المغرب اضطر لدخول بيت الطاعة السعودي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2804
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 ماء العينين لكحل، كاتب وصحافي ومدافع عن حقوق الإنسان من الصحراء الغربية. منذ الثمانينيات، انخرط تلميذاً في الحركة الوطنية الصحراوية من أجل تحرير وطنه المحتل، ثم ناشطاً فاعلاً في الحركة الطلابية الصحراوية، وتمرّس في العمل السرّي خلال فترة التسعينيات، ليشارك برفقة أبناء جيله في إعادة بناء حركة المقاومة من داخل المناطق المحتلة، ما عرّضه للاعتقالات وللاختفاء القسري، قبل أن يضطر إلى الهرب من المطاردة البوليسية المغربية ويلتحق بمخيمات اللاجئين الصحراويين، حيث يقيم منذ عام 2000 ليدافع بقلمه عن قضية شعبه ضد الاستعمار، وضد كل أشكال الهيمنة والإمبريالية الجديدة.
ما قراءتك للاتهام الذي وجهه المغرب إلى إيران، علماً أنّ علاقة الطرفين لم تكن قط على ما يرام، وأن لجبهة البوليساريو القليل جداً من الدعم في المنطقة؟ هل هي هدية للأميركيين والسعوديين، ما يفسّر تبني المغرب دبلوماسية متغيرة تجاه إيران، فيما يحافظ على العلاقات مع الكويت التي عبّر ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة عن دعمه الحق في تقرير المصير؟
تعودنا منذ عقود مثلَ هذه المواقف الدبلوماسية البعيدة كل البعد عن أيِّ حسٍّ سياسي أو منطق من قبل النظام المغربي. ولكن شخصياً أستطيع الجزم بأن الإعلان الغريب من قبل المغرب قطع علاقاته مع إيران في هذا الظرف الذي تتكالب فيه على هذا البلد دول عديدة بقيادة إسرائيل وأميركا، والسعودية ومن يدور بفلكها، هو أمر عادي وغير مفاجئ لمن يعرف حقيقة النظام المغربي العميل إن لم أقل المرتزق، والذي تمكن حتى الآن من البقاء رغم كل الأزمات التي مرّ بها بفضل العطايا والهبات السعودية والإماراتية والحماية الفرنسية ـــ الإسرائيلية والغربية عموماً. في الوضع الحالي، أعتقد أن المغرب قد اضطر اضطراراً إلى دخول بيت الطاعة السعودي بعدما حاول إبداء بعض الشرود عن فلك المملكة السعودية عندما لم يصطف كما ينبغي معها ضد قطر خلال الأزمة التي تعرفون.
وفي هذا السياق لا يجب أن ننسى زيارة الاستشفاء والعملية الجراحية شبه السرية التي أجراها الملك محمد السادس في باريس في شهر نيسان/أبريل الماضي، حيث التقى بكل من محمد بن سلمان وسعد الحريري، ربما بمبادرة من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي أراد إصلاح ذات البين في صف هذه «الزعامات» العربية الحليفة. وأكاد أجزم بأن وليّ العهد السعودي قد أملى على محمد السادس هذا الموقف منذ ذلك الحين، في مقابل تقديم بلاده الدعم للرباط عبر الوساطة لدى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي يمكن القول إنها لا تنظر بعين الرضى إلى ملك المغرب نتيجة دعمه السابق لهيلاري كلينتون أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة. إذن، الصفقة جاهزة: تليين السعودية وفرنسا للموقف الأميركي بخصوص الصحراء الغربية، في مقابل انخراط المغرب غير المشروط في الحملة الإسرائيلية السعودية ضد إيران وسوريا.
أما بخصوص إسرائيل والمغرب، فعلينا أن نتذكر العلاقات الوطيدة والمعروفة إلى حد كبير، التي تربط بين الأسرة الملكية في المغرب والكيان الصهيوني منذ أربعينيات القرن الماضي، والخدمات المتبادلة الكثيرة الذي يُسرّب للرأي العام قليل منها فقط، وأهمها على الإطلاق التعاون الوثيق بين الملك المغربي السابق الحسن الثاني مع الوكالة اليهودية لتهريب عشرات آلاف اليهود المغاربة كمستوطنين لاحتلال فلسطين، ثم التعاون الكبير والمتواصل حتى الساعة بين المخابرات المغربية والموساد، وتسريبات تورط الموساد في التغطية على قتل الحسن الثاني للمناضل المغربي المشهور المهدي بن بركة معروفة للجميع الآن، دون أن ننسى المعلومات المتطابقة من مصادر عديدة إسرائيلية وغربية وعربية حول تسريب الملك الحسن الثاني معلومات دقيقة عن الجيوش العربية في الستينيات، ما مكّن إسرائيل من هزيمة العرب في حرب الستة أيام دون كبير عناء.

