حراك 15 سبتمبر».. مطالب إلكترونية تبحث عن فاعليات بالشارع السعودي
إسلام الراجحي
«خلية نحل تبحث عن ملكة».. هكذا يمكن إطلاق التوصيف على «حراك 15 سبتمبر» في السعودية، الذي تتصاعد الأقاويل حوله وتنتشر دعواته كالنار في الهشيم، دون قيادة واضحة له.
«حراك 15 سبتمبر»، هو الاسم الذي حملته صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، لدعوات سعودية سلمية معارضة تهدف إلى «معالجة الفقر والبطالة، وأزمة السكن، وإزالة أسباب الجريمة، والتفكك الأسري، ورفع الظلم عن المرأة، والضعوف، وتحسين مستوى الخدمات».
الحراك والمطالب لم تتوقف عند الطابع الاجتماعي فحسب، بل ارتفع سقفها سياسيا، بالدعوة إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفض «تعيين (محمد) بن سلمان وليا للعهد»، ومواجهة تحركاته لتنصيب نفسه ملكا «حماية للبلد من هذا الطائش الذي سيورد البلاد المهالك»، وفق الحساب ذاته.
بداية الدعوات
بدأت الدعوة للحراك منتصف الشهر الماضي، إلا أنها كان لها إرهاصات منذ شهر رمضان، الذي شهد دعوات لحراك مماثل في 7 رمضان، إلا أنه لم يلق رد فعل واسع حينها، ليدع القائمون على الحراك ليوم آخر هو 15 سبتمبر/أيلول الجاري.
الدعوة الجديدة للحراك المزمع في 15 سبتمبر/أيلول، انبثقت من تغريدات للمستشار في الديوان الملكي السعودي «سعود القحطاني» دعا فيها قطر لاحترام حق التظاهر السلمي.
إذ اعتبرت صفحة «حراك 15 سبتمبر» على «تويتر»، ذلك دليلا على تغير سياسة السعودية إزاء الحراك السلمي؛ بعد أن «عدته مشروعا وقمعه جريمة».
بقي الداعون للحراكين في 7 رمضان و15 سبتمبر، مجهولين، إلا أن بعض الشخصيات، أعلنت تبنيها له، وليس مسؤوليتها عنه، كالناشط السعودي المعارض «غانم الدوسري» و«سعد الفقيه» المقيمان في لندن، والصحفي المعارض «تركي الشلهوب»، بالإضافة إلى المغردين الأشهر في المملكة «مجتهد» و«العهد الجديد» و«كشكول»، و«محمد المسعري» أمين عام حزب التجديد الإسلامي.
«الدوسري»، منذ أسابيع، بدأ للترويج لحراك «15 سبتمبر»، قائلا إنه «ليس صاحب الفكرة، إنما مؤيد لها فقط»، واقترح على الناشطين المعارضين في الداخل اتخاذ سياسة مغايرة لجميع محاولات الحراك الفاشلة سابقا.
أزمات ومطالب
وساعد في انتشار الدعوات الداعمة للحراك واتساع نطاقها داخل المملكة، المؤشرات الداخلية والاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بالأجور، بالإضافة إلى الوضع المتردي للسكن والخدمات، بعد استنزاف الحرب في اليمن الكثير من ميزانية المملكة، دون نتائج ملموسة، في ظل تراجع إيرادات النفط.
معالجة الفقر والبطالة، والتفكك الأسري، ورفع الظلم عن المرأة، كانت أسباب أعلنها الحراك بوضوح للقيام بتحركاتهم، في ظل تصاعد الأزمات في المملكة، دون حل جذري لها.
«رؤية 2030» التي دشنها ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، تعد أحد أسباب الحراك، حيث يرى القائمون عليه أن فيها إهدار لموارد الدولة لأنها ترتكز بشكل كبير على خصخصة أجزاء كبيرة من القطاعات الحكومية في محاولة لتنويع مصادر الدخل للحكومة والبعد عن الاعتماد الكلي على إنتاج النفط الذي شهدت أسعاره انخفاضًا حادًا.
الأمير «محمد بن سلمان» ولي العهد السعودي نفسه، هو أحد أسباب الحراك، الذي يرى القائمون عليه إن إعفاء ابن عمه الأمير «محمد بن نايف» من منصبه كولي للعهد ووضعه تحت الإقامة الجبرية، تسبب في انقسام كبير داخل الأسرة الحاكمة بالمملكة، لم يعد خفي على أحد.
الخلاف داخل الأسرة الحاكمة لم يطل «بن نايف» فحسب، بل طال آخرين، منهم الأمير «عبد العزيز بن فهد»، الذي جرى اعتقاله قبل أيام، وكذلك الضغط على الأمير «متعب بن عبد الله» وزير الحرس الوطني، للتناول عن منصبه.
