معلومات جديدة تكشفها “راي اليوم”: “قمة الرياض” كلمة السرّ لاحتجاز “صبيح المصري”
سهم البنك العربي بدأ هبوطاً طفيفاً بالتلازم مع أنباء متضاربة عن إطلاق سراح “عامود الاقتصاد الاردني المحتجز في الرياض.. سؤال “نفاذ” وعيد السفير خالد بن فيصل للأردنيين يتدحرج.. والمملكة السعودية السابعة “تخشى” المحور السني الموازي: أردوغان والهاشميين..
برلين – “رأي اليوم” – فرح مرقه:
الهبوط الطفيف في مؤشر سهم البنك العربي صباح اليوم الاحد هو المؤشر الملموس الأول الذي يمكن رصده على معنى “غياب” رجل الاعمال الاردني صبيح المصري القسري في السعودية، بينما لا تزال العاصمة الأردنية تلتزم الصمت تحت شعار “عدم التصعيد” مع الاشقاء، الأمر الذي يؤشر بوضوح على أن أحداً لم يكن يتوقع ولا بصورة من الصور أن يطال الرجل أي أذى، خصوصا بعد شعور بالارتياح تكفّل به “مهرجان” الاستقبال الملكي للملك عبد الله في الرياض الاسبوع الماضي.
الانباء متضاربة عن كون الرجل غادر حجزه او لا، بينما الكل على المستوى الاقتصادي، يترقب اسهم البنك العربي في بورصة عمان، والذي كان حتى الخميس (قبل اعلان خبر حبس المصري) يشهد ارتفاعاً ملحوظا عن الايام السابقة (كان سعر السهم قد انخفض حتى الاثنين الماضي لـ 5.25، بينما وصل الخميس 5.57، ليعاود الهبوط الاحد الى 5.44).
مراقبون ماليون عبروا عن خشيتهم سلفاً لـ “رأي اليوم” بخصوص انخفاض سعر السهم وتضرره بفارق ملحوظ، ما يؤثر على أكثر من 3.5 مليار دينار أردني اليوم مطروحة في السوق المالي (القيمة السوقية لأسهم البنك حتى مساء الخميس).
رجل الاعمال الاردني والحامل للجنسية السعودية صبيح المصري، لا يترأس فقط مجلس ادارة البنك العربي الذي يعتبر احد اهم اعمدة الاقتصاد الاردني، إن لم يكن الاهم على الاطلاق، والذي قاد المصري نفسه صفقة فريدة لأردنته بداية العام الحالي (حين اشترى مع مستثمرين اردنيين حصص عائلة الحريري اللبنانية)، وانما يملك الرجل عدة استثمارات في مجالات مختلفة كلها اليوم تحت مجهر الفريق الاقتصادي الاردني الخبير، وبانتظار تقدير حجم التضرر الأولي لاقتصاد دولة ضعيف اصلا.
بالنسبة لعمان، تتوضح فجأة تهديدات السفير السعودي خالد بن فيصل على شاشة قناة رؤيا المحلية، وهو يقول ان التعرض لرموز بلاده لن يكون دون “عقاب”، وهنا يقرأ مراقبون ان الرياض بدأت اجراءاتها العقابية اقتصاديا ضد عمان من باب الجنسية السعودية التي يحملها المصري، متجاهلة انه خرج من العاصمة الاردنية اصلا بجواز سفره الاردني- وفق تأكيدات صحفية محلية-، وان الرجل ذو علاقات واسعة برموز السياسة والاقتصاد في الاردن بدءا من الملك شخصيا.
وكشفت مصادر اردنية لـ”راي اليوم” ان المصري ذهب الى الرياض بعد تلقيه رسالة من مستويات عليا تقول ان هناك مشروعا كبيرا، وانه سيكون لشركته نصيب كبير فيه، وارسل ابنه خالد لمتابعة المسألة وتسيير بعض اعمال شركاته، وعندما لم يتعرض لاي اذى ادرك المصري ان الامر جدي ولا “مصيدة” في انتظاره”.
