«منتدى الخليج الدولي»: «الهلال الشيعي».. حقيقة أم دعاية للحرب؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
يعود الفضل إلى الملك «عبدالله» ملك الأردن في مصطلح «الهلال الشيعي» عام 2004، في وصف ما اعتبره ظهور التهديد الإيراني الجديد والمتزايد في المنطقة بعد سقوط «صدام حسين». وكدليل على ذلك، ألمح إلى «حزب الله» في لبنان، وإلى العلاقة المريحة بين طهران وسوريا، حيث كانت الأخيرة من بين الدول العربية القليلة جدا التي دعمت إيران في حربها مع العراق. ولاستكمال الصورة، توقع الملك «عبدالله» أن تصبح العراق دولة تابعة لإيران بعد سقوط الديكتاتور العراقي.
ويبدأ قوس الهلال المزعوم من طهران ليضم مملكة البحرين الخليجية الصغيرة والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية مارا بالعراق إلى سوريا ولبنان نحو البحر الأبيض المتوسط.
الربيع العربي
ولعدة أعوام، لم يلفت هذا المصطلح إلا القليل من الاهتمام، حتى عندما انفجر العنف الطائفي في العراق بين الميليشيات السنية والشيعية المتنافسة، ولكن مع قدوم الربيع العربي أصبح «الهلال الشيعي» رمزا قويا.
وتخشى الأسر الحاكمة في الخليج من أنه في حال اكتسبت مطالب الإصلاح الشعبية أي جاذبية، فإنها قد تواجه أيضا مصير الثلاثي الديكتاتوري في شمال أفريقيا، التونسي «بن علي»، والليبي «معمر القذافي»، والمصري «حسني مبارك». وبشكل غير مفاجئ، سارعت هذه الدول إلى احتضان وتبني الحديث حول تهديد «الهلال الشيعي».
وفي البحرين، حيث تخضع الأغلبية الشيعية لعائلة مالكة سنية، تم التعامل مع احتجاج ديمقراطي شعبي سلمي إلى حد كبير على أنه تمرد تقوده إيران وتم قمعه بالقوة. وفي المنطقة الشرقية الغنية بالنفط حيث تقطن الأغلبية الشيعية في المملكة العربية السعودية، قوبلت دعوات مماثلة من أجل الحقوق الديمقراطية بقمع قاسٍ، بسبب الادعاء والافتراض بأن إيران هي التي دفعت ذلك، وليس التمييز والقمع من قبل «آل سعود».
ومن جانبهم، تلقى الإسرائيليون والأمريكيون المسمى الرمزي للهلال الشيعي بحماس كبير. ومن وجهة نظر «بنيامين نتنياهو» وإدارة «ترامب»، فإن الاتفاق النووي مع إيران، كانت بمثابة الهبة التي مكنت الإيرانيين من تعزيز نفوذهم الجيوسياسي، في الوقت الذي كانوا يزعمزن فيه قبول قيود على طموحهم في الحصول على أسلحة نووية. وهكذا، كان قرار «ترامب» بتمزيق الاتفاق ضربة قوية موجهة إلى «الهلال الشيعي»، كما وصفه «نتنياهو» بشكل معلن.
مغالطة الهلال الشيعي
ويقول الافتراض الأساسي، إن الهلال الشيعي هيكل متناغم يمنح إيران ميزة عسكرية ضخمة ويعرّض جيرانها العرب و(إسرائيل) لتهديد وجودي عميق، ومع ذلك، تتمثل المغالطة الأولى والأكثر إثارة للدهشة في أن هذه الأطروحة تتجاهل المشاعر الوطنية وتطلعات السياسة الداخلية والخارجية للبلدان التي يقال إن «الهلال» يمر بها.
