تفاصيل خطة «بن زايد» و«بن سلمان» للتأثير بالسياسة الأمريكية ومعاقبة قطر
بهاء العوفي
كشفت وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية، عن جهود مارسها اللوبي الإماراتي السعودي بواشنطن، بقيادة ولي عهد المملكة «محمد بن سلمان»، وولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد» للتأثير في السياسة الخارجية الأمريكية ودفعها نحو العمل على معاقبة قطر.
وفي تقرير نشرته الوكالة أمس الإثنين، تحت عنوان «الأمراء والرئيس والباحثون عن الثروة»، ذكرت أن «إيليوت برويدي»، أحد كبار جامعي التبرعات لحملة الرئيس «دونالد ترامب»، يعتقد بعد قضاء عام إلى جوار إثنين من أمراء الخليج (بن زايد وبن سلمان)، أنه أصبح قريبا من الحصول على أكثر من مليار دولار من الصفقات.
ووفق الوكالة، فإن «برويدي» وشريكه في العمل، اللبناني المرتبط بالإمارات «جورج نادر»، عملا كقناة خلفية داخل البيت الأبيض لصالح «بن سلمان» و«بن زايد»، من خلال كيل المديح بهما مباشرة إلى آذان الرئيس «دونالد ترامب».
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان برويدي ينتظر المكافأة على كل عمله مقابل تعزيز السياسات المناهضة لدولة قطر على أعلى المستويات في الحكومة الأمريكية.
وآنذاك، توقع «برويدي» و«نادر»، عقدا استشاريا ضخما من السعودية والإمارات العربية المتحدة، وفقا لما ذكرته «أسوشيتد برس» استنادا إلى مقابلات مع أكثر من 24 شخصا ومئات الصفحات من رسائل البريد الإلكتروني بين الرجلين.
مشروع قانون بالكونغرس
وسعا الرجلان، وفق التقرير، إلى الحصول على مشروع قانون في الكونغرس مناهض لدولة قطر، وحصلت الوكالة على مجموعة جديدة من رسائل البريد الإلكتروني التي تكشف جهدا سريا من أجل عزل الدوحة وتقويض علاقة البنتاغون الطويلة مع الدولة الخليجية.
وفيما شكك محامي شركة برويدي، «كريس كلارك»، في معلومات الوكالة، قالت «أسوشيتد برس»، إنها أجرت مراجعة شاملة لرسائل البريد الإلكتروني والوثائق، والتحقق من محتواها مع عشرات المصادر، وتتبعت عن قرب الأحداث الحقيقية، بما في ذلك الجهود المبذولة للترويج للأميرين والضغط على الكونغرس والبيت الأبيض.
كما تكشف الإيميلات الجديدة عن اجتماع سابق لم يتم الإبلاغ عنه مع «ترامب»، وعن عمل اثنين من داخل دائرة القرار ممن تورطوا بالتحقيقات الجنائية الأقرب إلى الرئيس الأمريكي.
وبينما رفضت محامية «نادر»، «كاثرين رويملر»، التعليق، أكد مسؤول سعودي رفيع المستوى أن الحكومة أجرت مناقشات مع «نادر» لكنه، قال إنها لم توقع أي عقود معه.
وكشفت الوكالة الامريكية، ان «برويدي ونادر لم يسجلا في حكومة الولايات المتحدة بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، وهو قانون يهدف إلى جعل جماعات الضغط تعمل لصالح الحكومات الأجنبية تكشف عن روابطها وأنشطتها السياسية المحددة، ويشترط القانون على الناس أن يسجلوا أنفسهم حتى لو لم يتلقوا رواتبهم ولكنهم يديرون فقط مصالح أجنبية بمهام سياسية».
وانتهاك هذا القانون الاتحادي يعاقب بغرامة بحد أقصى عشرة آلاف دولار أو السجن لمدة تصل إلى 5 سنوات.
