاً.
ويمتلك "ترامب" مسار عمل واحد فقط بعد أن تم الكشف عن محتويات الشريط الصوتي والفيديو، هو عدم السماح لـ"بن سلمان" أن يصعد إلى العرش.
إنه أقل ما يستحقه "جمال خاشقجي" وعدد لا يحصى من الآخرين الذين قُتلوا وعذبوا وسجنوا من قبل هذا النظام.