«جلوبال ريسيرش»: لماذا تعد قيادة المرأة خطرا على النظام السعودي؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
لطالما حذر المحافظون في المملكة العربية السعودية لعقود من أن السماح للنساء بالقيادة سيكون تطورا خطيرا جدا للمملكة الأصولية المحافظة، بحجة أن ذلك سوف يقود بطريقة ما إلى تحلل المجتمع وانتشار الفجور، الذي من شأنه أن يصطدم مع ما يعتقدون أنه أنقى طريقة لممارسة الإسلام. وليس هذا هو السبب في أن مرسوم الرياض الأخير الذي يمنح المرأة هذا الحق الذي طال انتظاره في الصيف المقبل خطير جدا، ولكن السبب الحقيقي هو رد الفعل الذي لا يمكن التنبؤ به، والذي ربما يكون عنيفا من قبل رجال الدين السعوديين. وقبل الحديث عن ذلك، هناك حاجة إلى قول بضع كلمات عن قرار المملكة، الذي تم نشره على نطاق واسع، بالسماح للمرأة أخيرا بالقيادة.
تعطيل رؤية 2030
لم يكن هذا القرار يهدف لتحويل الانتباه عن الحرب في اليمن أو الوضع الخطير للأقلية الشيعية في المنطقة الشرقية مثلما زعمت بعض الانتقادات الساخرة، على الرغم من أن هذا قد يكون نتيجة قصيرة الأجل للقرار. وبدلا من ذلك، فإن ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» عازم حقا على إصلاح الوضع الاجتماعي والثقافي في بلده، من أجل تمكينها من العمل على نحو أكثر فعالية، من خلال إصلاحاته الهيكلية لرؤيته لعام 2030، التي ينوي من خلالها نقل المملكة في النهاية إلى «اقتصاد أقل اعتمادا على الطاقة» مع مرور الوقت. ولا تزال هناك إصلاحات كثيرة أخرى ضرورية لجعل نساء المملكة يتمتعن بنفس الحقوق التي يتمتع بها نظرائهن في أماكن أخرى في معظم البلدان ذات الأغلبية المسلمة، ولم نتحدث هنا عن الغرب، لكن هذا القرار لا يزال خطوة قوية جدا في اتجاه زيادة مشاركة الإناث في القوى العاملة في المستقبل.
ومن هذا المنطلق، يصبح من الواضح السبب في الاحتمال الأكبر لمعارضة العناصر الأكثر تحفظا من رجال الدين لـ «رؤية 2030»، لأنها تعرف أن الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التدريجية (حتى وإن لم يتم تنفيذها بالكامل) ستؤدي حتما إلى تغييرات تحولية في البلاد، يعتقدون أنها تتناقض مع تفسيرهم الأساسي للإسلام. وبعبارة أخرى، على الرغم من أنهم لن يقولوا ذلك علانية خوفا من الاعتقال، يمكن افتراض أن معظم هؤلاء الشيوخ يعتقدون أن مبادرة ولي العهد «حرام» بموجب الشريعة الإسلامية.
إضعاف أساس الاستقرار السعودي
وقد تم استخدام مثل هذه الذريعة كنداء حشد لشن الحروب الجهادية في العراق واليمن، لذلك يمكن التوقع منطقيا أن يحدث شيء مشابه من هذا النوع ضد النظام الملكي السعودي، إذا لم تتمكن المملكة من السيطرة على ردود فعل رجال الدين الوهابيين. وفي هذه المرحلة، يكون من المهم أن نذكر بإيجاز بالهيكل السياسي السعودي، الذي هو أقل من الديكتاتورية الاستبدادية، ويميل أكثر إلى كونه سلطة استبدادية مقسمة بين رجال الحكم ورجال الدين. ويشكل هذا التحالف بين آل سعود وأتباع محمد بن عبد الوهاب الأساس السياسي للمملكة، حيث يحدد كل طرف جانبه مجالات النفوذ الداخلي.
وكان هذا الترتيب مستقرا بما فيه الكفاية حتى قرر ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» إنفاذ مبادرته للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية المتأصلة في أجندة «رؤية 2030»، حيث يرى رجال الدين في هذه الرؤية انتزاعا للسلطة بحكم الأمر الواقع، أو قد تكون حتى «انقلابا ناعما»، من قبل النظام الملكي على الاتفاق الضمني السابق مع رجال الدين. وفي ضوء هذا السبب، فإن مسألة السماح للمرأة بقيادة السيارة أمر بالغ الخطورة بالنسبة للاستقرار السعودي، بسبب رد الفعل المتفجر الذي قد يثيره رجال الدين الوهابيون. ولعل هذه هو سبب الحملة الأخيرة التي نفذتها المملكة ضد بعض الزعماء الدينيين، حيث خرجت الكثير من التوقعات أن يسعى رجال الدين الأشد تشددا إلى حشد الشعب حول قضاياهم في محاولة للإطاحة بالملكية، بمجرد الإعلان عن السماح للمرأة بالقيادة قريبا.
تشعبات متعددة الأقطاب
وقد يشعر بعض المراقبين بلمسة من الشماتة في زعزعة الاستقرار المحلي في السعودية، بسبب ما فعله النظام الملكي السعودي في الشرق الأوسط وحتى لفئات من شعبه (الشيعة والنساء)، ولكن لاتزال الحقيقة هي أن أي صراع بين رجال الدين والنظام الملكي القادم لن تؤثر فقط على المملكة. والسعودية هي واحدة من أكبر موردي النفط في العالم، وتتمتع بموقع جغرافي استراتيجي على مفترق طرق بين القارات الثلاث الأكبر، آسيا وأفريقيا وأوروبا. وفي العام الماضي، نمت علاقة البلاد بشكل لا يصدق أيضا مع كل من روسيا والصين، لذلك فإن أي اضطرابات سعودية من شأنها أيضا أن تضر بالتأكيد بالمصالح متعددة الأقطاب على المدى الطويل.
