يوم أمس، كانت محافظة صعدة، التي نالت كفايتها من آثار العدوان منذ اندلاعه في آذار/ مارس 2015، على موعد مُتجدد مع المذبحة. أكثر من مئة يمني، معظمهم أطفال، كانوا في طريقهم إلى مقرّ دورة صيفية في مدينة ضحيان، سقطوا ما بين قتيل وجريح بغارات لطيران «التحالف» على سوق ضحيان. آخر حصيلة حتى مساء أمس أشارت إلى 50 قتيلاً ما يزيد على نصفهم من الأطفال الذين لا يفوق عمر أكبرهم 13 سنة، و77 جريحاً. لم تنكر السعودية مسؤوليتها عن الغارات التي وقعت لحظة توقف السائق لابتياع ما يروي به عطشه، لكنها تجرّأت على وصف الضحايا بأنهم «هدف عسكري مشروع». منطق مقلوب ليس مستغرباً على «التحالف» الذي كان الناطق السابق باسمه، أحمد عسيري، برّر استهداف المدارس بأن «ميليشيات الحوثي» تستخدمها لتجنيد الأطفال. وها هو خَلَف عسيري، تركي المالكي، يدافع عن مذبحة ضحيان بالقول إن «الميليشيات الحوثية تتخذ الأطفال أدوات وغطاءً لأعمالها الإرهابية»، وإن من كانوا على متن الحافلة التي استهدفها القصف هم من «المخططين والمشغلين لإطلاق الصواريخ» على السعودية. ومن أجل إضفاء صدقية على تلك الادعاءات، عمدت القنوات الإعلامية السعودية إلى الترويج لأسماء «قادة ميدانيين» زعمت أنهم قُتلوا في الغارات، وهم «المسؤول عن التجنيد والمتهم بتدريب صغار السن وإرسالهم لجبهات القتال علي صالح فايع، وأحد أبرز المدربين على الأسلحة والرماية محمد عبد الله ستين، ومدرب القناصة أبو العز المراني».
نفت مصادر في صنعاء سقوط أيّ من قيادات «أنصار الله» في الغارات
لكن مصادر مطلعة في صنعاء نفت، في حديث إلى «الأخبار»، أن يكون أي من قيادات «أنصار الله» العسكرية أو المدنية قد قُتل أو جُرح بفعل هجوم صعدة، موضحة أن من سقطوا من الراشدين هم إما من أصحاب المحال التجارية والباعة في سوق ضحيان، وإما من المعلمين والكوادر التربوية الذي كانوا برفقة الأطفال، واصفةً ادعاءات «التحالف» في هذا الإطار بأنها جزء من «عمليات التضليل» التي اعتادتها السعودية والإمارات، والتي كانت آخر تجلياتها (قبل مذبحة ضحيان) الادعاء بمسؤولية «أنصار الله» عن مجزرة مستشفى الثورة وسوق السمك في الحديدة أواخر الأسبوع الماضي. تضليل لم يدفع، هذه المرة، «ثلث البشرية» الذي قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أمس إنه وقف مع بلاده ضد كندا، أو ما يزيد أو ينقص، إلى التغطية على الجريمة السعودية الجديدة. إذ أجمعت المنظمات الدولية الإنسانية، وفي مقدمها «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» و«منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسيف) و«منظمة الصحة العالمية» و«المجلس النرويجي للاجئين» و«أنقذوا الأطفال» و«أطباء بلا حدود»، على إدانة المجزرة «الغريبة والمخزية والمعبّرة عن استخفاف صارخ بقواعد الحرب»، وتحميل «التحالف» المسؤولية عنها، والدعوة إلى تحقيق «كامل وفوري ومستقل» فيها. حتى الولايات المتحدة، الشريك الغربي الأول للسعودية في عدوانها على اليمن، لم تستطع إيجاد مسرب يمكن من خلاله الدفاع عن الرياض، وحقها في «محاولة القضاء على بعض اللاعبين السيئين» كما كانت تقول قبيل ساعات من جريمة صعدة، فدعت على لسان الناطقة باسم وزارة خارجيتها هيذر نويرت، «التحالف»، وحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، إلى التحقيق في الهجوم.
دعوة لا تهزّ الاعتقاد الراسخ لدى «أنصار الله» بأن «أميركا وبريطانيا تتحمّلان مسؤولية هذه الجريمة وسابقاتها من الجرائم التي تُرتكب بسلاحهما» وفق ما أكد رئيس «اللجنة الثورية العليا» محمد علي الحوثي، الذي اعتبر مذبحة ضحيان دليلاً على أن «قيادة تحالف العدوان ترفض السلام»، جازماً أن «جرائم العدوان لن تزيد الشعب اليمني إلا تماسكاً وصموداً». وهو ما شدّد عليه أيضاً الناطق باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام، بعد وصفه تبريرات «التحالف» لمجزرة صعدة بأنها «قمة السخف والسقوط... وقبح يُضاف فوق الجريمة». على أن أكثر ما بدا لافتاً من بين ردود صنعاء على الجريمة، والتي سُجّل ضمنها أيضاً بيان المكتب السياسي لـ«أنصار الله» الذي توعّد «التحالف» بـ«ردّ قاس»، إصدار وزارة الدفاع في حكومة الإنقاذ هي الأخرى بياناً دانت فيه المجزرة، مؤكدة أن «وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة لن تترك مثل هذه الأعمال الجبانة والمدانة تمرّ من دون عقاب مضاعف في الزمان والمكان اللذين تراهما مناسبين»، ما يعني أن الرد العسكري على هجوم صعدة «آتٍ حتماً» وفق ما تقرأ مصادر في صنعاء في بيان «الدفاع».