طلبات سعودية نيابةً عن إسرائيل: خفض الاحتجاجات والقبول بالواقع
رغم البيانات السعودية التي أظهرت «انزعاجاً» من القرار الأميركي الأخير بشأن القدس المحتلة، لم يتغيّر سلوك «مملكة الخير». الاستدعاء هو الوسيلة المتّبعة لدى الرياض حتى لو جاء على شكل زيارة رسمية واستقبال ملكي ومأدبة غداء على شرف الضيف
رغم أن الزيارة الأولى لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للسعودية، أخذت عدداً من الأيام لتتكشف خباياها، فإن الزيارة التي انتهت أمس لم تعد في التقدير الإسرائيلي ــ على الأقل ــ بعيدة عن جو التطبيع المعهود والهادف إلى مساعدة إسرائيل والتودد إليها. إذ علمت «الأخبار»، من مصادر فلسطينية في «فتح» وأخرى في السلطة، أن عباس أُبلغ خلال الزيارة الأخيرة بجملة طلبات، على رأسها «وقف الاحتجاجات قبل أن تتمدد في المناطق التابعة لشرقي القدس»، ولا سيما بعدما دعت حركة «فتح» بنفسها إلى التظاهر (الأربعاء الماضي).
تقول المصادر إن «أبو مازن» سُلّم قائمة بأسماء مسؤولين في مكتبه سرّبوا للصحافة الأميركية (تحديداً صحيفة «نيويورك تايمز») معلومات عن الاجتماع السابق بين عباس والملك سلمان وولي العهد ابنه محمد، طالبين محاسبتهم، كما طلبوا «ضبط الطاقم المحيط بالرئيس الفلسطيني، ولا سيما بعد حديثهم عن أن دولاً عربية كانت وراء رفض عقد قمة عربية طارئة».
وتضيف المصادر أن غضباً سعودياً كبيراً سببه شعور الرياض بأن الأمور على وشك أن تخرج عن السيطرة في الضفة والقدس، كما أن «التصعيد المبالغ فيه» ضد الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب «يخدم مصالح إيران وجهات التطرف في المنطقة». ولوحظ أن الوفد الذي رافق عباس كان أمنياً أكثر منه سياسياً، وخاصة بوجود رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج ورئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ، اللذين دخلا إلى القاعة بعد الاجتماع المغلق بين رئيس السلطة والملك السعودي.
وعن قضية القمة العربية، تذكر تلك المصادر أن السعودية هي بالتحديد وراء رفض فكرة عقد قمة طارئة للجامعة، وقد طلبت من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إبلاغ عباس بذلك، خلال لقاء الاثنين قبل أسبوع. أكثر من ذلك، طلبت المملكة من رام الله أن تقصر الأخيرة حضورها في القمة الإسلامية الطارئة، التي دعت إليها واستضافتها تركيا، على صعيد وزير الخارجية أو الأوقاف، لكن عباس رفض ذلك وأصرّ على الحضور والملك الأردني عبد الله الثاني، فيما رفضت السعودية ومصر والإمارات التمثيل العالي واكتفت بإرسال وزراء. وحتى بشأن الحراك في الأمم المتحدة، طلبت السعودية سحب طلب التقدم إلى الأمم المتحدة أو تأجيله، لكن ذلك لم يحدث.
تكمل المصادر أن مستوى الاستقبال «كان باهتاً... بحضور نائب أمير الرياض ووزير الخارجية في المطار». أما عن «الأخبار غير السعيدة» التي نقلتها المملكة لعباس، فهي أن «إسرائيل لن تتنازل عن أي شيء يتعلق بالقدس أو اللاجئين أو غور الأردن»، وأن على «أبو مازن» أن يقبل «العروض البديلة التي تمثلت في حصر العاصمة بالضواحي والقرى المحيطة للقدس شرقاً والتخلي عن طلب إنشاء العاصمة في البلدة القديمة». أما عن غور الأردن، فأُبلغ رئيس السلطة أنه سيبقى «تحت سيطرة الاحتلال... مع إمكانية الذهاب إلى العرض الذي قدمه صهر ترامب، جاريد كوشنر، في هذا الشأن، وهو وجود قوات دولية على حدود منطقة أغوار الأردن، لكن الرئيس رفض هذا المقترح». كما أشارت إلى أن ابن سلمان طلب منه «إخماد شرارة الأحداث في الضفة خشية تمددها في المناطق الشرقية للقدس، طالباً منه التشديد على الهدوء في هذه المنطقة».
من جانب ثانٍ، ورغم أن مواقع إسرائيلية ربطت احتجاز المملكة لرجل الأعمال الأردني ــ الفلسطيني، صبيح المصري، بالضغط على كل من عبدالله وعباس، وإلزام الأخير إلغاء جدول أعماله والقدوم إلى السعودية، لما للمصري من تأثير في اقتصاد الضفة، فإن مواقع عبرية ومحللين إسرائيليين قالوا إن السعوديين يضغطون من البداية على عباس لوقف هجومه على ترامب، وليظهر «الانفتاح على مناقشة الأفكار الأميركية لعملية السلام المتوقع تقديمها قريباً». وذكروا أن الاجتماع الأخير لم يتطرق إلى مواجهة قرار ترامب على الإطلاق، وهو «ما ترك انطباعاً بأن السعوديين يريدون تحريك جدول الأعمال الأميركي لمواصلة العمل على خطة السلام».
في المقابل، نقل موقع فلسطيني محلي أمس حواراً مع اللواء السعودي السابق أنور عشقي، دافع فيه عن سلمان وابنه بالقول إنهما «لن يقبلا أي صفقات لحل القضية الفلسطينية بما في ذلك صفقة القرن التي يُعد لها ترامب إلا بشرط واحد هو عبر تطبيق المبادرة العربية التي صاغها الملك الراحل عبدالله». وعن الزيارة الأخيرة لعباس، قال إنها أتت بدعوة سعودية رسمية، وإن ابن سلمان أكد لـ«أبو مازن» أن «المملكة ستظل حاملة للمبادرة العربية... وما فعله ترامب مخالف للشرعية الدولية»، مؤكداً له أنه لم يطّلع على «صفقة القرن» أو تفاصيلها. كذلك، دافع عشقي عن ضعف تمثيل المملكة في قمة «التعاون الإسلامي» في إسطنبول، بالقول إن «الموضوع ليس مناقشة من يمثل المملكة، هناك وفد سعودي حضر، ووقف بجانب أعضاء منظمة التعاون وأيّد ما صدر عن المنظمة... أكثر من خدم القضية الفلسطينية هو الملك سلمان، وما لا يعرفه البعض أن الملك انضم إلى حركة فتح، وقيل عندما قدم عباس إلى الرياض قبل عامين إنه قدم إليه عضويته في الحركة».
أما رسمياً، فقال السفير الفلسطيني لدى السعودية، بسام الآغا، إن «الملك سلمان أصدر توجيهاته لوزير الخارجية عادل الجبير بدعم القضية الفلسطينية دولياً»، مضيفاً في تصريح إذاعي أمس أن «لقاء أمس... كان مهماً جداً، وتم فيه تبادل الآراء والأفكار حول سبل التصدي للقرار الأميركي»، ومؤكداً «متانة العلاقات الفلسطينية ــ السعودية».
(الأخبار)