الطغمة الحاكمة في المغرب فاحشة الثراء، ويأتي الملك على رأسها
هذه العلاقة المؤسفة أثرت في نظري على اصطفاف الرباط بهذا الشكل المسرحي مع الحلف الصهيوني السعودي ضد إيران، وبطبيعة الحال وجد عباقرة السياسة المغاربة أنها فرصة لإقحام اسم البوليساريو في هذا الخضم، طمعاً منهم بربط حركة التحرير الصحراوية بما يسميه الغرب «الإرهاب»، تماماً مثلما سعت السعودية إلى وسم حزب الله بالإرهاب. إذاً، هذه بعض الأسباب، وربما كان اختيار التوقيت بعد إصدار مجلس الأمن قراره الأخير نهاية الشهر المنصرم الذي دعا فيه إلى إعادة إطلاق المفاوضات بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، يشير إلى أن الرباط أرادت أيضاً التخلص من الانصياع لهذا التوجه الأممي الذي يبدو أنه متأثر بموقف مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد، جون بولتون، الذي لا يؤمن بالأمم المتحدة ولا بالفائدة من منح بعثتها في الصحراء الغربية المزيد من الوقت، وكان دائماً يقول بضرورة إرغام طرفي النزاع على التفاوض للخروج بحلّ.
أما في ما يخص موقف ممثل الكويت في مجلس الأمن، فشخصياً لا أعتبره دعماً لتقرير المصير، رغم أن الكويت قد عانت مثلما نعاني من ظلم الجيران والاجتياح العسكري، لكنها للأسف الشديد مثلها مثل بقية الدول العربية ومثل الجامعة العربية تعيش خارج التاريخ، وخارج المنطق وخارج التأثير. فلا أحد في العالم يكترث فعلاً لمواقف الدول العربية المتذبذة، والمتناقضة، فهي من جهة مثلاً تدعي الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، لكنها تتجاهل الشعب العربي الأفريقي في الصحراء الغربية، بل تدعم نظاماً عربياً محتلاً وغازياً لا يخفي عداءه لجميع جيرانه، كذلك فإنها تورطت في تنفيذ أكبر مؤامرة في التاريخ على دول عربية شقيقة هي العراق، ثم ليبيا، ثم سوريا فاليمن، وها هي الآن تبحث عن تأليب الرأي العام الدولي ضد الجزائر لرفض الجزائر الشقيقة أي نوع من التواطؤ ضد الشعوب العربية والأفريقية وضد الإيرانيين.
