«هآرتس»: الجيل الجديد الذي يحوّل السعودية
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
من الصّعب أن ننكر أنّ السياسة الخارجية للسعودية يتم تحديدها من منظور التهديد الإيراني. ومنذ اندلاع الربيع العربي عام 2011، توسّع الصّراع بين السّعودية وإيران، الأمر الذي استنزف موارد المملكة. ومع ذلك، وما يبدو عليه من أهمية، لم يبدو التهديد الإيراني جاهزًا لتحديد مصير البلاد، بل يظهر تأثيره في تشكيل كيفية إدارة آل سعود للتحدّيات الداخلية.
يوجد فهم متزايد بين القيادة أنّ القضايا الاقتصادية والاجتماعية مثل البطالة والإسكان والتمييز ضد المرأة والأقليّات وعدم الرضا العام، تقوض بشكلٍ غير مسبوق في شرعية الحكم، وتسبّب تحدّيًا أمام النسيج الفريد والحسّاس للمملكة. وتبرز أزمة هوية متزايدة في المجتمع السعودي. ويكافح المزيد والمزيد من المواطنين، وخاصةً الشباب، في محاولة للتوفيق بين نمط المعيشة الذي يفرضه التفسير الوهابي للإسلام والتعرّض لنمط الحياة الغربي وملذّات الحياة.
وكلّما اشتدّت الصرامة الدينية، كلّما كان الثّمن باهظًا أكثر، حيث أصبح الإنترنت والفضاء الخاص ملجأً لهؤلاء الذين يجدون صعوبة في الإفلات من الرقابة الصارمة.
وقد تحوّلت مقاطع فيديو تظهر شبابًا سعوديين يتحدّون المعايير المقبولة تمّ رفعها على الإنترنت إلى مقاطع فيروسية واسعة الانتشار. يظهر واحد من هذه المقاطع مقابلة افتراضية بين مراهقٍ سعودي وفتاة أمريكية. يعلن الصبي عن حبه للفتاة بلغةٍ إنجليزية ركيكة وبإثارة بالغة، حتّى وإن كانت هذه هي المرة الأولى التي يحدّثها فيها. وقد تمّ إلقاء القبض عليه لاحقًا للسلوك غير الأخلاقي وأطلق سراحه بعد أسبوعين. وربّما يكون نفس المصير في انتظار مجموعة من الشباب تحوّلوا لنجوم عبر الإنترنت دون قصد بعد تصويرهم في حفلة خاصة يرقصون ويشربون الكحول ويرتدون أزياء غير محتشمة.
من المعقول أن نعي أنّ هؤلاء الشّباب لا يرفعون علم الثورة من أجل التغيير المجتمعي، لكنّهم مجرّد شباب يريدون الحصول على بعض المتعة مثل باقي الشباب حول العالم. ومن الممكن تمامًا أنّ بعضهم يعيش حياة دينية ويقبل أعباء الإسلام، لكنّهم في نفس الوقت منبهرين بجوّ الحرية.
زعيم شاب متمرّد
حتّى وقتٍ قريب، كانت تلك الممارسات تجد ردًّا قاسيًا من قبل المؤسّسات الدينية. مع ذلك، بدأ تغيّر كبير يطرأ في عام 2015. ومن المبكّر جدًّا تخمين تداعيات هذا التغيير. وتلت تغييرات في القيادة موت الملك الراحل «عبد الله» شهدت تعيين «محمد بن سلمان»، ابن الملك «سلمان»، كولي لولي العهد، وهو الرجل الذي يدير البلاد عمليًّا.
ويبلغ «بن سلمان» من العمر 31 عامًا فقط. وأدّى سنّه الصّغير وشخصيته المتمرّدة إلى تغيّر التفكير الذي كان مهيمنًا على البلاد والعمل على سحب السلطات الكبيرة الممنوحة للمؤسسة الدينية والشرطة الدينية. وظهر ذلك جليًا في تغيّر التفكير تجاه إدماج المرأة في العمل، فبعد أن كان مكان المرأة هو المنزل، فتحت أمامها الأبواب التي كانت مغلقة قبل ذلك.
