بمُناسبة الذّكرى 87 للعيد الوطني السّعودي: لماذا تأجّل انتقال العَرش إلى الأمير محمد بن سلمان؟
ولماذا غاب العاهل السّعودي وولي عَهده عن اجتماعات الجمعيّة العامّة؟ وهل سياسة القبضة الحديديّة ستتمخّض عن اعتقالاتٍ جديدة؟
احتفلت المملكة العربية السعوديّة اليوم السبت بالذّكرى السابعة والثمانين لذِكرى توحيدها وتأسيسها، حيث قال الأمير محمد بن سلمان في كَلمةٍ نَقلتها وكالة الأنباء الرسميّة أنّه “يَحمد الله على نِعمة الأمن والاستقرار والازدهار فيها تحت قيادة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز″، الذي لُوحظ غيابه عن هذه المُناسبة، مِثلما لُوحظ غِياب وَلي عهده، أيضًا عن اجتماع الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة، الذي اقتصر تمثيلهما فيه على السيد عادل الجبير، وزير الخارجية.
كثيرون داخل المملكة وخارجها توقّعوا أن يتنازل العاهل السعودي لولي عَهده عن العرش مع حُلول هذهِ الذّكرى، ولكن يبدو أن هذهِ التكهّنات لم تَكن في محلّها، أو ربّما سابقةً لأوانها، وإلقاء الأمير بن سلمان كلمةً بمُناسبتها، نيابةً عن والده، تُؤكّد ما هو مُؤكّد، أي أنّه بات الحاكم الفِعلي للبلاد، وأن هذهِ الخُطوة تأجّلت لأسبابٍ ما زالت مَجهولة.
كل المُؤشّرات تُشير إلى أن تشديد الأمير بن سلمان قَبضته الأمنيّة الحديديّة على الحُكم في الأيّام والأشهر الأخيرة تأتي في إطار طريقها، وفَرض رؤيته الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة التي تتلخّص في تَقليص اعتماد بلاده على النفط، وخَلق صندوقٍ سياديٍّ ماليٍّ ضَخم من خلال بَيع حصّة من شركة أرامكو العِملاقة عَبر طَرح أسهمها في الأسواق المحليّة والعالميّة، وتَخفيض الإنفاق، والمُضي قُدمًا في الانفتاح الاجتماعي، وتَنويع مصادر الدّخل بما في ذلك الاتجاه للقِطاع السياحي المَحفوف بالمخاطر، وهي خُططٌ لا تتضمن أيّ إشارةٍ للإصلاح السياسي.
حَملة الاعتقالات الضّخمة التي أجرتها السلطات السعوديّة وشَملت أكثر من 30 من الشخصيات الاقتصاديّة والدعويّة والإعلاميّة البارزة من بينها الشيخ سلمان العودة، الذي يَتبعه 18 مليونًا على “التويتر”، وشَقيقه خالد الذي احتجّ على اعتقاله، وزميله في “حَركة الصّحوة” عوض القرني، وأخيرًا الاقتصادي السعودي المَعروف عصام الزامل الذي انتقد بطريقةٍ علميّةٍ رؤية الأمير محمد بن سلمان (2030) الاقتصاديّة، مِثلما انتقد بَيع حصّته من شركة أرامكو، هذهِ الحَملة التي حَظيت بتغطيةٍ إعلاميّةٍ واسعة، جاءت لتُؤكّد أن الأمير بن سلمان ماضٍ في خُططه لتولّي العَرش دون هوادةٍ، وربّما قبل نهاية هذا العام.
حركة الاحتجاج السعوديّة التي أقدمت عليها، أو بالأحرى، دَعت إليها، شخصيّاتٍ سياسيّةٍ وإعلاميّةٍ مُعارضة تُقيم في الخارج في مُعظمها، لم تُحقّق إلا القليل من أهدافها بسبب هذهِ القَبضة الحديديّة، ونُزول أعدادٍ كبيرةٍ من رجال الأمن إلى الأماكن والسّاحات المُرشّحة للتجمّع، إلى جانب عُزوفِ كثيرٍ من السعوديين عن المُشاركة خوفًا من الاعتقال، أو حرصًا على استقرار البلاد، ومن المُفارقة أن السلطات السعودية قالت أن هذهِ التحرّكات، وأعمال التحريض، تأتي في إطار مُؤامرةٍ خارجيّةٍ تَستهدف أمن واستقرار المملكة، وهو التّعبير نَفسه الذي استخدمته نَظيرتها السوريّة في بداية الأزمة قبل سَبع سنوات تقريبًا.
الأمير محمد بن سلمان، سواء ظلّ يَحكم البلاد كوليٍّ للعهد، أو كمَلكٍ مُتوّج، يُواجه تحدّياتٍ ضَخمة في الأشهر والأعوام المُقبلة، أبرزها الأزمات التي تُحيط ببلاده، سواء تلك المُتمثّلة في الحَرب اليمنيّة المُستمرّة منذ عامين ونصف العام، أو الأزمة الخليجيّة التي دخلت المئة يوم الثانية من عُمرها، وَسط تَصعيدٍ مُتسارع، وفي غِياب أيّ حُلولٍ أو وساطاتٍ ناجعة.
كيف سيُواجه “العاهل السعودي المُقبل” هذهِ التحدّيات الصّعبة، هذا ما سَتكشف عَنه الأيّام والشّهور المُقبلة، ولا نَستبعد مُطلقًا أن تأتي الذّكرى الثامنة والثمانين المُقبلة وهو مُتربّعٌ على العَرش، فلا يوجد أيّ مُؤشّرٍ حتى كتابة هذهِ السّطور يُوحي بعَكس ذلك.. والله أعلم.
“رأي اليوم”