كل هذا دفع مراقبون، للحديث أن المعارضين داخل الأسرة الحاكمة نفخوا في الحراك لتوسيع رقعته من أجل في مواجهة «بن سلمان» الذي تقول مصادر إنه لم يكتف فقط بولاية العهد، بل يستعد لتنصيب نفسه ملكا للسعودية، بعد تنازل والده له.
الأزمة الخليجية الأخيرة، كانت أحد أسباب الدفع في اتجاه الحراك، في ظل إجراءات قمعية اتخذها «بن سلمان»، بمحاصرة مغردين ودعاة وإعلاميين، وصل الأمر إلى إسكاتهم تارة كالكاتب الصجفي «جمال خاشقجي»، واعتقالهم تارة أخرى كالدعاة «سلمان العودة»، و«عوض القرني»، و«علي العمري»، و«محمد موسى الشريف» وآخرين.
كما أن الأزمة الخليجية، فضحت الكثير من ممارسات السعودية في الداخل والخارج، في ظل حرب حملة إعلامية شرسة بين قطر والمملكة، لم تترك مستور إلا فضحته.
السياسة الخارجية السعودية، هي الأخرى أحد أسباب الحراك، فحرب اليمن تدخل عامها الثالث دون تقدم، وتكثر معها الصور الصادمة لضحايا من أطفال ونساء، وصور الجوع والمرض الذي يفتك بشعب عربي مسلم.
وما بات مؤكدا أن السعودية خسرت حربها في سوريا، ورمت بكل ثقلها في صراعها مع إيران دون نتائج.
كما أن تبعية السعودية بثقلها الإسلامي، إلى الإمارات، حتى بات «بن سلمان» مؤهلا لقبول رواية أبوظبي، وتنفيذ ما يخطط له «محمد بن زايد» ولي عهد أبوظبي، سببا رئيسيا في غضب السعوديين، ورفض ما يجري.
زيارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للمملكة في مايو/أيار الماضي، واستثمارات الـ450 مليار دولار والاستقبال الحافل مع ابنته، لاقي سخطا لدى كثير من السعوديين الذين يلمسون حالة التقشف في معيشتهم بينما تذهب مليارات إلى جيب الأمريكان.
مواجهة دينية
الدعوة للحراك أخدت طرق كثيرة، كان أبرزها مقطع فيديو نشره حساب «نحو الحرية»، لسيدة سعودية أيدت فيه الحراك السلمي، مستعرضة انتقاداتها لسلطات المملكة، ومشجعة الناس على الانضمام بقولها: «الظالم لن يعطيكم حقكم، عليكم أن تتحركوا لتأخذوه».
واختتمت مقطع الفيديو بالقول: «صارِحوه.. انصحوه.. ولا تنافقوه»، في إشارة إلى العاهل السعودي.
الحراك وإن كان يلقى تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تصدر وسم «حراك 15 سبتمبر» قائمة الوسوم في المملكة قبل أيام، إلا أنه يواجه السلطة الدينية في البلاد التي يتزعمها أسرة «آل الشيخ» وتتقاسم السلطة مع «آل سعود».
السلطة الدينية تنتهج مذهب السلفية المدخلية، الذي يحرّم أي من مظاهر الاعتراض على السلطة باعتبارها خروجاً على الحاكم يحرمه الشرع
في وقت تنفخ هذه المؤسسة الدينية فيما شهدته دول مجاورة من تجارب مريرة ودموية كسوريا والعراق وليبيا.
يأتي ذلك في وقت تربط المملكة علاقات وتحالفات دةلية، تسمح لها بغطاء دولي يواجه حملات القمع، كما حدث في العوامية (شرق السعودية) ذات الأغبلية الشيعية قبل أشهر.
توجيهات حركية
بالعودة إلى صفحة الحراك، مجهولة المنسق، فقد تركت الحرية للشعب في اتخاذ ما يراه من حراك، حتى وإن وصل إلى تغيير اليوم، بالتبكير أو التأخير.
كما تركت للمشاركين في الحراك، حرية التحرك جماعة أو فرادى، من المساجد أو البيوت، أو الميادين، وتركت لهم أيضا حرية التقييد بالأماكن المعلنة من الحراك للتجمع، مكتفية بوضع المبادئ العامة والأهداف.
صفحة الحراك لم تتحدث عما سيتمخض عنه، واكتفت بالتأكيد أنه بات أيقونة وحديث الساعة، داعية إلى أن يتمخض عنه نتائج تثلج الصدور.
المصدر | الخليج الجديد