حياد البشير يغضب السعودية وحلفاءها.. وسودانيون يطالبون بسحب قواتهم من اليمن وفك الحصار عنها..
والدور المصري يدفع بإتجاه القطيعة مع السودان والسبب سد النهضة وحلايب.. واليكم القصة كاملة
يعيش الرئيس السوداني عمر البشير اكثر أيام حكمه حراجة الذي امتد قرابة 27 عاما، والسبب في ذلك الازمة الخليجية التي وضعته امام خيار صعب، اما الانحياز الى السعودية التي استخدمت نفوذها وعلاقاتها القوية مع الادارة الامريكية لتخفيف العقوبات الدولية على السودان، او الوقوف في خندق قطر، الدولة الحليفة التي تدعم حركة “الاخوان المسلمين”، التي تشكل جبهة الإنقاذ الحاكمة في الخرطوم احد فروعها القوية.
الرئيس السوداني بهذا الموقف الحيادي اغضب الأصدقاء السعوديين الجدد الذي انضم الى التحالف العربي بقيادتهم، وارسل ستة آلاف جندي للقتال في اليمن “من منطلق الحرص على عودة الشرعية والحفاظ على امن المنطقة الذي بات مهددا من الجماعات الإرهابية والاطماع الإيرانية”.
وكعادة كل الدول التي رفضت التجاوب مع المطالب السعودية في قطع العلاقات مع قطر، عرض الرئيس البشير القيام بدور وساطة “لتفعيل الجهود الدبلوماسية لايجاد حل للازمة”، ولهذا شد الرحال الى مكة المكرمة، ولكن الهدف الأساسي من هذه الزيارة اللقاء مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الذي يقضي الأيام العشرة الأخيرة من رمضان بجوار الكعبة اسوة بكل ملوك آل سعود.
الفتور في العلاقات السعودية السودانية انعكس في مستوى الاستقبال الذي حظي به الرئيس البشير في مطار جدة الدولي، حيث كان في استقباله الأمير عبد الله بن بندر بن عبد العزيز نائب امير منطقة مكة، ووصل هذا الفتور ذروته عندما اعتذر الرئيس السوداني عن عدم المشاركة في القمة العربية الإسلامية التي انعقدت في الرياض في 21 أيار (مايو) الماضي بحضور الرئيس ترامب، واوفد مدير مكتبه الفريق طه عثمان الحسين، لتمثيله فيها، وهو وزير دولة في الرئاسة، وهو الوزير الذي عزله قبل يومين في ظروف غامضة، وترددت انباء مؤكدة بأن سبب العزل تسريبه وثائق عن العلاقات الأمنية بين قطر والسودان، وهو ما نفاه الأخير، وانحيازه بالكامل للموقف السعودي في ازمة الخليج.
المواطنون السودانيون في حيرة من امرهم، سواء تجاه الازمة الخليجية او مواقف رئيسهم تجاهها، خاصة ان نسبة كبيرة منهم تعارض مشاركة اكثر من ستة آلاف جندي سوداني تم الزج بهم في حرب اليمن، لارضاء السعودية وحلفائها، وضد دولة عربية فقيرة تتعرض للقصف والحصار منذ اكثر من عامين، ويطالب هؤلاء بسحب قواتهم هذه بعد تعاظم الخسائر البشرية في صفوفها.
هناك تساؤلات في الشارع السوداني تقول كيف يشارك الرئيس البشير في حصار اليمن الخانق وشعبه الجائع، ويقف على الحياد في حصار مفروض على قطر الدولة الأكثر ثراء في العالم، ولم يتضرر شعبها مطلقا من هذا الحصار او القطيعة المفروضة عليها؟
العامل المصري يلعب دورا في ارتباك الرئيس السوداني ووقوفه على “الحياد” في الازمة الخليجية، فالعلاقات بين مصر، التي تشكل ركنا مهما في التحالف السعودي ضد قطر، والسودان متوترة هذه الأيام بسبب انحيازها الى اثيوبيا في ازمة سد النهضة على النيل الأزرق الذي يزود مصر بأكثر من 70 بالمئة من حصتها الاضخم في مياه النيل التي تقدر بحوالي 55.5 مليار متر مكعب، وزار الرئيس البشير اديس ابابا في نيسان (ابريل) الماضي، ووقع مع قيادتها اتفاقات دفاعية واقتصادية اغضبت مصر.
لا نعرف كيف سيخرج الرئيس البشير من هذه الازمة التي أوقع بلاده فيها، مثلما لا نعرف ما اذا كان السعوديون سيقبلون دوره الحيادي، ناهيك عن وساطته في الازمة الخليجية، ويتفهمون في الوقت نفسه قراره بعزل حليفهم الفريق طه عثمان الحسين من منصبه كوزير في الخارجية، ومدير مكتب الرئيس.
ما نتوقعه ان يعود الرئيس البشير الى الخرطوم بحفي حنين، لان السعودية في حالة “تنمّر” هذه الأيام، وتتبنى عقيدة بوش “من ليس معنا فهو ضدنا”، اللهم الا اذا اعلن البشير من مكة المكرمة وقوفه في خندق العاهل السعودي وقرر قطع علاقاته مع قطر واتهامها بدعم الإرهاب، وتقديم دعم لحركة “الاخوان المسلمين” التي ينتمي اليها، ويتعاطف مع محنتها.
هل يفعل الرئيس البشير ذلك؟ من الصعب جدا ان يقدم على هذا القرار في اعتقادنا، ولذلك القطيعة مع السعودية واردة، ولا نستبعد ان تقدم الأخيرة على طلب سحب القوات السودانية من اليمن مثلما فعلت مع قطر، وعدم مواصلة جهودها، أي السعودية، لانهاء العقوبات الدولية المفروضة على السودان.. والله اعلم.
“راي اليوم”