قَرارٌ أمِريكيٌّ مُفاجِئٌ بسَحبِ بطّاريّات صواريخ “الباتريوت” مِن الكُويت والبحرين والأُردن..
ما وَراء هَذهِ الخُطوَة وفِي هذا التَّوقيت؟ وهَل يُخَطِّط الرئيس ترامب لإعطاءِ الأولويّة للخَطَرين الروسي والصيني ويُمَهِّد للانسحابِ مِن مِنطَقة الشرق الأوسط.. أم أنّ هُناك أسباب أُخرَى؟
أثارَ قرار وزير الدِّفاع الأمريكيّ جيم ماتيس سحب مَنظوماتِ صواريخ “باتريوت” الدفاعيّة المُضادّة للطَّيَران من دَولتين خليجِيَّتين (الكويت والبحرين)، إضافَةً إلى الأُردن، العَديد مِن علاماتِ الاستفهام خاصَّةً في ظِل قَرْع الوِلايات المتحدة طُبولَ الحَرب ضِد إيران.
صحيفة “وول ستريت جورنال” المُقرَّبة من الإدارة الأمريكيّة التي كَشَفت هَذهِ الخُطوة، نَقْلًا عَن مَصادِر داخِل وزارة الدِّفاع الأمريكيّة (البِنتاغون) اليوم الأربعاء، قالت أنّه سيتم سحب أربَع بطّاريّات صواريخ من بينها اثنتان تتمركَزان في الكويت، وواحدة في كُل مِن البحرين والأُردن، والهدف هو إعادَة تَموضُعِها لتَكون في مُواجَهةٍ أيِّ خَطَرٍ قادِمٍ مِن الصين وروسيا.
رئاسة هيئة الأركان الكُويتيّة اعترَفت رَسميًّا بسَحب مَنظومَتين من أراضيها، وقال مُتَحدِّث باسمِها أنَّهُما كانا لحِماية القُوّات الأمريكيّة في قاعِدَة الدوحة، وأنّ هَذهِ العمليّة تَمَّت بالتَّنسيقِ معها، مُؤكِّدةً، أي هيئة الأركان الكويتيّة، أنّ منظومة صواريخ الباتريوت الكويتيّة تُؤمِّن الحِماية والتَّغطية الكامِلة للحُدود الجُغرافيّة لدَولة الكُويت.
اللَّافِت أنّ المَصادِر الأمريكيّة برَّرت هَذهِ الخُطوة بالقَول أنّ دُوَل الخليج تَمْلُك سِلاحًا جويًّا كَفُؤًا ويَتفوَّق على نظيره الإيراني، ولكن هذا التَّبرير غير دَقيق، لأنّ الخَطَر على الدُّوَل الخليجيّة لا يأتِي من الطَّائِرات الإيرانيّة القَديمة التي يزيد عُمُرها عن أربعين عامًا (إف 5) والتي تعود إلى أيّامِ حُكم الشَّاه تَحديدًا، وإنّما من القُدُرات الصاروخية الإيرانيّة، ومِن المَعروفِ أنّ صواريخ “الباتريوت” مُؤَهَّلةٌ لمُواجَهَتِها أيضًا.
الرئيس ترامب “عايَرَ” دُوَل الخليج أكثَرَ مِن مَرَّةٍ بأنّ بِلاده قدَّمت لها حِمايةً مجّانيّةً لعُقودٍ لَعِبَت الدَّور الأكبَر في بِقائِها، وأنّ عليها أن تَدفَع ثَمَن هَذهِ الحِماية، فهَل هَذهِ الخُطوة تأتِي تنفيذًا للتَّهديداتِ بوَقفِها، أم للمَزيد مِن الابتزازِ الماليّ؟
رُبّما تكون الكويت دَولةً “غنيّةً” وقادِرةً على شِراء منظومات صواريخ “باتريوت”، ولكن الحال ليسَت كذلك بالنِّسبةِ إلى البحرين والأُردن، وإذا كانَت بطّاريّات الصَّواريخ هَذهِ مَوجودة لحِمايَة القُوّات الأمريكيّة، فإنّ سَحبَها يُمكِن أن يُؤشِّر إلى وجود خُطَطٍ مُستَقبَليّةٍ لسَحبِ القُوّات الأمريكيّة في الخليج أيضًا، لأنّه من غَيرِ المَنطقيّ أن تظل دُونَ حماية، وخاصَّةً في دَولةٍ مِثل البحرين، توجد فيها قاعِدَة بحريّة يتَّخِذها الأُسطول الخامِس الأمريكيّ مَركَزًا دائِمًا له.
