مكالمة ترامب سلمان.. دبلوماسية الإستعباط

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1710
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

إيهاب زكي
“حصلت السعودية على صك براءة من دعم الإرهاب، وتبيّن أنها الرقم الصعب في معادلات الشرق الأوسط، كما حازت على حصرية تمثيل العالمين العربي والإسلامي”، هذه هي أهم الخلاصات التي خرج بها إعلام النفط كنتيحة للمكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي والملك السعودي، كما اعتبر إعلام النفط أن هذه المكالمة بمثابة صفعة لكل من حرض الولايات المتحدة لاتخاذ اجراءات قاسية بحق المملكة، أو حتى تفاءل بتلك الإجراءات لمجرد وصول ترامب بتصريحاته النارية تجاه الدول الخليجية. وعلى سبيل التذكير، فإنّ السعودية هي من انزوت في زمن الانتقال الرئاسي بكف لسان الجبير وعنتريات العسيري، ولا شك أنّ السعودية تستطيع العيش في عالم لا حماية أمريكية فيه، لذلك فإنّ من حقها الطبيعي الاحتفاء بهذه المكالمة التي تشكل في الفهم السعودي بادرة تجديدٍ لعقد الحماية، خصوصاً بعد فترة العتمة المرعبة التي عاشتها السعودية نهايات عهد أوباما ونجاح ترامب.
وحسب البيانات الرسمية، فإنّ الجانبين “تناولا عدة قضايا من أهمها طرح ترامب لمناطق آمنة في سوريا فوافق الملك السعودي”، وهذه القضية بحد ذاتها يمكن تدريسها في كليات العلوم السياسية تحت بند “الاستعباط السياسي”. فالسعودية كانت ولا زالت من أعتى المطالبين بمناطق آمنة كمقدمة لمخطط التقسيم الصهيوني لسوريا والمنطقة، وقد استعدت وأرسلت طائراتها تحت مسمى الحلف الإسلامي إلى قاعدة “إنجرليك” لتكرار “عاصفة حزم” في سوريا، بيد أنها اشترطت القيادة الأمريكية للعملية، وكان إعلام النفط لا ينفك يردد لازمة أوباما الضعيف والمتردد لأنه لم يوافق على إقامة تلك المناطق، إذاً كاذا تعني عبارة “طرح ترامب فوافق الملك”، وإذا تجاوزنا هذا الخبال، فما الذي تعنيه موافقة الملك، وماذا يملكه الملك في هذا الملف ليوافق أو يرفض، أو بالأحرى ما تأثير موافقته من عدمها، لو كانت العبارة “وافق الرئيس السوري أو وافق الرئيس الروسي”، لكان بالإمكان دراسة الأمر وتحليله والاستنتاج بناءً عليه، أما وافق الملك فلا يمكن اعتبارها سوى موافقة الملك على دفع فواتير التكلفة، وإذا أسقطنا هذه الموافقة على تاريخ آل سعود فهي لم تكن العائق في عهد أوباما، فهم كانوا وما زالوا وسيظلون على استعداد تام لدفع كل الفواتير، وإذا أخذنا بالاعتبار أهلية الملك الذهنية نصبح أمام أقصى درجات “الاستعباط السياسي”.
ولكن اللافت أن هذا الاتصال تبعه إتصالٌ آخر بولي عهد أبو ظبي، وتجاهل ترامب كلاً من الرئيس التركي والأمير القطري، رغم أنهما أول من رحَّبا بإعلان ترامب عن نيته إقامة مناطق آمنة في سوريا، كما تزامن هذا الاتصال وهذا التجاهل مع وصول دعم عسكري أمريكي لقوات سوريا الديمقراطية، وذلك للمرة الأولى في عهد ترامب وللمرة الأولى بهذه النوعية التسليحية، وقد تناول اتصال ترامب بالملك السعودي وضع تنظيم الإخوان المسلمين على لوائح الإرهاب، واعتباره طرفاً مسؤولاً عن الإرهاب. وقد يفسر هذا البند ما سبق، فتركيا وقطر يدعمان بشكلٍ صريح ذلك التنظيم، وهذا بعكس دولة الإمارات التي تكن عداءً شديداً له، ورغم أن الإخوان المسلمين حلفاء للسعودية في عدوانها على اليمن وعلى سوريا كما العراق، إلا أنهم أعداؤها في مصر مثلاً، ولكنها لا تمانع في وصمهم بالإرهاب أينما كانوا، طالما كانت هذه رغبة أمريكية. والمفارقة العجيبة هي أن هذا التنظيم لا زال يوالي آل سعود ويعادي إيران بشكلٍ لا يمكن تفسيره إلا من زاوية مذهبية، لذلك فقد نشهد مستقبلاً تغيراً في الاصطفافات بناءً على هذه البداية.
كما أن اللافت أن إعلام النفط وهو يستنتج من ذلك الاتصال حصرية التمثيل السعودي للأمتين، غابت قضية الأمتين الأولى فلسطين عن تلك المهاتفة، فالأمتان اللتان تمثلهما السعودية شغلهما الشاغل إيران، حيث اعتبر البيان أنها-إيران- هي مصدر للفوضى والأزمات في المنطقة، وأنه من الواجب محاربة أنشطتها الخارجية كما مواجهة أنشطتها العسكرية وبرامجها الصاروخية، وقد يبدو من شديد السذاجة مطالبة السعودية بتوجيه بوصلتها تجاه فلسطين، فهي لا تملك إلا المال لتسخيره في حماية العرش، والعرش تحميه أمريكا، لذلك فهي صاحبة القول الفصل في تحديد العدو وتحديد الصديق، لذلك سنشهد تقارباً سعودياً “إسرائيلياً” علنياً في ولاية ترامب. وأما المناطق الآمنة والخطط الأمريكية لمهاجمة إيران فلا يصلح الملك لنقاشها إلا في إطار الابتزاز المالي وأوامر الدفع، ولا يعني سوى المزيد من استنزاف الموازنة السعودية لصالح مصانع الأسلحة الأمريكية، وأما تنظيم الإخوان فسيعاني بشدة في دوامة التحالفات وهو يتأرجح بين لسانٍ متأسلم وفعلٍ متصهين.

– بيروت برس –