"ستراتفور": هل تستطيع الإمارات والسعودية كسر الحياد العماني؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
غالبا ما يتم وصف سلطنة عمان بأنها دولة "خاملة"، وذلك لأنها اختارت أن تكون على الحياد تقريبا في كل حرب شرق أوسطية كبيرة، منذ حصولها على الاستقلال عام 1971.
ومدعومة بسمعتها بالحياد، مارست عمان دبلوماسية فعالة بين القوى العظمى، بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية، مما سمح لها بأن تصبح ودية تجاه الجميع.
لكن ذلك قد يكون على وشك التغيير، فالسعودية الأكثر حزما، بقيادة ولي العهد "محمد بن سلمان"، وأبوظبي العدائية، بقيادة ولي العهد الطموح "محمد بن زايد"، يحاولان استغلال أي فرصة لإجبار مسقط على تبني سياسات تتماشى بشكل وثيق مع سياساتهما الخاصة.
ولدى كل من الرياض وأبوظبي فرصة لتحدي الحياد العماني، مستفيدتان من ذروة العلاقات الجيدة مع واشنطن. ولكن لتحقيق النجاح، يجب أن تكون استراتيجية دول الخليج الكبرى خفية، وهناك طرق مختلفة قد تسمح لمسقط بالمقاومة.
موازنة عمان
وعلى الحافة الجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية، تقع عمان، التي تعد أقدم دول مجلس التعاون الخليجي. وبفضل موقعها على طرق التجارة بين الشرق والغرب، تتمتع عمان بقرون من الخبرة في الموازنة بين القوى العظمى والإمبراطوريات، سواء العثمانية أو البرتغالية أو البريطانية أو الفارسية ضد بعضها البعض، للحفاظ على هويتها واستقلالها الفريدين.
وقد منحها صغر حجمها، وقاعدة مواردها الصغيرة نسبيا مقارنة بجيرانها السعوديين والإماراتيين، اقتصادا متوسط الحجم. وقد يحد ذلك من طموحات عمان، لكنه كان كافيا للحفاظ على عقدها الاجتماعي.
وتولى السلطان "قابوس بن سعيد" حكم السلطنة منذ عام 1970، في نفس توقيت خروج المملكة المتحدة من الخليج العربي. وخاض في أعوامه الأولى معركة مع المتمردين الشيوعيين في ثورة "ظفار"، التي استمرت بين عامي 1962و1975، وعمل باجتهاد لتوحيد المقاطعات الداخلية المضطربة في السلطنة.
وكنتيجة لنشاط السلطان، أصبحت عمان خالية من المخاطر، وتحولت إلى واحة للاستقرار. ومنذ ذلك الحين امتنعت مسقط عن الانحياز لأي طرف كلما كان ذلك ممكنا، وهو الموقف الذي مكن السلطنة من أن تصبح محاورا وسيطا بين السعودية وإيران والولايات المتحدة.
تكاليف الحياد
ومع ذلك، فإن الالتزام العام بالحياد كان يعني إبقاء جيران عمان في حالة من الاستياء. ولقد أعاقت سلطنة عمان باستمرار الجهود السعودية الإماراتية الرامية إلى إنشاء مجلس تعاون خليجي أكثر تشددا، بل إنها قتلت مقترحا عام 2013 لتشكيل اتحادٍ خليجي.
كما رفضت مسقط الانضمام إلى جيرانها الخليجيين الأقوياء في فرض حصار على الدوحة العام الماضي، واختارت بدلا من ذلك الاحتفاظ بصلاتها مع قطر، والحفاظ على علاقاتها التجارية والدبلوماسية السليمة مع إيران.
كما اتهم مسؤولون سعوديون وإماراتيون مسقط بالإفراط في التعامل الودي مع الحوثيين في اليمن، حتى في الوقت الذي استخدمت فيه عمان اتصالاتها مع المجموعة المتمردة لتسهيل المفاوضات بينها وبين التحالف الذي تقوده السعودية؛ بهدف إعادة تثبيت حكومة "عبد ربه منصور هادي".
كما تتنافس عمان والإمارات على النفوذ في محافظة "المهرة" شرقي اليمن، وهي منطقة نفوذ عمانية حصرية تحولت لساحة للمنافسة بعد التدخل الإماراتي في الحرب اليمنية الحالية.
المزيد من الضغوط
وترغب كل من الرياض وأبوظبي في أن تكون مسقط أكثر مرونة تجاه مصالحهما الإقليمية في مجموعة متنوعة من القضايا. وبالنسبة للقوتين الإقليميتين، ينبغي على سلطنة عمان أن تبدي استعدادا أكبر لوقف التجارة مع إيران، وإغلاق طرق التهريب إلى الحوثيين، وممارسة الضغط على قطر، والمشاركة في جهودهما الرامية إلى إقناع دول الخليج الأخرى للقيام بذلك.
وبفضل نفوذهما المتزايد في البيت الأبيض الحالي، قد تحاول الرياض وأبوظبي إقناع واشنطن بأن مسقط هي الحلقة الضعيفة في الاستراتيجية الأمريكية المعادية لإيران، لأن البلاد تسمح للحوثيين بالحصول على الأسلحة، وتسمح لإيران بالالتفاف على العقوبات والحصار بالتجارة عبر أراضيها.
