“ترامب يَنسَحِب من الاتّفاق النَّووي”.. والبَهجة تَعُم السعوديّة.. إعلام السُّلطات يَصِف القرار بالصَّفعة والعُقوبات “بالمُدمِّرة”..
العالم قَلِق لكن المملكة تُرحِّب وآلاف المُغرِّدين يُعيدون تغريد “اللُّعبة انتهت”.. لَهجَة الشَّماتة تعلو وظريف وأوباما يَتصدَّران واجِهتها.. تحذيرات من “الفرح” المُؤقّت الذي يلتقي مع “النَّشوة الإسرائيليّة” وإغفال حقيقة ولاية ترامب “غير الأبديّة”
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
ما إن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (الثلاثاء) انسحاب بِلادِه من الاتِّفاق النَّوويّ مع إيران، حتى أعلنت السعوديّة ومن خلفها الإمارات الرسميّة ترحيبها بالقرار، وتَبِعَهُ احتفالات افتراضيّة على مِنصَّات التَّواصُل الاجتماعي، وبالأخَص مِنصَّة “تويتر” موقع التدوينات القصيرة الأزرق.
“أهل الحرمين” عبَّروا عن إعجابِهم بدِبلوماسيّة بِلادهم التي “ساهمت” بالوصول إلى هذا الانسحاب “التاريخي”، وهو بمثابة تحقيق لكُل تصريحات وليّ عهدهم الأمير محمد بن سلمان، الشَّاب الذي يُمسك زمام الأُمور الذي تعهّد في تصريحاتٍ سابِقة نقل المعركة إلى الدَّاخل الإيراني، على حَدِّ قَولِهم، فالأصدقاء في الشَّرق الأوسط بالفِعل قد وردوا دون ذكرهم في خِطاب ترامب “الانسحابي” هذا، وقِيادتهم المقصودة في وصول ترامب لهذا القرار دون أدنى شك.
المُجتمع الدَّولي، فرنسا، بريطانيا، وألمانيا، وحتى الاتحاد الأوروبي عبًّروا عن أسفهم لقرار ترامب، وأعربوا عن قلقهم من انسحابه، وتمسُّكهم ببنود الاتّفاق، وبالرُّغم من حالة القلق الدَّوليّة، والتي عبّر عنها حتى أمين عام الأمم المتحدة، كان صوت الانتشاء السعودي بهذا الانتصار، وتحديداً مشهد توقيع ترامب على ورقة إعادة العمل بالعُقوبات على إيران فور نِهاية خطابه الذي أعلن فيه الانسحاب، هو الطَّاغي والمُسيطر، وكأنّ صوت العقل قد غاب عن هذه البِلاد، فلا عدو ولا عدواة تطغى على “العدو والشيطان الإيراني” بحسب توصيفات وأدبيّات العربيّة السعوديّة.
الإعلام السعودي كان غايةً في الحماسة، فعنونت “سبق” المحليّة الإلكترونيّة الأسرع لتغطية الحدث من زميلاتها الورقيّات الصَّادرات غدًا صباحاً، ترامب يصفع إيران وأوروبا، ويُعلِن عَودة العُقوبات المُدَمِّرة، كما نوَّهت إلى أن قرار ترامب يحرم إيران من استيراد قطع غيار الطائرات والسُّفن، كما أفردت الصحيفة الإلكترونيّة الأكثر تداولاً، والناطقة باسم السُّلطات على موقعها تقريرًا اقتصاديّاً يتحدَّث وِفق مُراسلها ومصادِره عن انهيار الرِّيال الإيراني، وانخفاض صادِراتها من النِّفط، والغاز.
ومن وسائل الإعلام إلى البارزين والفاعِلين في المجتمع السعودي، الرياضي فهد آل عمران علّق على الحدث وأعاد تغريدته الآلاف بالقول: “جيم أوفر” أو “اللعبة انتهت”، منذر آل الشيخ مبارك وضع عاجل ترامب يعلن انسحابه من الاتّفاق النَّووي، الكاتب إبراهيم العمري فتمنّى أن ترضخ ما وصفها بدولة الملالي.
وتداول بعض المُغرِّدين صورة وزير الخارجيّة الإيراني جواد ظريف الشهيرة حين خرج بورقة الاتِّفاق النِّهائي في حينها مع الدُّول الخمس زائد واحد، التي أصبحت اليوم ناقص واحد بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكيّة، وطالبوه “ببلِّها… وشرب مويتها” على حد تعبيرهم.
