تغيير المملكة أم تعديل اللقب.. ماذا يريد ولي ولي العهد؟
إيكونوميست – التقرير
كان لدى السعودية عدد قليل من المعارضين حتى في ظل الربيع العربي، ولم يكونوا في أفضل حالاتهم قادرين على تجميع سوى المئات لـ(يوم الغضب) في مارس عام 2011، والتجمع أمام وزارة الداخلية، داعين إلى انتخابات برلمانية حرة وملكية دستورية، وتم سجن قادة هذا التحرك كلهم لاحقا.
ولعل الخوف كان أحد الأسباب التي دفعت السعوديين لعدم المشاركة في التظاهرات، ففي مملكة تتصرف مثل جمعية خيرية، لديها رصيد كبير، وتقوم بتوفير العناية من المهد إلى اللحد، فإن هناك قليلين يرون حاجة لأن يغضبوا الدولة التي تطعمهم ، فثلثا المواطنين يعملون في وظائف حكومية، ويتوقعون زيادات سنوية، سواء عملوا أم لم يعملوا.
وقام نجل الملك، الأمير محمد بن سلمان بمحاولة تغيير هذا الوضع كله؛ لأن الدولة تواجه عجزا كبيرا في ميزانيتها بسبب انهيار أسعار النفط عام 2014 ، فالأمير، الذي يشغل منصب ولي ولي العهد ووزير الدفاع ورئيس الهيئة التي تدير الاقتصاد، يعد في نظر الكثيرين الحاكم الفعلي للبلاد، خاصة في ضوء عمر والده المتقدم (81 عاما).
أما الوزراء، ففي الوقت الذي وصفوا الموظفين المدنيين بالكسالى، قام الأمير بالإعلان عن خطة تقشف، بل وبدأ بتطبيقها، فتخفيض بدلات السكن والسفر والمرض أدى إلى قطع نسبة الثلث من رواتب الموظفين، وهي قرارات لم تكن شعبية، ولو أرادوا شد الأحزمة على بطونهم فلماذا لا يقوم الأمير نفسه، الذي قيل إنه دفع نصف مليار دولار لشراء يخت عام 2015، بذلك؟ وقارنه الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بجمال مبارك، نجل الرئيس المصري السابق النهم.
وفي 22 أبريل، قرر الملك التراجع مئة درجة، وأعاد البدلات والعلاوات التي تمتع بها الموظفون الحكوميون، وبتجاوز التذمر العام، فإن الأمير محمد يأمل بالحصول على دعم الطبقة المتوسطة ضد المعارضة داخل العائلة من الأمراء الذين يفضلون تولي الأمير محمد بن نايف العرش عندما يحين الوقت.
وحتى الآن، يبدو أن التعيينات والتعديلات الوزارية التي أعلن عنها الملك في مراسيم عدة عدلت الميزان لصالح الأمير الشاب، حيث أصبح شقيقه الأصغر الأمير خالد بن سلمان سفيرا في واشنطن، وهو أهم منصب دبلوماسي للمملكة، بشكل يعزز من علاقات الأمير محمد مع إدارة دونالد ترامب.
أما فيما يخص الدعم الخارجي، فإن الأمير محمد يتمتع بدعم رجال الاستخبارات الأمريكية، لكنهم يخسرون التأثير لصالح وزارة الدفاع (البنتاغون)، وقد يتحسر البعض لأن الأمير خالد (28 عاما) ليست لديه خبرة في الشؤون الدبلوماسية، لكنه طيار عسكري.
وعلى الرغم من سيطرة ولي العهد على وزارة الداخلية، إلا أنه بعد قرار إنشاء مركز للأمن القومي، الذي يتعامل مع الملك سلمان، فإنه قلل من سلطاته، بالإضافة إلى تعيين الجنرال أحمد العسيري نائبا لمدير الاستخبارات، ونقله من منصب المتحدث باسم وزارة الدفاع، ويتوقع المراقبون في الشأن السعودي أن يقوم الملك سلمان قريبا بتعيين ابنه محمد وليا للعهد ويحيل الأمير بن نايف على التقاعد.
هل تحدث وقفة؟
في عام 1964 قرر آل سعود الإطاحة بالملك سعود بسبب تجاوزاته الشخصية وسوء الإدارة، إلا أن العائلة قضت سبعة اعوام حتى وافقت على عمل هذا، وهو أمر بعيد وأقل وزنا الآن، فعلى الرغم من كون النميمة والحساسيات في إزدياد، وليس فقط لاستعداده لبيع مدخرات العائلة، حيث أن هناك مزاعم تقول إنه شخصيا قلل من قيمة شركة النفط السعودية (أرامكو) بحوالي 500 مليار دولار، حيث سيقوم بتعويم جزء قليل من أسهمها العام المقبل، وعلى العموم فإن العائلة لا تحب فعل أي أمر يؤثر في سلطتها.
ولعل ما هو أكثر قلقا، إمكانية التضحية بالإصلاحات الضرورية من أجل طموحات الأمير الشخصية، حيث رحب عدد من الممولين، بمن فيهم صندوق النقد الدولي برؤية 2030، التي أعلن عنها العام الماضي، التي كان الهدف منها تخفيض الإنفاق الحكومي، وتحضير الدولة لعصر ما بعد النفط.
وعلى الرغم من صعود سعر برميل النفط إلى ما فوق 50 دولارا، فإن الميزانية لا تزال تعاني من عجز، وإعادة العلاوات ستضيف 13 مليار دولار للنقص، الذي حدد بـ86 مليار دولار، أي 12% من مجمل الناتج القومي، وتؤكد الحكومة أن ماليتها تتحسن، مع أن الممولين المصريين يغادرون المملكة، والبحث عن جواز ثان من الذين يريدون المغادرة ولم يعودوا راغبين بالبقاء في تزايد مستمر، أما النمو الاقتصادي فهو أقل من 1%، وهي النسبة الأقل منذ أربعة أعوام”.
في النهاية، يوجه المعجبون بتحركات الأمير وقراراته تساؤلا فيما بينهم ” هل يسعى بن سلمان لتغيير المملكة أم تغيير لقبه؟”.