رهان ترامب على السعودية لخفض أسعار البنزين سيفشل
في لعبة صناعة النفط الدولية، تجد الجميع مع الجميع وضد الجميع.
فهناك إيران التي انضمت إلى روسيا في تحالف للحفاظ على نظام "الأسد" القاتل في سوريا.
ثم هناك المملكة العربية السعودية، العدو اللدود لإيران، التي تحصل على أسلحة متقدمة من روسيا، حليفة إيران.
وتلتقي إيران وعدوتها السعودية بانتظام في تجمعات منظمة "أوبك" النفطية، المؤلفة من 15 عضوا، وتتعاون المنظمة بشكل واضح مع روسيا لضبط أسعار النفط مؤخرا.
وتقع أمريكا في قلب هذا المزيج، في 3 مسارات.
أولا: قرر الرئيس "دونالد ترامب" فرض نظام عقوبات صارم على إيران، لدرجة أن معظم الشركات والدول التي تتعامل مع إيران تخشى الوقوع في تبعاتها، وتسعى لوضع حد لعلاقات العمل مع الجمهورية الإسلامية.
ثانيا: يعد إنتاج الولايات المتحدة من النفط كبيرا جدا، نظرا لنجاح تكنولوجيا التكسير التي تسمح باستخلاص النفط من الصخر الزيتي، ولم تعد مستهلكا سلبيا للنفط، ينتظر ما تلقيه منظمة أوبك وغيرها من الدول الأخرى عليه من الأعباء.
ثالثًا: يعتقد رئيس الولايات المتحدة أنه قادر على التحكم في إنتاج أوبك وزيادته، وهو يحاول أن يفعل ذلك لتجنب ارتفاع أسعار البنزين قبيل انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني. وإذا حدثت زيادة كبيرة، قد يلقي الناخبون باللوم على سياسة الرئيس المتمثلة في منع النفط الإيراني من دخول الأسواق العالمية، وتهديده لأي دول تتعاون مع إيران.
ومع استمرار ذكريات صدمتهم من فترة توسع الإنتاج الذي أدى إلى انخفاض الأسعار من 100 دولار للبرميل إلى 35 دولارا منذ منتصف عام 2014، يخشى المنتجون أن يؤدي التباطؤ الاقتصادي الذي يتوقعونه في أوائل عام 2019 إلى خفض الطلب على النفط الخام.
وبحسب تقديرهم، فإن هذا التباطؤ سوف يتزامن مع الانخفاض الدرامي لتدفق النفط من إيران ليتسبب في انخفاض الأسعار إلى ما دون مستوى 70 دولارا أمريكيا، مقابل 80 دولارا لخام برنت الآن.
لذا، فإن السعوديين، الذين يسيرون دائما على خط رفيع بين مصلحتهم في إبقاء أسعار النفط مرتفعة وبين إرضاء "ترامب"، مستعدون الآن لزيادة الإنتاج قليلا (بمقدار 500 ألف برميل يوميا)، وقد وعدت روسيا، اليائسة للحصول على المال، بإضافة 250 ألف برميل يوميا، لخدمة عملاء حليفتها إيران.
ليس كافيا
لكن هذا ليس كافيا تقريبا للتعويض عن انخفاض بأكثر من 1.6 مليون برميل يوميا من صادرات إيران، ولن يكون "ترامب" سعيدا بذلك.
وقد ارتفعت أسعار النفط الخام إلى 83 دولارا لخام برنت، وهي أرقام تفوق أهداف "أوبك"، وليست في صالح "ترامب".
والأسوأ بالنسبة للرئيس، هي أسعار البنزين، التي تقف عند نحو 2.88 دولار للجالون، وهي تزيد بأكثر من 10% فوق مستويات العام الماضي، ومن المرجح أن تخترق قريبا مستوى 3 دولارات.
ويعتمد "ترامب" على كلمة الأمير السعودي "محمد بن سلمان"، الذي وعده شخصيا بأن المملكة سوف ترفع الإنتاج إذا خرجت الأسعار عن نطاقها، وهو ما وعد به وزير النفط السعودي "خالد الفالح" في اجتماع في وقت سابق من هذا الأسبوع.