“رأي اليوم” بدورها تجوّلت في الوسم المُتصدِّر، والذي حمل عُنوان “ترامب ينسحب من الاتفاق النووي”، وهو حتى كتابة هذه السُّطور، الأكثر تداولاً في المملكة، ويحتل المرتبة الأولى، وقد ساده لهجة الشَّماتة، والتَّصعيد، والانتصار، وهو تصعيد تدريجي كانت قد اتبعته جُيوش تشكيل الرأي العام المحلِّي، أو ما يُعرف بالذُّباب الإلكتروني، وتحديداً مُنذ وصول محمد بن سلمان إلى حُكم السعوديّة، وهو الذي تُؤكِّد تقارير إعلاميّة مُوثَّقة، مُتابعته واهتمامه بكل شاردة وواردة على مواقع التواصل، وتويتر بالأخص.
سلطان الشمري في الوسم المذكور قال أن نظام الملالي سيسقط في العام 2019، منوش اعتبرته أجمل قرار تسمعه خلال العام الحالي، أبو حسين سخر من الرئيس السابق باراك أوباما، وتوقّع بأنّه “يلطم” الآن على خسارة إنجازه، شمالي هاجم النظام القطري، واعتبر أن داعمه الإيراني بدأ بالسُّقوط.
أصوات مُعارضة لنظام الحُكم السعودي، وعلى قِلَّتها وسط أجواء الأفراح والبهجة التي اعتلت وجوه أو سُطور التغريدات، تحدَّثت بصوت العقل، وذهبت إلى التنويه بأنّ الفرح السعودي “مُؤقت”، وأنّه في حال قِيام الحرب التي تأمل بها القيادة السعوديّة، سيكون على بلادهم، وخزينتها التي وصفها ترامب نفسه بالبقرة الحُلوب بالتّمويل، وهو استنزاف مقصود، وعملاً بحلب البقرة واستغلال “حليبها” أو أموالها حتى الوصول إلى قتلها في النِّهاية.
الصحافي أحمد التميمي وزميله الصحافي السوداني عابد العابد، وكلاهمها مُدراء سابِقين للقسم السِّياسي في صُحف سعوديّة محليّة ودوليّة، يذهبان خلال تعليقهما لرأي اليوم على قرار ترامب، والأجواء الاحتفاليّة “الافتراضيّة” التي تَبِعتها وفقط في السعوديّة كشقيق إسلامي، وآخر في الضِّفَّة المُقابٍلة وهو الكيان الإسرائيلي الذي رحَّب رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو ووصفه بالقرار الشُّجاع.
يُعلِّق كُل من التميمي والعابد على هذا بالقول، أنّ الانسحاب في أسوأ نهاياته قد يُعيد إيران إلى تخصيب اليورانيوم، وبالتَّالي عودتها إلى “قُنبلةٍ نوويّة” موقوتة، يَصعب معرفة توقيت انفجارها، وخلال هذا التَّوقيت قد تشتعل الحرب التي يُراد لها منع هذه القُنبلة كَحُجّة، وبالتالي فرض التمويل “الإجباري” على القِيادة السعوديّة، وأمريكا في الحالتين مُستفيدة يُضيف الصحافي العابد، إفلاس السعوديّة نيتها، وإسقاط النظام الإيراني ولو بحرق الثَّوب السُّعودي هدفها، وغايتها، بغض النَّظر عن النَّتائِج ستكون لمَصلحة إيران، وأمريكا بالنِّهاية.
هذه الاحتفالات “الافتراضيّة” أيضاً كما يرى مراقبون أنّها أغفلت حقيقة أنّ الرئيس ترامب أمام ولاية ستنتهي، حتى لو فشلت مساعي الإطاحة به بملف “الفضائح”، والإدارات الأمريكيّة في غالبها لا تُشبه تهور ترامب، وقراراته التي هدفها فيما يبدو، إفشال، وإنهاء عصر إنجازات أوباما الدَّوليّة، وكأنّ الرَّجُل يَحكُم في عالم الدُّول الثَّالث، وولايته بحُكم الأبديّة لا تنتهي إلا بأمر الموت، ولذلك قد تكون الفرحة وقتيّة، والإيرانيون بارعون في استهلاك الوقت بدليل مُفاوضات دامت على مدار 12 عاماً من الأخذ والرَّد، وبعده تكلَّلت بالاتِّفاق التَّاريخي النَّووي، دون التخلِّي عن الصَّواريخ الباليستيّة الرَّدعيّة، ومع ترامب، وبعد رحيله لكُل حادِث حديث، يقول مراقبون.