كان مجلس التعاون الخليجي قد دعا المغرب للانضمام إليه، ويبدو أن المغرب يتماهى مع المواقف السعودية أكثر من أي وقت مضى، فما هي القراءة التي تعطيها اليوم للعلاقات المغربية السعودية؟
«إنّ الطيور على أشكالها تقع» كما قيل قديماً. صحيح أن مجلس التعاون الخليجي، الموجود حالياً في وضع الموت السريري، قد عبّر مراراً وتكراراً عن دعمه للملكية في المغرب وفي الأردن، في ما يشبه إعلان نادي تعاون بين الملكيات العربية. ولكن، يبقى هذا التعاون والتفاهم العربي العربي أشبه بتفاهمات الإخوة الأعداء، فما في القلب وعلى اللسان لا يتطابق أحياناً مع الأفعال، وكل منهم يدافع عن مصالحه الضيقة جداً، ويطيع أسياده الإنكليز، أو الأميركيين، أو الإسرائيليين، أو يحاول جاهداً إرضاء كل هؤلاء جملة واحدة على حساب مصالح الشعوب الخليجية المقهورة. أما بالنسبة إلى العلاقة المغربية السعودية، فقد كانت دائماً ولا تزال علاقة موالاة من قبل المغرب وعلاقة طمع واستفادة من خزائن المال السعودي الذي كان يصرف من قبل ملوك آل سعود بسخاء لتسليح الجيش المغربي، ولضخّ المعونات المالية في الخزينة المغربية كلما تطلب الأمر ذلك، وجميعنا يتذكر كيف دعمت السعودية المغرب بمئات ملايين الدولارات أحياناً لتخفيف فاتورة المحروقات عن الرباط، وأحياناً حتى لتمكين المغرب من دفع رواتب الموظفين كما حصل في أيلول/سبتمبر 2017. إذاً، المغرب مدين للسعودية ليس فقط بالدعم السياسي واللوبي في أميركا، بل مدين لها مالياً، فهي التي مولت حربه في الصحراء الغربية إلى حد كبير، وهي التي أنقذت نظامه مراراً من الإفلاس المالي والاقتصادي ولا تزال، وهي في المرحلة الحالية وسيطه الوحيد لدى إدارة ترامب التي لا تنظر بعين الرضى على ما يبدو للمغرب لولا تدخل أصدقائه الإسرائيليين والسعوديين لتلطيف الأجواء. وفي هذا السياق علينا أن نتذكر كيف رفض ترامب حتى الآن لقاء ملك المغرب رغم سعي هذا الأخير مرات عدة إلى ذلك دون جدوى.
أظهرت برقيات للدبلوماسية المغربية، سربها القرصان المعروف باسم كريس كولمان، ولم تُكذَّب قط، هوساً كبيراً لدى دبلوماسية المغرب بالقضية الصحراوية وشبكات لوبي واسعة وغريبة تستعملها هذه المملكة بهذا الخصوص. كيف ترون هذه الاستراتيجية التي يتبناها نظام المغرب دفاعاً عما يراه «قضية وطنية مقدسة»؟
كل ما سُرِّب لا يكشف إلا قمة جبل الجليد من الفساد والإفساد المخيفين اللذين يلجأ إليهما النظام المغربي من أجل شرعنة احتلاله العسكري واغتصابه إقليم الصحراء الغربية وجرائمه الفظيعة ضد شعبها منذ السبعينيات. المغرب لجأ إلى كل الأساليب الملتوية، والمخجلة، والشنيعة للحصول على الدعم لمغامرته الاستعمارية، ويكفي تتبع الصحافة المغربية نفسها لمعرفة مدى السفالة التي يلجأ إليها النظام المغربي لخدمة أجندته الاستعمارية. الصحافة المغربية نفسها تتحدث عن سماح المسؤولين المغاربة لسياسيين فرنسيين وغيرهم باستغلال أبناء الشعب المغربي وبناته، بمن فيهم القاصرون، لتلبية رغباتهم الجنسية الشاذة، مقابل خدمات سياسية في بلدانهم. فمدينة مثل مراكش، مثلاً، أصبحت معروفة عالمياً بأنها جنة الشواذ الذين يحجون إليها من كل حدب وصوب، ومنهم سياسيون، وأكاديميون، وإعلاميون، وفنانون يستغلهم نظام المغرب لخدمة أجندته في مختلف البلدان الأوروبية والأميركية، وللترويج خصوصاً للطرح الاستعماري المغربي في الصحراء الغربية. من جهة أخرى، يصرف المغرب ملايين الدولارات سنوياً على شركات لوبي في الولايات المتحدة الأميركية للترويج لأكاذيب وافتراءات غريبة وعجيبة ضد جبهة البوليساريو، وأخيراً أيضاً ضد الجزائر، وضد أي بلد يعبّر عن دعمه للقضية الصحراوية، مثل كوبا وفنزويلا، أو بعض الدول الأفريقية الصديقة للشعب الصحراوي. إذاً، باختصار، ولكي لا نطيل على القارئ ونؤذي مسامعه بالكشف عن الأساليب الدنيئة التي يتبعها المغرب، متشبهاً في ذلك بأساليب الكيان الصهيوني، نكتفي بهذا القدر، وأقول باختصار إنّه لو كان للمغرب قضية مقدسة وعادلة كما يقول لما احتاج للتضحية بكرامة شعبه، وتضييع ملايين الدولارات للترويج للظلم بدل صرفها على تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمغرب الذي يُعَدّ بلداً فقيراً كشعب، لكن الطغمة الحاكمة فيه فاحشة الثراء، وعلى رأسها ملك المغرب الذي أطلق عليه كتاب الصحافيين الفرنسيين، كاثرين غراسييه وإيريك لوران، لقب «الملك المفترس» (Le Roi Predateur)، إذ يكشف تحكمه في اقتصاد البلاد. وبالفعل، الملك لا يمتلك كل ثروات البلد فقط، بل ويمتلك شعبها الذي يعدّه الدستور رعايا وخدماً للعائلة الملكية وليس مواطنين.

