الأمير محمد بن سلمان يَتوعّد بِتَطوير قنابِل نَوويَّة بِسُرعةٍ في حالِ امْتلكتها إيران..

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1955
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 هُناك طَريقان للوُصول إلى هذا الهَدف يَستحقَّان التَّمحيص والنِّقاش ما هُما؟ وهل يُمكِن تِكرار السِّيناريو النَّووي الهِندي الباكِستاني في الزَّمن الرَّاهِن؟
قَبل يَومٍ من وصولِه إلى واشنطن للِقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بَثّت مَحطّة تلفزيون “سي بي إس” الأمريكيّة مُقابَلةً مُطوَّلةً مع الأمير محمد بن سلمان، وليٍ العَهد السعوديّ، كان أبرز ما فيها التَّأكيد على أن بِلاده “لا تُريد امتلاك قُنبِلة نوويّة.. لكن إذا طَوّرت إيران سِلاحًا نَوويًّا فإنّنا سَنفعَل الشَّيء نَفسه في أسرعِ وقتٍ مُمكن”.
نَترُك هُجوم الأمير بن سلمان الشَّرِس على إيران ومُرشِدها الأعلى الذي شَبّهه بأدولف هتلر جانِبًا، لأن الرَّد عليه مَسؤوليّة إيرانيّة بَحتة، ولأنّها لا تتضمّن أي جديد بالنَّظر إلى العَلاقات المُتوتِّرة بين البَلدين مُنذ سَنوات، ولكن ما ذَكره وليّ العَهد السعوديّ عن رغبةِ بِلادِه في تَطوير أسلحةٍ نوويّةٍ وبِسُرعَةٍ، يَستحِق التأمُّل والمُناقَشة مَعًا.
من الواضِح أنّ هذهِ التَّصريحات تأتي في إطار التَّحالُف السعودي الأمريكي ضِد إيران الذي يَزداد قُوّةً، وربّما يتطوّر إلى صِدامٍ سِياسيٍّ وربّما عَسكريٍّ أيضًا، وَسَط أنباء شِبه مُؤكَّدة بأنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مُصَمِّمٌ على الانْسحاب من الاتِّفاق النَّووي الإيراني في 12 أيار (مايو) المُقبِل، موعِد مُراجَعته الدوريّة، ممّا يعني أنّ فَصلاً جديدًا في مِنطقة الشرق الأوسط قد يَبدأ، لأن هذا الانسحاب قَد يَعني عَودة إيران إلى تَخصيب اليورانيوم بِنِسَبٍ عالِية، وبِما يُؤهّلها لامْتلاك رُؤوسٍ نوويّة في غُضون عام إن لم يَكُن أقل.
السُّؤال هو حَول كيفيّة تَطوير المملكة العربيّة السعوديّة لأسلحةٍ نوويّةٍ لتَحقيق الرَّدع النَّووي مع إيران في حال امتلاك الأخيرة لقَنابِل نَوويّة؟
هُناك طَريقان للوصول إلى هذا الهَدف يُمكِن أن تَلجأ إليهِما القِيادة السعوديّة:
الأوّل: أن تَشتري المملكة قنابِل نوويّة من حَليفِها الباكِستاني الذي مَوّلت برامِجه النوويّة طِوال العُقود الماضِية بِدَعمٍ وتَشجيع أمريكي.
الثاني: أن تبني المملكة تَرسانةً من المُفاعِلات والبرامج النوويّة في أراضيها، وتَستعين بالخُبرات الباكستانيّة والغَربيّة الأُخرى لتَدريب كوادِرها وإدارة وتَشغيل هذهِ المُفاعِلات في الوَقت نَفسِه.
الخَيار الأوّل يبدو صَعبًا، لأن الحُكومة الباكستانيّة قد لا تستطيع التَّجاوب مع أيِّ طَلبٍ سُعوديٍّ للحُصول على قنابِل نوويّة، ومَهما كانت العُروض الماليّة مُغرِية، لعِدٍة أسباب، أبرزها أن رُبع سُكّانها من الشِّيعة أوّلاً، ولأن إيران جارَة مُباشرة لباكستان، وأي انحياز للسعوديّة في هذا السِّباق النووي قد يَنعكِس سَلبًا على العلاقات بين البَلدين ثانِيًا، ولأن البَرلمان الباكِستاني على عَكس حُكومته، لا يَنظُر بإيجابيّة إلى أيِّ تعاونٍ عسكريٍّ غير تقليديٍّ مع المملكة، فَقد صَوّت بالإجماع ضِد طَلب سُعودي قَبل ثلاثة أعوام بإرسال قُوّات باكِستانيّة للمُشاركة في حَرب اليمن ثالِثًا.