ويمكنهم أيضا إثارة أسئلة حول ولاء عُمان للأهداف الإقليمية للولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته، قد تفرض واشنطن عقوبات على الشركات العمانية أو الأفراد أو المسؤولين العمانيين الذين لا يتعاونون مع الاستراتيجية المناهضة لإيران.
ولكن إذا نجحت عمان في تحييد العامل الأمريكي، كما فعلت قطر، فقد يكون لدى السعودية والإمارات خيارات أخرى. ويمكن لأبوظبي أن تضغط على المواطنين العمانيين والشركات، سواء داخل الإمارات نفسها التي تعد أكبر شريك تجاري لسلطنة عمان، أو خارجها.
وقد تشمل هذه المضايقات الخفيفة بطء توزيع التأشيرات، والانتظار لفترات أطول على الحدود، وعمليات تفتيش متطفلة للشركات العمانية داخل الإمارات.
ويمكن للعمانيين الذين يعملون لحساب الحكومة الإماراتية أن يجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل فجأة، حيث استخدم الإماراتيون في السابق تسريح العمال كوسيلة للتعبير عن الاستياء السياسي مع حكومات معينة.
كما تمتلك السعودية والإمارات أدوات أخرى تحت تصرفهما. فبالإضافة إلى مشاركتهما في إنشاء صندوق استثماري للسلطنة، استثمر السعوديون 210 مليون دولار في مشروع ميناء عمان الرئيسي في "الدقم"، في حين استثمر الإماراتيون في الموانئ العمانية في صحار وصلالة.
ولتغيير سلوك السلطنة، يمكن للقوتين الخليجيتين تجميد الاستثمارات أو تأخير التحويلات النقدية. وعلى العكس من ذلك، يمكن أن تضيف الدولتان المزيد من صناديق الاستثمار كدافع لإقناع مسقط بالتحول عن مسارها.
وأخيرا، قد تكون هناك محاولات للتأثير على عملية خلافة السلطان نفسه. فمع ما يتردد حول أن السلطان "قابوس" في حالة صحية سيئة، ووسط عدم الوضوح بشأن نقل السلطة، قد تستخدم الرياض وأبوظبي استخباراتهما، والارتباطات مع الديوان الملكي هناك، للتأثير على عملية الخلافة.
ومع قائمة قصيرة من الخلفاء المعروفين بالفعل، يمكن للدولتين الضغط في هذا الملف. ويمكن لأفراد العائلة تجاهل مثل هذه المكائد، لكنهم بذلك يخاطرون بتعيين زعيم يصبح هدفا لأكبر جيران عمان.
خيارات السلطنة
وفي مواجهة الضغوط المتزايدة، من المرجح أن تغير عُمان موقفها في عدد من القضايا. ويمكنها مكافحة عمليات التهريب لحركة الحوثيين في اليمن، أو على الأقل تقديم عرض علني للقيام بذلك.
وبدلا من ذلك، قد تتخذ مسقط خطوات لتقليل التجارة الإيرانية عبر موانئها، حتى لو لم تلغ هذه التجارة تماما (خاصة إذا كانت التجارة أو الاستثمارات الإماراتية أو السعودية تعوض عن الخسائر التي تتكبدها الشركات العمانية إذا قطعت التجارة مع إيران).
علاوة على ذلك، يمكنها أيضا إدارة عملية الخلافة لضمان أن يأتي السلطان التالي بمباركة الرياض وأبوظبي.
ومع ذلك، قد لا تكون عُمان ضعيفة كما تأمل السعودية والإمارات. وعلى عكس قطر، فهي ليس لديها قناة الجزيرة، التي أزعجت الحكومات الإقليمية، ولا يمكن اتهامها بأنها تستضيف الإخوان المسلمين، وهو المبرر الأقوى الذي كانت الرياض وأبوظبي تبرزانه أثناء محاولتهما إقناع الولايات المتحدة بالوقوف إلى جانبهما.
علاوة على ذلك، يتمتع السلطان "قابوس" بروابط شخصية مع القادة الرئيسيين في الغرب.
وفيما يتعلق بالاستثمار، أثبتت البلاد أنها تحظى بميزة في الحصول على استثمارات أجنبية مباشرة من دول أخرى، بما في ذلك الهند والصين، ويعني هذا أن الرياض وأبوظبي قد تدفعان بمسقط إلى أحضان خصومهما إذا اتخذتا خطوات أكبر للضغط.
علاوة على ذلك، من المرجح أن ترى الولايات المتحدة قيمة في الحياد العام لسلطنة عمان، بمعنى أنه من غير المحتمل أن تنجح السعودية والإمارات في تكرار حصارهما القطري ضد عمان.
وبينما يضغط جيران عمان في الخليج بثقلهم على السلطنة في محاولة للقضاء على مسارها المستقل، من المرجح أن تتخلى مسقط عن بعض الأسس التي تجلب تلك الضغوط، لكن حتى في تقديم تنازلات لجيرانها الخليجيين، فإن عمان ستضمن حماية سيادتها الكلية من خلال صناعة توازن جيوسياسي جديد.
المصدر | ستراتفور