وفيما يتعلق بروسيا، وافقت الرياض على اتفاق غير مسبوق بين منظمة أوبك وموسكو، ثم تجديد الاتفاق بعد انتهاء صلاحيته، وتنسق الآن مع وزارة الخارجية الروسية على توحيد المعارضة السورية، وقد وقعت على اتفاق لشراء أسلحة روسية بقيمة 3.5 مليار دولار هذا الصيف، وذهب الملك السعودي لروسيا للمرة الأولى في التاريخ، بل وتخطط الرياض لعقد أول منتدى عسكري تقني مع روسيا بنهاية العام الحالي. وفيما يتعلق بالصين، تقوم الجمهورية الشعبية ببناء مصنع للطائرات المسلحة بدون طيار في السعودية، وقام الملك بزيارة بكين في وقت سابق من هذا العام، ووقع الجانبان سلسلتين منفصلتين من الاتفاقيات تجاوزت قيمتها 130 مليار دولار في الشهور الستة الماضية وحدها.
«بلقنة» شبه الجزيرة العربية
وقد تكون النتيجة الجيوسياسية الأكثر احتمالا للقلاقل الحاكمة في المملكة هي «بلقنة» شبه الجزيرة العربية في مجموعة من الإمارات، وهي نتيجة تعكس ما يمكن أن يحدث لو كانت الولايات المتحدة قد نجحت في تحويل الحرب الباردة الخليجية المفتعلة إلى حرب ساخنة. وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة، التي دبرت التوترات السعودية القطرية، فريدة من نوعها في الشرق الأوسط، لأنها في الأساس مجموعة من الإمارات التي تعمل ككيان شبه موحد، ويمكن تكرار هذا النموذج الحاكم الإبداعي في «مملكة بلقانية» سعودية، لتوسيع نطاق بصمة أبوظبي في الداخل إلى شبه الجزيرة ومواردها الطبيعية الغنية.
وبالإضافة إلى ذلك، قد ينتج أيضا عن انتشار النظام الإماراتي في جميع أنحاء هذه الزاوية الاستراتيجية من الشرق الأوسط خلق نموذج هيكلي يصلح لتقسيم وحكم أجزاء أخرى من هذه المنطقة المجزأة بشكل عام، لاسيما في اليمن سيراق (دمجا لسوريا والعراق).
لذلك، فإن إطلاق «الفوضى المحسوبة» في المملكة العربية السعودية قد يكون جزءا من خطط الولايات المتحدة لإعادة هيكلة جيوسياسية لما يسمى بـ «الشرق الأوسط الجديد»، على غرار نظام هجين «إماراتي الشكل».
ولا يمكن أن يحدث ذلك طالما بقيت السعودية موحدة، وتتجلى مصلحة الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميين في تقسيمها، وهو سيناريو قد يحاولون تحقيقه من خلال الاستفادة من معارضة رجال الدين الوهابيين لمرسوم المملكة الأخير الذي يسمح للمرأة بالقيادة.
خاتمة
سيكون من الصعب العثور على شخص لا يشيد بالإصلاح الاجتماعي والثقافي الأخير في المملكة بمنح المرأة الحق في القيادة، على الرغم من السخرية بشأن القرار الذي طال انتظاره وأنها خطوة غير كافية. ويبدو ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» جادا في تحقيق مبادرته «رؤية 2030»، وهو الأمر الذي يتطلب بالتالي الشروع في تغييرات تحولية داخل المملكة تتعارض مع العقيدة الوهابية المتشددة التي تبشر بها المؤسسة الدينية التي تمتلك نصف السلطة في البلاد.
و لن تتمكن المملكة من النجاة في نهاية المطاف من زعزعة الاستقرار الوهابي، إلا إذا تمكنت من النجاح في كسب رجال دين «معتدلين» نسبيا، مع ضمان دعم القوات العسكرية والقوات الخاصة المناهضة للإرهاب، وضمان تحقيق دعم حقيقي لسكان البلاد، مع النمو السكاني الديمغرافي للشباب. وسيسمح هذا بدوره للسلطات بعزل دعاة التشدد الأساسيين، والاعتماد على دعم الجماهير، على غرار ما فعله الرئيس «أردوغان» في استخدام آليات «الأمن الديمقراطي» ببراعة، لمواجهة الانقلاب الفاشل المؤيد من قبل الولايات المتحدة في صيف عام 2016.
وبالنظر إلى أن إصلاح «الرياض» يعد استفزازيا في سياق حساسية السلطة في الدولة، خاصة من حيث تجاوز الحدود المتفق عليها مع رجال الدين، فيما اعتبر محاولة «انقلاب ناعم»، فمن الواضح أن السماح للنساء بالقيادة في الواقع كانت مخاطرة كبيرة. ولا تزال هناك إمكانية محتملة لزعزعة الاستقرار على الرغم من الحملة الأمنية التي قادتها حكومة المملكة، ومع ظهور أي احتجاجات مناهضة للحكومة القادمة، بقيادة رجال الدين الوهابيين، ستكون إشارة إلى أن الولايات المتحدة قد شرعت أخيرا في عملية تغيير النظام ضد الرياض.
المصدر | أندور كوريبكو - جلوبال ريسيرش