وبالنظر إلى العراق والانتخابات التي جرت هناك مؤخرا، جمعت كتلة «مقتدى الصدر» السياسية، قائمة «سائرون»، 54 مقعدا، وهو أكبر عدد في البرلمان العراقي المتصدع والممزق. وحصلت كتلة «الفتح» المدعومة من إيران، بقيادة «هادي العامري»، على 47 مقعدا، مع حصول الكتلة التي يتزعمها رئيس الوزراء الحالي «حيدر العبادي» على 42 مقعدا.
ولقد بنى «الصدر» شعبيته متجاوزا الخطوط الطائفية ومناشدا الناخبين الشيعة والسنة الساخطين الذين سئموا الحكومة التي فشلت في تحقيق مجموعة واسعة من الوعود بشأن الأمن والبطالة، ووعد بتقديم الخدمات الأساسية والإسكان ميسور التكلفة. ويتسم العراقيون، سواء كانوا من السنة أو الشيعة، بأنهم أشخاص متفاخرون بقوميتهم ومستقلون بشدة. وفكرة أنهم مدينون لإيران تثير حنقهم. ونجح «الصدر» في لعبته بالورقة القومية، وفاز بها.
وبالمثل، فمن غير المرجح أن يلتزم «بشار الأسد» بالنهج الإيراني على طول الخط رغم أنه يدين ببقائه لدعمها العسكري، لكن هذا الدعم لا يعطي إيران تفويضا مطلقا خاصة في بعض الأمور مثل مهاجمة (إسرائيل). ويحتاج «الأسد» إلى تعزيز مكاسبه وتعزيز مطالبته بالبقاء في السلطة إذا تم الوصول إلى اتفاق سلام في نهاية المطاف في سوريا. ولن يرغب في استفزاز الإسرائيليين، بل يريد العودة إلى سيناريو ما قبل الربيع العربي، حيث يتركه الإسرائيليون في سلام، مقابل عدم استخدام القوة في المطالبة بمرتفعات الجولان.
وتعد لبنان قصة مختلفة. حيث يتجذر «حزب الله» بشدة في البنية العسكرية والاقتصادية والسياسية للدول، لكن مرة أخرى، يجب ألا نفترض أن «حزب الله» اللبناني يقف على نفس الخط تماما مع إيران. حيث يجب عليه أن يعترف بالبيئة المحلية التي يعيش فيها. وإذا استمرت إيران، كما يزعم الإسرائيليون، في إنشاء مصانع للصواريخ في لبنان، فسيكون «حزب الله» هو من يدفع الثمن محليا. وعندما يصبح هذا الثمن مرتفعا جدا، فإنهم سوف يخوضون مسارا مختلفا عن ذلك الذي تدفع إليه طهران.
أداة دعائية
ويعتبر مصطلح «الهلال الشيعي» أداة دعائية مفيدة لضرب طبول الحرب في واشنطن والرياض وتل أبيب. ويبقى الخطر الرئيسي أنه إذا استمر خطاب الحرب، فقد لا تكون هناك فرصة للاستفادة من أي مبادرات دبلوماسية. ونجدر هنا الإشارة لأمرين: الأول هو أن السعوديين فشلوا إلى حد كبير في محاولاتهم العسكرية لهزيمة إيران فيما سمي بالحروب بالوكالة في كل من سوريا واليمن. والثاني هو أن الحاجة الملحة إلى إعادة بناء العراق الذي ضربه الحرب تعطي السعوديين فرصة فريدة، فرصة لا يستطيع الإيرانيون الأكثر تحقيقها. ويمكن للعراق، مع وجود «مقتدى الصدر» في موقع السلطة، وبمساعدة مالية سعودية، أن يبتعد عن مدار إيران. لكن الدبلوماسية والقوة الناعمة سوف تذهب سدى إذا ما أبقى السعوديون والإسرائيليون والأمريكيون على أداة التهديد الحربية المدمرة التي تجعلهم يحتضنون رمزية «الهلال الشيعي» وجعلها دافعهم إلى الأمام.
المصدر | بيل لو - منتدى الخليج الدولي