صحيح أنّ دولة البحرين أنفَقت حَواليّ 12 مِليار دولار لشِراء طائِرات “إف 16” بضَغطٍ من الرئيس ترامب، ولكن مصادِرها الماليّة المَحدودة، وارتفاع العَجز في ميزانيّتها العامّة، وتَراجُع الدَّعم الماليّ السعوديّ والخليجيّ لها، ربّما لا تُؤهّلها لشِراء منظومات صواريخ “باتريوت” لحِمايَة أجوائِها، والقُوّات الأمريكيّة المُرابِطة على أراضيها أيضًا، والشَّيء نفسه يَنطبِق على الأُردن التي يَصِل دينها العام إلى 40 مليار دولار، أو ما يُعادِل 97 مِن إنتاجِها المحليّ العام.
سحب الولايات المتحدة لبَطّاريّات صواريخ “الباتريوت” من تركيا أثناء أزمتها مع روسيا على أرضيّة إسقاط طائرة سوخوي روسيّة في عام 2015 قُرب الحُدود السوريّة، إلى جانِب أسبابٍ أُخرَى، أدَّى إلى تَوتيرِ العلاقات بين البَلدين وتوجه الرئيس رجب طيٍب أردوغان لشِراء منظومة “إس 400” الروسيّة الأكثَر كفاءةً، فهل ستَفعل دُوَل الخليج، أو بعضها، الشَّيء نفسه في المُستَقبل المَنظور؟
الدُّوَل الخليجيّة الغنيّة مِثل السعوديّة والإمارات وقطر أنفقت عَشَرات المِليارات مِن الدُّولارات لشِراء طائرات “إف 16″، و”إف 15” الأمريكيّة لتَعزيزِ سِلاحِها الجويّ، ولشِراء منظومات صواريخ “باتريوت” أيضًا، ولكن دولة مِثل البحرين لا تستطيع مُجاراتِها في السِّباق نَفْسِه.
لا نَستغرِب أن تكون هَذهِ الخُطوة الأمريكيّة جاءت لمُمارَسة المَزيد مِن الضُّغوط على دُوَل الخليج لشِراء المزيد من الصواريخ والطائرات ليس لحِمايَة أجوائها، وإنّما القُوّات الأمريكيّة المُتواجِدة على أراضيها كثَمنٍ للحِمايةِ الأمريكيّة، ولا نَستبعِد أيضًا أن تكون واشنطن بصَدد التخلي عن هَذهِ الدُّوَل الحليفة أيضًا، فهُناك سَوابِق أمريكيّة عَديدة في هذا المِضْمار.
الرئيس المِصري السابق حسني مبارك، وهو الذي غير معروف ببلاغَتِه، وأقوالِه المَأثورة، كانَ مُصيبًا عِندما قال عَبارَته المَشهورة “المِتغطِّي بالأمريكان عَريان”، ولعَلَّ تخلِّي الأمريكيين عنه، عِندما احتاجهم بشِدَّة، وفي اللَّحَظات الحاسِمَة، وتَركِه يُواجِه السُّقوط، جَعَلَ هَذهِ العِبارة الأبْلَغ التي وردت على لِسانِه، لمُدَّةِ حُكمِه التي زادَت عن ثلاثين عامًا، ويُمكِن أن تكون دَرْسًا لحُلَفاء أمريكا في مِنطَقة الخليج.. فمَا يَهُم أمريكا هُوَ أمن إسرائيل فقط.. واللهُ أعْلَم.
“رأي اليوم”