وأكدت مصادر سعودية لـ”راي اليوم” ان احتجاز المصري جاء لاخذ شهادته والحصول على معلومات منه عن الأمير سلطان بن عبد العزيز وابنائه وصفقاتهم باعتباره كان مقربا منهم، وخاصة امير تبوك فهد بن سلطان.
الوصاية الهاشمية أصل الأزمة..
عاهل الاردن، علّه كان مدركا تماما أنه باختياره عدم الانضواء تحت جناح الرياض في ازمة القدس، سيجني الكثير من المتاعب، الامر الذي تعي القيادة الاردنية في سياقه ان خطها الوسطي لم يجنِ لها أصلا- وبالمقابل- اي “امتيازات” لدى العهد الجديد في السعودية، من هنا توجه ملك الاردن للرياض بندّية علّها تكون الاولى من نوعها في عهد العلاقة بين الملكيتين (عبد الله الثاني الرابعة في الاردن وسلمان بن عبد العزيز السابعة في السعودية).
في زيارة الرياض، كانت الملاحظات كبيرة واساسية ومرصودة، فالدعوة اصلا وجهت لعاهل الاردن في اليوم الذي يسبق مؤتمر إسطنبول، وتحت عنوان التفاهم حول القمة العربية الاستثنائية التي قررها مؤتمر وزراء الخارجية العرب، على اساس واحد هو افشال مؤتمر اسطنبول في اللحظة الاخيرة، الامر الذي وان لم يُقل أو يُنقل كان واضحاً من شكل الدعوة وتوقيتها، بينما كان قرار الاردن محاولة اقناع “الشقيقة الكبرى” في الانضمام للموقف الموحد مع اسطنبول، وهنا يبدو ان اياً من العاصمتين لم تفلح في إقناع الاخرى في الانضمام اليها في ملف القدس على الأقل، واستمر العتب، او الغضب، ولم يتم التطرق مطلقا الى القمة العربية الاستثنائية.
هنا مجددا يمكن تذكر ان تقارب عمان مع اسطنبول يعني بالضرورة “قلقاً في الرياض، فهو أخطر عليها حتى من تقارب أردني مع طهران وهذا ما كان يراعيه دوماً ملك الاردن، كون التقارب الاردني التركي يعني تشكل “حلف سنّيّ دينيّ موازٍ للحلف السعودي المصري”، وهنا المرجعيتين الهاشمية والعثمانية تغلبان تاريخيّاً المرجعية السعودية وتضعفان المرجعية المصرية (المتمثلتين الاولى بالحرمين المكي والمدني، والثانية بالازهر). هذا بالضرورة يقوّض ما اعلنه الرئيس الامريكي دونالد ترامب من الرياض وهو يتحدث عن التحالف السنّي في الشرق الاوسط تقوده الرياض، ويقوّض دور الرياض في قيادة تحالف من هذا النوع مع اسرائيل لاحقاً.
ملك الأردن يدرك ذلك جيداً ويعلم ان زيارته السابقة للمملكة السعودية والتي كانت في رمضان الماضي لم تؤدِّ أغراضها من حيث “جسر الهوّة بين المرجعيتين” بعدما سببته جملة الملك سلمان من امتعاض شخصي لديه في المؤتمر الاسلامي حين رفض الملك سلمان توصيف النبي بالهاشمي في كلمة ملك الاردن، وحين رصدت الكاميرات تشفي ولي العهد محمد بن سلمان.
من هنا أيضا يعلم ملك الاردن أن استخدامه للكلمة ذاتها في مؤتمر اسطنبول بعد الزيارة بليلة يعني المزيد من الغضب السعودي، والمزيد من الانفعال، ولكنه بالمقابل يدرك (أي الملك عبد الله الثاني) انه لا يريد التخلي عنها وهي الاساس في منحه وعائلته الوصاية على المقدسات في القدس، وهي ما تجعله وحده دون سواه قادرا على زيارة الفاتيكان في وقت كهذا.
