خَطآن تَرتكِبْهُما الدِّبلوماسيّة السعوديّة في أقل من أُسبوع.. الأوّل اتّهام “حماس” بالتطرّف.. والثاني التَّطاول على ألمانيا وأسْلِحَتها..
ما الذي يَرْبِط بينهما؟ وهل سَنرى حركة المُقاومة الإسلاميّة على قائِمة “الإرهاب” قريبًا؟
تبدو الدبلوماسيّة السعوديّة التي يَقودها السيد عادل الجبير، وزير الخارجيّة، خالِيةً من أهم ركائِز الدبلوماسيّة، وهي اتّباع سِياسات هادِئة تُطفِئ الحرائِق، وتُقرِّب بين بِلادها والدُّول أو الجَماعات الأُخرى، وتَنزع فَتيل التوتّرات.
حتى لا نَغْرَق في العُموميات، نُشير إلى مَثلين في هذا الإطار، أحدهما عربي، والثاني أوروبي، أحدثا غَضًبا غير مَسبوق تُجاه المملكة، هي في غِنىً عَنهما هذهِ الأيّام على وَجه التَّحديد.
الأوّل: وصف السيد الجبير حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” بـ”المُتطرِّفة”، الذي أثار غَضبها واستنكارَها، وصُدور بيانٍ رَسميٍّ عنها، يُؤكِّد أنّها، أي تَصريحات السيد الجبير، لا تُمثِّل الشعب السعودي، ولا تَتوافق مع سِياسات السعوديّة الدَّاعِمة للقضيّة الفِلسطينيّة، ومن شَأنها تَشجيع العَدو الإسرائيلي على الاسْتمرار في ارْتِكاب المَزيد من الجرائِم.
الثاني: شَنّ السيد الجبير هُجومًا شَرِسًا على الحُكومة الألمانيّة، عندما قال مُخاطِبًا لها في تَصريحاتٍ أُخرى “لا نَحتاج أسْلحتكم”، في رَدٍّ على قَرارٍ ألمانيّ بِوَقف تَصدير أسلحة إلى المملكة بسبب حَرْبِها في اليمن التي أدَّت إلى قَتل الآلاف من المَدنيين، وتَدمير البُنى التحتيّة اليمنيّة، وتَجويع المَلايين من أبناء اليمن بسبب الحِصار الذي تَفْرِضه عليهم، والأخْطر من ذلك أن الدكتور أنور عشقي الذي يُعتَبر رأس حربة السياسة السعوديّة التطبيعيّة مع إسرائيل، رَشْ المَزيد من المِلح على جُرح العلاقات السعوديّة الألمانيّة المُلتَهِب، عندما قال في لِقاءٍ مع مَحطّة “دوتش فيلله” الألمانيّة قبل يَومين “أن السعوديّة تَشتري الأسلحة الألمانيّة لِدَعم الاقتصاد الألماني، والسِّلاح الأمريكي أفضل من نَظيره الألماني”.
يَصْعُب علينا في هذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم” أن نجد أي تفسيرٍ آخر للسيد الجبير وهُجومِه على حركة “حماس″، غير أنه مُحاولة لتبنّي المَواقِف الإسرائيليّة والأمريكيّة المُعادِية للحركة وثقافة المُقاومة، وانسجامًا معها، فالمملكة العربيّة السعوديّة وضعت في مَرحلةٍ ما حركة “حماس” على قائِمة الإرهاب إلى جانب جماعات مثل “الدولة الإسلاميّة” وتنظيم “القاعدة” ونعتقد أن السيد سامي الصالح، سفير المملكة في الجزائر لم يَخرُج عن هذهِ السياسة عندما وَصَفَ حركة حماس بمُمارسة الإرهاب في تصريحاتٍ له في تموز (يوليو) الماضي، ونَجْزِم بأنّها كانت تصريحات مُتعمّدة ولم تَكُن زلّة لِسان على الإطلاق، فلم يَتم أي سحب لها أو اعْتذار عنها، وتَعْكِس سياسة رَسميّة.
كُنّا نتمنّى على الدكتور عشقي لو أنّه اطّلع قبل أن يُدلِي بهذا التّصريح حول الأسلحة الألمانيّة، وهو الباحِث الاستراتيجي، على ميزانيّة ألمانيا والدَّخل القَومي الألماني ومَصادِره، والإحصاءات الرسميّة التي تقول أن حجم مُشتريات السعوديّة من الأسلحة الألمانيّة حتى الثُّلث الأخير من العام الماضي (2017) لم تَزِد عن 148 مليون يورو، فهل هذا الرقم المُتواضع أو عشرة أضعافه، مُمكن أن يدعم الاقتصاد الألماني الذي يُعتَبر أقوى اقتصاد في القارّة الأوروبيّة، ويَحْتَل المَرتبة الرابعة عالِميًّا بعد أمريكا والصين واليابان.
حركة “حماس” ليست حركة “مُتطرّفة” ولا “إرهابيّة”، بل حركة تُمارِس المُقاومة المَشروعة لاحتلال إسرائيلي عُدواني فاشِي على الأرض والمُقدّسات العربيّة والإسلاميّة في فِلسطين المُحتلّة، ولم تُقدِم على تَنفيذ أي عمليّة مُقاومة ضِد أهداف ومصالِح إسرائيليّة خارِج الأراضي المُحتلّة.
لا نَعتقد أن مواقف السيد الجبير وتَصريحاته هذهِ تُمثِّل ثوابِت السياسة الخارجيّة السعوديّة التي خَبِرناها على مَدى أكثر من ثمانين عامًا، هي عُمر الدَّولة السعوديّة الثالثة، وإذا افْترضنا أنّه مُنفِّذ وليس صانِع سياسات، فإن من يَضعها مُطالَب بإجراءِ مُراجعةٍ جَذريّةٍ قبل فوات الأوان، اللهم إلا إذا كان هُناك من يَرى في هذهِ السِّياسة الخارجيّة عَكس ذلك، أي أنّها قِمّة المِثاليّة في هذهِ المَرحلة، وهُنا لا فائِدة من الكَلام في هذهِ الحالة، ونَتوقّع أن تأتي النتائِج وَخيمة.
“رأي اليوم”