وبرر «برويدي» على أنه غير ملزم بالتسجيل، بالقول إن حملته المناهضة لدولة قطر لم تكن موجهة من عميل أجنبي وجاءت بالكامل بمبادرته الخاصة، لكن الوثائق تبين أن الضغط كان متشابكا مع السعي إلى إبرام العقود منذ البداية، وشمل مهاما سياسية محددة تم تنفيذها لصالح وليي عهد السعودية والإمارات التي تم إدراج بلديهما كـ«عملاء» لحملة الضغط في جدول بيانات من شركة برويدي «سيرسينوس ل ل سي».
وأشارت الوكالة إلى ملخصات كتبها «برويدي» عن اجتماعين مع «ترامب» – لم يتم الكشف عن أحدهما من قبل – تفيد بأنه كان ينقل رسائل إلى الرئيس من وليي العهد السعودي والإماراتي وأنه أخبر «ترامب» أنه كان يبحث عن عمل معهما.
وبحلول شهر ديسمبر/كانون أول من العام الماضي، كان الشركاء نجحوا في حملتهم لخلق ضجة مناهضة لقطر في واشنطن.
ووفق الوكالة، سعى «برويدي» للحصول على المكافأة، وكان حريصا على جمع الدفعة الأولى وهي 36 مليون دولار نظير اتفاق مع الإمارات لجمع المعلومات، وكان من المفترض أن تسير الأمور بسلاسة لولا تعيين «روبرت مولر» كمستشار خاص للنظر في مزاعم التدخل الروسي في انتخابات عام 2016.
و«برويدي»، الذي كسب ثروة في الاستثمارات، كان رئيسا ماليا للجنة الوطنية للحزب الجمهوري من عام 2006 إلى عام 2008، ولكن عندما قرر صندوق تقاعد حكومي في ولاية نيويورك استثمار 250 مليون دولار معه، وجد المحققون أنه قام بتقديم هدايا لمسؤولين حكوميين بحوالي مليون دولار، في حين جمع 18 مليون دولار في رسوم الإدارة، وفي عام 2009، اعترف «برويدي» بتهمة تقديم الرشاوى.
أما «نادر»، فتلاحقه اتهامات الاعتداء الجنسي على الأطفال، وبصفته مهاجرا لبنانيا شابا إلى الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن العشرين، سرعان ما سوّق نفسه كمشغل مستقل قوي، حيث أسس مجلة سياسية أطلق عليها اسم Middle East Insight وبحلول التسعينات من القرن الماضي، كان قد ارتقى كلاعب وراء الستار، حيث أقام حفلات عشاء جمعت الشخصيات الإسرائيلية والعربية مع مسؤولين ومشرعين أمريكيين.
وفي مايو/أيار 2003، أدين «نادر» في جمهورية التشيك بعشر تهم تتعلق بالإيذاء الجنسي للقاصرين وحكم عليه بالسجن لمدة عام في براغ، ثم تم طرده خارج البلاد.
ويعيش «نادر» أيضا في الإمارات العربية المتحدة، ويعمل مستشارا للشيخ «محمد بن زايد»، ولي عهد أبوظبين وكانت الاتصالات بينهما وكذلك عقدهما اجتماعين قبل انتخاب «ترامب» أحدهما في جزر سيشيل، والثاني في «برج ترامب» بنيويورك، مثار اهتمام المحققين الأمريكيين بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات.
إنفاق ملايين الدولارات
وبينت الوكالة أن خلاصة عمل «برويدي» و«نادر»، منذ البداية، كانت القيام بحملة ضد قطر من شأنها أن تثير إعجاب «بن سلمان» و«بن زايد»، والاستفادة من ذلك بالفوزر بملايين الدولارات في الصفقات الدفاعية، حسبما تظهر الوثائق.
ومن بين الوثائق التي كشفتها الوكالة، أنه في 7 فبراير/شباط 2017، كتب «برويدي» إلى أحد الموظفين لدى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب حول مشروع قانون يهدف إلى فرض عقوبات على قطر بسبب دعمها المزعوم للجماعات الإرهابية.
وفي اليوم التالي، أرسل «برويدي» أسئلة لنادر حول عقد محتمل مع المملكة العربية السعودية لتدريب القوات العربية للقتال في الحرب المتصاعدة في اليمن.