أمّا إذا انتقلنا إلى الخَيار الثّاني فهو الأكثر مَنطقيّة، ولكن المملكة لا تَمْلُك حتى الآن أيَّ مُفاعلاتٍ نوويّة ولو للاستخدامات السِّلميّة وإنتاج الطَّاقة، وهِي تُحاوِل شِراء هذهِ المُفاعِلات من الصين وروسيا هذهِ الأيّام، ممّا يَعني أنّها تأخّرت كثيرًا في هذا المِضمار.
والأهم من كُل هذا، أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تُعارِض امتلاك المملكة، أو أي دولة عربيّة أُخرى برامِج نوويّة، وهذا ما يُفَسِّر قَصفَها للمفاعُل النَّووي العِراقي، “أوزيراك” أو “تموز” عام 1981، رُغم أن الدَّولة العِراقيّة كانت تَخوض حَربًا ضِد إيران، كما أنّها قَصفت مُفاعِلاً نَوويًّا قَيد الإنشاء في سورية بالتَّعاون مع كوريا الشماليّة في شَمال البِلاد.
بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ورغم ما يُشاع عن علاقاتٍ قويّة بينه وبين المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات، طالب “صديقه” ترامب بعدم السَّماح للمملكة بامتِلاك أيِّ أسلحةٍ نوويّة أثناء زِيارته الأخيرة لواشنطن الشَّهر الماضي.
يُجادِل بعض السعوديين المُدافِعين عن هذهِ الخُطوة، أي امتلاك أسلحةٍ نوويّة، بأنّ الأمير بن سلمان قد يُحاوِل استخدام “النَّموذج” الباكِستاني الهِندي، حيث ذَهبت باكستان إلى حليفها الأمريكي طالِبةً مُساعَدتها لتَحقيق الرَّدع النَّووي مع الهِند بعد تَطوير الأخيرة أسْلحةً نوويّة، وهذا جَدَلٌ صحيح، ولكن هذا الرَّدع تحقّق قَبل أربعين عامًا، وفي ظِل حربٍ بارِدة بين أمريكا والاتّحاد السوفييتي، حيث كانَت كُل من باكِستان والهِند تَقِفان في خَندقَين مُتقابِلين، باكِستان مع أمريكا، والهِند مع المُعسكر السُّوفييتي.
صحيح أن العِلاقات الإيرانيّة الروسيّة قويّة، والشيء نفسه يُقال عن العلاقات السعوديّة الأمريكيّة، ولكن هُناك عامِلاً مُهِمًّا، وهو أن المملكة تَقِف مع إسرائيل في الخَندق الواحِد الأمريكي، ومهما تحالَفت مع إسرائيل، وتَقرٍبت منها، فأنّ الأولى، أي المملكة، قد لا يُسمَح لها بامتلاك أسلحةٍ نوويّة لأن إسرائيل وبِكُل بساطة لا تَثِق بالعَرب، وتَخشى أن تقع هذهِ الأسلحة في أيدي نِظامٍ سُعوديٍّ آخر أكثر أصوليّة وعَداءً لها، وهذا غَير مُستَبعد في السعوديّة والمِنطقة بأسْرِها.
امتلاك المملكة، أو أي دولة عربيّة أُخرى أسلحةً نوويّة تُحقِّق الرَّدع مع إسرائيل وليس مع إيران فقط أمر مَشروعٌ ومَطلوبٌ أيضًا، ولكنّه قد لا يَتحقّق في ظِل الوُقوف في المُعسكَر الأمريكي المُتحالِف مع إسرائيل، ويُقَدِّم مصالِحِها على المَصالِح الأمريكيّةِ نَفسِها.
الخَطر الأكبر الذي يُهدِّد المملكة هو إسرائيل بالدَّرجةِ الأولى، ولهذا يَجِب أن يَتصدَّر أولويّات المملكة الاستراتيجيّة، وقبل الخَطر الإيراني بِمَراحِل، أو هكذا نعتقد في هذهِ الصحيفة، ويبدو أن للأمير محمد بن سلمان رأيٌ آخر.
“رأي اليوم”