في المقابل، ينتهز الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الفرصة ليؤكد- بدهاء- حماسه للاردن وهو يلقب الملك بحامي المقدسات، الامر الذي يتفاعل على شبكات التواصل وصولا لتلقيب ملك الاردن بـ “حامي المقدسات وخادم أولى القبلتين وثالث الحرمين”، بصورة توضح الغضب الاردني الكبير من السعوديين، خصوصا بعد موقف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير المناكف تماماً للاردن والسعودية وهو يعلن- خارج السياق- واشنطن “وسيطا جادّاً” في محادثات السلام حتى بعد خطوة اعلان الرئيس الامريكي القدس عاصمة للاسرائيليين.
في زيارة عاهل الأردن للسعودية، لم تتوقف القصة عند التوقيت والطلب ولا حجم الوفد المرافق، وانما تخطّت ذلك لخطوة أعمق وأكثر “غروراً” من جانب الرياض تقابلها “ندّية” من جانب عمّان، إذ اصطحب الملك عبد الله معه ولي عهده (ابنه) الامير حسين، الامر الذي منع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من حضور الاجتماع الاول، كونه يرفض الموقع الذي يفرضه عليه بروتوكوليا وجود الامير الشاب حسين، فهو يرى نفسه أقرب لندّية الملك عمليّاً منه لندّية نظيره الأردني.
من هنا يمكن فهم اضطرار ولي العهد السعودي لعقد لقاء ثانوي مع الملك، وتغيّبه للقاء الموسّع الذي تم عقده مع الملك سلمان، تجنّبا لاستقبال الامير الحسين في اللقاء الكبير أو الصورة وهو إلى جانبه، الامر الذي لم يُعجب ولي العهد الاردني وبالتالي الملك عبد الله، ولكن الوفد الاردني “ابتلعه” على مضض.
هذه مؤشرات واضحة تُرصد من الزيارة باعتبارها دلالات على التشنج الكبير بين المرجعيتين، وتأكيد على كون “الابتسامات” في صور الزيارة قد لا تعكس الا سطح العلاقات وليس العمق الذي يبدو أنه تصدّع بكل الاحوال في الموقف من القدس بعد ان عاش فترة من الجمود والتصلّب والجفاء.
طبعاً من كل المؤشرات، لا تسقط حقيقة ان ملك الاردن فضّل قضاء ليلته باسطنبول على الرياض ليمنح العاصمة التركية وقتاً أطول من ذلك الذي منحه للعاصمة السعودية، وهذا وحده تفهم تماما معناه القيادة السعودية، في وقت كهذا وتصنفه تحت عنوان “طريق الاردن للقدس لم يعد يمر بالرياض وانما باسطنبول” او بأنقرة طبعاً، وحتى الآن على الأقل.
عمان ومع ادراكها لحساسية الرياض تجاه انقرة ورئيسها اتجهت لاسطنبول، وظهرت في الصور التذكارية على يمين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الامر الذي لم تكن تعرف ان اضراره لاحقا قد تضرب اقتصادها بضربة من وزن احتجاز المصري الذي يساهم على الاقل في بنكين وعدد من الشركات، وهو بكل الاحوال احد “جسور” الاردن مع السلطة الفلسطينية، والرياض تدرك ذلك جيدا.
عودة لصبيح المصري..
بالترتيب الكرونولوجي للأحداث، تلقي الرياض القبض على رجل الاعمال الاردني ذو الاصل الفلسطيني، والحامل للجنسية السعودية (والذي يتم تداول حمله للجنسية الامريكية ايضا) صبيح المصري، في اليوم التالي للزيارة الملكية المذكورة رغم انه كان متواجدا في الرياض لايام قبل الزيارة وخلالها، ما بدا وكأن الرجل كان ورقة مؤجلة لما بعد جس نبض الموقف الاردني في الزيارة ذاتها.
القبض على الرجل في الرياض والتي ذهب إليها مختارا رغم تحذيرات من اصدقاء مقربين أكدوا ذلك لـ “رأي اليوم”، يؤشر اساسا على انه لا يمثل نفسه اليوم في الرياض بصفته “مواطنا سعوديا” قدرما يمثل الاردن الذي غادر بجواز سفره، وبصورة أدق يمثّل الجسر الاردني لفلسطين، فالرجل معروف بأنه ملياردير ينعش الاقتصادين في عمان والقدس.