كيف تقرأ القرار الأخير لمجلس الأمن حول قضية الصحراء الغربية؟
القرار الأخير لم يفاجئنا كثيراً من حيث مضمونه، ما فاجأنا هو ظهور بصمات الدولة الفرنسية فيه، حيث عملت باريس جاهدة على إقناع الولايات المتحدة، التي صاغت مشروع القرار، هي وما يسمى مجموعة أصدقاء الصحراء الغربية (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا وإسبانيا)، لإدراج فقرات تحابي المغرب لتخفيف الضغط عليه. لكن القرار هذه المرة قلص فترة التمديد لبعثة الأمم المتحدة من سنة إلى ستة أشهر، وهو ما سيسمح بإعادة دراسة القضية مرتين في السنة بدل مرة واحدة، ثانياً، ويبدو أن العديد من الدول غير راضية عن تفرد هذه المجموعة بصياغة القرارات بخصوص القضية الصحراوية، وهو ما عبرت عنه روسيا والصين وإثيوبيا عبر الامتناع عن التصويت مثلاً، فيما أبدت بقية الدول امتعاضها من الأسلوب الدكتاتوري الذي تتعامل به الولايات المتحدة مع بقية أعضاء المجلس في فرض مثل هذا النوع من القرارات الذي رأوا أنه لم يكن متوازناً، وأنه أهدى وروداً غير مستحقة للنظام المغربي. ولكن على العموم، أعتقد أن أهم ما جاء في القرار هو دعوته لدخول طرفي النزاع مفاوضات مباشرة من أجل إيجاد حل يضمن ممارسة شعب الصحراء الغربية حقه في تقرير المصير. ولكن طبعاً، اختار المغرب الدخول في مغامرته الجديدة والخطيرة، عارضاً خدماته على الغرب في عدوانهم المتوقع ضد إيران مقابل تشتيت انتباهم عن ضرورة حل النزاع في الصحراء الغربية خلال الفترة المقبلة. إذاً، نحن نرى أن المغرب مستعد لبيع كل شيء في مقابل سكوت الغرب عن انتهاكه القانون الدولي في آخر مستعمرة في أفريقيا.
وفي الأخير، أريد فقط أن أنبّه القارئ أيضاً إلى أن قضية الصحراء الغربية هي من أخطر القضايا الدولية على مصير الأمم المتحدة كمنظمة وكنظام دولي. لذلك تسعى بعض القوى الاستعمارية، خاصة فرنسا، إلى حلها من طريق فرض الأمر الواقع الاستعماري على شعبها العربي الأفريقي بدل تمكينه من حقه الشرعي، والطبيعي، والأساسي المتمثل في حق الشعوب في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
وما ينبغي للجميع إدراكه، خاصة الفلسطينيين والشعوب المضطهدة، أن أي نجاح ستحققه فرنسا والمغرب في فرض رؤيتهم للحل في الصحراء الغربية سيؤثر مستقبلاً بجميع الشعوب الراغبة في الاستقلال والحرية، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني. لهذا مثلاً، أنا شخصياً أستغرب سماح الفلسطينيين لبلد كالمغرب بترؤس ما يسمى لجنة القدس، وهذا أمر لا يستقيم أبداً. فكيف لنظام عميل لإسرائيل وفرنسا وأميركا أن يفيد فلسطين؟ وما الذي حققته هذه اللجنة للقضية الفلسطينية حتى الآن؟ وإلى متى سنتعامى كعرب عن تسمية الأمور بمسمياتها، ونفضح هذا النظام العميل وأمثاله؟ أسئلة تحتاج منا جميعاً التمعن والإجابة.