على سبيل المثال، يمكن للمرأة الآن تمثيل موكليها في المحكمة، والانخراط في المهن الطبية والصحفية. والتغيير الجذري في نهج التعامل مع المرأة هو نتاج الضرورة وليس تغييرًا جذريًا في الوعي. وبسبب الصعوبات التي تواجه الأسر السعودية في الاعتماد على راتب الرجل فقط في تلبية الاحتياجات، وذلك بسبب تخفيض الدعم الحكومي، أصبحت هناك حاجة متزايدة لإدماج المرأة في سوق العمل لزيادة دخل الأسرة.
ومع ذلك، فالطريق نحو هذا الهدف مليء بالعقبات التي تبدو أحيانًا وعرة للغاية. فدمج المرأة في سوق العمل يوسّع من المعضلات التي يواجهها المجتمع السعودي ككل.
التغيير الناجم عن الواقع
حتّى وقتٍ قريب، كان من الطبيعي أن توفّر العائلة سائقًا خاص لتوصيل المرأة إلى عملها. مع ذلك، بسبب الحاجة إلى تخفيض النفقات، تخلّى العديد منهم عن خدمات السائقين (التي تكلّف أكثر من 400 دولار في الشهر)، وتحميل عبء القيادة لرجال الأسرة. ويسبّب ذلك مزيدًا من الضّغط على القوى المحافظة داخل الحكومة لرفع الحظر عن قيادة النساء. وسيحدّد إلى حدٍ كبير الصراع بين تحدّيات الحفاظ على المعايير الثقافية والدينية في مواجهة الاحتياجات الاقتصادية، الطابع الذي ستكون عليه المملكة في العقود القادمة.
وباسم مبدأ الكفاءة وتقليل الهدر في القطاع العام، قرّرت الحكومة تقليص سلّة الخدمات الكريمة التي يتلقّاها المواطنون مقابل الهدوء وسياسة الولاء. وتوقّفت الحكومة كذلك عن تمويل بعض المشاريع باهظة التكاليف. نتيجةً لذلك، عانت الشركات السعودية خسائر اقتصادية، وأفاد المواطنون السعوديّون بعدم قدرتهم على سداد أقساط الرهن العقاري والمصاريف الأساسية. ويكافح العديد منهم بسبب سياسة التقشّف ويحتجّون عليها في شبكات التواصل الاجتماعي.
ومن أجل تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على عائدات النفط، لابدّ من استحداث دراسات لتكييف نظام التعليم مع مطالب السوق الحديث. مع ذلك، فإنّ إدخال مثل هذه الدراسات سيكون جرحًا قاتلًا لهيمنة المؤسسة الدينية على المحتوى التعليمي، وقد يؤدّي ذلك بالتالي إلى تقويض التأييد الكامل من هذه المؤسسة للمؤسسة السياسية.
السعودية بلد صعبة المراس، حتّى لبعض مواطنيها. فهذه البلاد مليئة بالتناقضات والمفارقات نظرًا لنجاحها حتّى الآن في البقاء أيديولوجيًا وأمنيًا وسياسيًا، في ظلّ عديد التحدّيات. لكن حان الوقت الآن للتغيير. وقد كان هناك تحدٍّ دائم أمام دمج الدين مع الحداثة، لكنّ الحكمة السياسية للملوك المتعاقبين سمحت لهم بتجاوز العاصفة.
وإذا بدأت السعودية اتّخاذ خطوات نحو إعادة تحديد هويتها، فسيكون من الصّعب على الغرب تحديد نطاق التغيير. تتغيّر السعودية طوال الوقت، لكنّها تفعل ذلك بطريقتها وفي المساحة الخاصّة بها، بغض النّظر عمّا يتوقّعه الغرب منها. إنّها ثورة بخطوات صغيرة للغاية.
من الأسلم أن نعتقد أنّ السعودية ستظل ملكية مطلقة لعقود تسحق حقوق الإنسان وتنتهك الموارد الوطنية لتوسيع النفوذ السياسي لآل سعود. لكن هذا لا ينفي تيارات التغيير التي تجري تحت الرادار الغربي.
بعض اتّجاهات هذه التغييرات تبدأ من مستوى شعبي، بطريقة غير منظّمة غالبًا، في حين تكون الأخرى مبادرات من قبل النظام. وعلى أي حال، ستستمر السعودية في كونها دولة فريدة من نوعها ومتعدّدة الأوجه، تعمل وفقًا لنظرة خاصّة، دون اعتبار للغرب.
المصدر | هآرتس