وبعد ذلك بالفعل، اقترح «برويدي» و«نادر» خططا متعددة للأمراء مقابل أكثر من مليار دولار، وكان أحد العروض هو المساعدة في إنشاء قوة مقاتلة مسلمة تضم 5000 جندي.
وكان الهدف الثاني هو مساعدة الإمارات على جمع المعلومات الاستخبارية، والثالث سيعزز الأمن البحري والحدودي السعودي، ولا يزال هناك صلة أخرى بإقامة مراكز لمكافحة الإرهاب في المملكة العربية السعودية.
وفي مذكرة إلى «برويدي»، قال «نادر» إن الأمراء سعداء للغاية بالعقود المقترحة، خاصة ولي عهد أبوظبي.
كما توضح رسائل البريد الإلكتروني بينهما، أنهما اقترحا ميزانية تزيد على 12 مليون دولار لـ«معاقبة» قطر واقناع الولايات المتحدة للضغط عليها «للمساعدة في العمل ضد إيران».
وكان جوهر خطتهم هو إظهار دليل على أن قطر كانت قريبة جدا من إيران ودعمت الجماعات الإسلامية، بما في ذلك جماعة «الإخوان المسلمون»، وعتمدا في ذلك على أن إيران هي المنافس الإقليمي الرئيسي للسعودية وعلى الجانب الآخر من الحرب في اليمن.
أيضا عملا على إقناع الحكومة الأمريكية بفرض عقوبات على قطر ونقل قاعدة عسكرية رئيسية من الدوحة إلى موقع آخر في الخليج، وقال «برويدي» إنه كان لديه خطا مباشرا مع وزير الخزانة الأمريكي «ستيفن منوشين»، حيث أن الوزارة لها قوائم عقوبات وتحدثها.
وتعد قاعدة العديد الجوية خارج الدوحة من الأصول العسكرية الأمريكية الهامة في الشرق الأوسط، إنها قاعدة التشغيل الأمامية للقيادة المركزية الأمريكية وتستضيف حوالي 10 آلاف جندي أمريكي – وهو ترتيب جيوسياسي يود منافسو قطر الخليجيون تغييره.
وفي خضم التصدعات في الخليج، فإن القاعدة هي العامل الرئيسي لقطر للحفاظ على نفوذها في واشنطن، ومن غير المحتمل أن تكون حكومة الولايات المتحدة قادرة على تحريك قاعدتها الحاسمة في الخليج، وفق الوكالة.
تاريخ السعودية والإمارات
وبحسب «أسوشيتد برس»، كان تلميع صورة السعوديين والإماراتيين أمرا صعبا، فالمملكة العربية السعودية لديها تاريخ من التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، والعديد من الأمريكيين لا يزالون يربطون البلاد بهجمات 11 سبتمبر، ومن بين المهاجمين الـ 19، كان 15 من السعودية، واثنان من الإمارات العربية المتحدة.
وسجل الإمارات ليس أفضل، ففي العام الماضي، كشفت «أسوشيتد برس» أن الإمارات كانت تدير سجونا سرية في اليمن، حيث قام جنودها بتعذيب السجناء – بما في ذلك، في بعض الحالات، ربطهم وتحميصهم على لهب النار.
ورغم توثيق تحويلات مالية إماراتية وسعودية للشخصين، الذين قاما أيضا بحملة إعلامية كبيرة ضد قطر في الولايت المتحدة، إلا أنه في النهاية، فقدت خطتهما زخمها، ودعا وزير الخارجية الأمريكي الجديد «مايك بومبيو» خلال رحلة إلى الخليج إلى وضع حد للأزمة الخليجية التي بدأت قبل نحو عام.
والأسبوع الماضي، اضطرت اليعودية للناي بنفسها عن «نادر» و«برويدي»، وقال مسؤول كبير إن ولي العهد أمر بإنهاء «الارتباط مع مثل هؤلاء الأشخاص».
المصدر | الخليج الجديد