المصري وتحت شعار انه لا يقوم على اي عمل مشبوه اساسا، كما لا يستثمر بأموال السعوديين او اي مؤسسات حكومية سعودية، ذهب للرياض ومارس اعماله قبل ان يتم القاء القبض عليه بينما هو يتوجه للمطار لمغادرة العاصمة السعودية، الامر الذي يؤشر على عدة ملاحظات يجب التنبه لها جيدا: الاولى، ان “مهرجان” استقبال الملك في الرياض لم يحمِ الرجل، لا بل وقد يكون أسهم في القبض عليه، وهنا ترجح رواية ان الرياض قايضت عمان بعدم الذهاب لاسطنبول فعلا كما اوردت صحف غربية، الامر الذي تجاهلته العاصمة الاردنية وشجّعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس على تجاهله ايضا، لتضرب الرياض عمان والسلطة الفلسطينية برجل واحد هو المصري الذي يعتبر عماد الاقتصاد الاردني ومساهم اساسي في الاقتصاد الفلسطيني بطبيعة الحال.
الملاحظة الثانية، ان “الشفافية” في التعامل مع الاردن من قبل السعودية باتت معدومة، فالرجل تم القبض عليه بعد الزيارة الملكية الاردنية للرياض، في حين يبدو أن أحدا لم يخبر الملك عبد الله الثاني المقرب جدا من الرجل أو من معه في الوفد، أو حتى نائب المصري في البنك العربي ومبعوث الملك الخاص للرياض الدكتور باسم عوض الله (النافذ في السعودية) عن كون الرجل متورط بأي شكل، أو حتى انه تحت المجهر، وهذا بالضرورة يؤشر على تدنٍ كبير اصلا في منسوب الثقة بين العاصمتين.
الملاحظة الثالثة، الرياض اليوم لا تشبه ابدا نفسها سابقا حين كانت فعلاً معنية بأمن واستقرار الاردن، وجملة الملك سلمان في الرياض “امن الاردن من امن السعودية” لا تزيد على كونها اضافة للاستهلاك الاعلامي، وهذا ما يجب ان تتأكد منه عمان ويستقر بذهنها، فرياض اليوم “مغامرة ومتهورة” وفقا للتصنيف الاوروبي الذي عبرت عنه الخارجية الالمانية.
من هنا، فاعتقال المصري لا ينبغي له بحال من الاحوال ان يمر بالطريقة التي يروجها السعوديون على اساس انه مواطنهم، وهي الطريقة التي تحاكي بصورة كبيرة ما جرى مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قبل اسابيع، بل على العكس فالاردن اليوم ومن موقع قوة يستطيع المطالبة بتفاصيل الحادثة واستعادة الرجل الذي يبدو انه اقلق الرياض ايضا بالاونة الاخيرة.
فما نُقل عن الرجل انه يريد الاستقرار تماما في الاردن بعدما تجاوز الثمانين من العمر، وهذا بطبيعة الحال يعني نقل استثمارات في الرياض وواشنطن الى الاردن، ولهذا تداعياته الاقتصادية الايجابية على عمان والسلبية على الرياض وواشنطن بطبيعة الحال.
وهنا على عمان ان تنتبه جيدا لكيفية معالجة قضية المصري والتعامل معها، وعدم التوقف طويلا في مربع الانكار الذي يبدو انها لا تزال فيه، إذ تغيب المنابر الاعلامية الرسمية عن القصة بشكل شبه تام، كما لم يصدر تصريح عن عمان على المستوى الرسمي، وتحت ذات الشعار “عدم الانجرار لتصعيد مع الاشقاء”.
الاهم من ذلك، ان العاصمة الاردنية اليوم مستهدفة علناً من الاشقاء، وانها اليوم لا تدفع ثمن موقفها من القدس وحسب، وانما على ما يبدو ان هناك من يسعى تماما لتصفية شاملة في الحسابات وهدفها ليس الماضي، قدرما هو منصبٌّ على تهميش الاردن اقتصاديا، وهو الامر الذي يبدأ بتوقيف المصري وانتهاك السيادة الاردنية، وصولا لمستقبل يرسم تماماً لتسوية القضية الفلسطينية على حساب عمان.