لكن توجد مشكلة صغيرة هنا؛ حيث يعتقد المراقبون المطلعون أن السعوديين ليس لديهم قدرة احتياطية كافية لزيادة إنتاجهم من المستوى الحالي، البالغ 10.4 مليون برميل يوميا، إلى 12 مليون برميل يوميا.
لذلك، لم يكن هذا أفضل أسبوع بالنسبة لـ"ترامب"، ولم تكن تلويحات "ترامب" الغاضبة كافية لردع منتجي النفط وحملهم على تخفيف الضغوط على الأسعار.
ولم يحصل الرئيس الأمريكي بعد على الموافقة على مرشحه لرئاسة المحكمة العليا، وكانت الصدمة الأخيرة لـ"ترامب" في اضطراره للاستماع إلى ضجيج ساخر أثناء كلمته في الأمم المتحدة، حين زعم أنه قد أنجز في عامين أكثر من أي رئيس أمريكي تقريبا، بما في ذلك "جورج واشنطن"، و"إبراهام لنكولن"، و"فرانكلين روزفلت"، و"رونالد ريغان"، فضلا عن كل الرؤساء السابقين الآخرين الذين يبدو أن إنجازاتهم قد تم حذفها من نصوص التاريخ التي كان "ترامب" يطالعها أثناء إعداد خطابه.
وبالنسبة للعقوبات، سيتم تطبيق العقوبات الثانوية على أي دولة أو شركة تتعامل مع إيران، وتشمل الحرمان من الوصول إلى النظام المالي العالمي، وهو الأمر الذي تسبب في حدوث تدافع للشركات للخروج من إيران، بما في ذلك شركة الطاقة الفرنسية العملاقة "توتال"، التي تخلت عن عقد بقيمة 4.8 مليار دولار لتطوير حقل الغاز الطبيعي "بارس" جنوب إيران، وهو أكبر حقل في العالم، على الرغم من ضغوط الاتحاد الأوروبي عليها ألا تفعل ذلك.
ويقول "باتريك بوبيان"، الرئيس التنفيذي لشركة "توتال"، إنه إذا استمر في التعامل مع إيران، "فقد تقرر الولايات المتحدة أنه لا يمكننا الحصول على أي تمويل من الولايات المتحدة، ومن المستحيل التواجد في السوق بالنسبة لإدارة شركة دولية دون الوصول إلى التمويل الأمريكي أو المساهمة الأمريكية".
ثم هناك الهند، ثاني أكبر سوق للنفط الإيراني بعد الصين، وستتوقف "ريلاينس إندستريز"، الشركة الرائدة في مجال التكرير في البلاد، عن شراء الخام الإيراني قريبا.
وسيقوم بنك الدولة الهندي، أكبر مقرض في البلاد، بمنع أي دفعات للمصافي التي تسعى إلى الحصول على النفط الخام الإيراني.
وهناك المزيد من الأمثلة، لكن الفكرة العامة هي أن العقوبات الأمريكية تتسبب في ذعر شديد.
نتائج كل ذلك
ونتيجة لذلك، خسر الريال الإيراني نصف قيمته تقريبا، وفي بداية العام، كان سعر الريال عند 43 ألف ريال لكل دولار أمريكي، والآن يتطلب الأمر أكثر من 100 ألف ريال لشراء دولار واحد في السوق المفتوحة، في وقت يبلغ فيه معدل البطالة بين الشباب حوالي 30% ويتجاوز معدل التضخم الإيراني 24% رغم أن البيانات الرسمية تضعه عند نصف هذا الرقم فقط.
وفي غضون ذلك، إذا استمر اقتصاد الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي في النمو، فسوف يرتفع الطلب على النفط.
وإذا لم يكن لدى السعوديين طاقة إنتاجية إضافية لضخ كميات أكبر من النفط بالقدر المطلوب، وإذا تعثر النفط الصخري الأمريكي للدرجة التي لا تمكن الولايات المتحدة لجلب المزيد من النفط الخام إلى السوق، فإن ارتفاع أسعار البنزين في أمريكا قد لا يكون شيء من الماضي.